تلعب الثقافة الواعية والنضوج العقلي ذو الأفق الرحب في تحقيق النهوض المجتمعي والنظرة البعيدة لاستشراف المستقبل التقدمي والواعد في تحقيق التنمية والتطور في شتى المجالات المختلفة.
 
وعلى النقيض فإن التعليم التقليدي والتربية الثقافية السطحية والبعيدة عن المنطق والمنهجية العلمية تخلق وعيًا اجتماعيًا قاصرًا ومحصورًا في مربع ضيق لم يتحرر فيه الفكر الاجتماعي، ويظل مقيدًا بعقيدة رجعية لم يستوعب شخصيته كمواطن له حقوق مشروعة، وعليه واجبات قانونية يشرع بتنفيذها لإحداث التوازن العادل بين الحاكم والمحكوم.
 
ونظرًا لوضعية التعليم المعاصر، وبخصوص جغرافية الشمال الواقعة تحت سيطرة مليشيات الحوثي الانقلابية التابعة لأجندة الفرس الإيرانية، والمعروفة بأيديولوجيتها المتخلفة والقائمة على فكرة الطاعة والولاء لسادتهم، ومشاريعها الهدامة للقيم، والفكر المدني الحامل رسالة السلام.
 
يدرك المحلل العميق خطورة القرارات والتغييرات الدستورية التي أصدرتها حكومة الحوثي الانقلابية (غير المعترف بها)، وأردفت بتطبيقها ابتداءً في حرف بوصلة العقلية المستنيرة نحو الظلام الدامس في تغيير المناهج الدراسية التي لها أبعاد تدميرية في مستقبل الأجيال القادمة تبشر في خلق جيل عبودي متحجر ذي وعي اجتماعي خالٍ من أي أفكار تحريرية أو وعي ثوري وثقافة حقوقية نتيجة غزوها الفكري والتعبئة الثقافية المتدنية بمفاهيم دوغمائية خالية من الرؤية العميقة، والدلالة المفيدة في خدمة البشرية، وبهدف طمس الهوية الوطنية والاجتماعية والثقافية، وتكريس الفكر الثيوقراطي المسيس في خدمة السلطة المدعية توكيل الله لها في تدبير شؤون المجتمع.
 
وبما أن الهوية الثقافية معطى أخلاقي لا يعرف الثبات والركود الفكري، وتؤمن بالمرونة والتجدد ومواكبة التطور والحداثة، وعلى ضوء ذلك تتكرس وحدة المشاعر الداخلية في الذات الإنسانية، وذلك بالانتماء إلى تنظيم سياسي معترف به، وموطن أصلي تسود فيه قيم الجمال الإنساني، وفي ظل سلطة شرعية عادلة، وعرق اجتماعي يتساوى في مكانته الاجتماعية وحقوقه الدستورية مع كل الأجناس والأنساب دون أي تمييز عنصري وفوارق تفضيلية بالوظائف العامة.
 
وتجدر الإشارة في تغيير المناهج الدراسية إلى طمس الهوية الثقافية، وتزييف الحقائق التاريخية بما يتناسب مع فكرهم المذهبي والطائفي المؤطر بأفكار بهيمية بعيدة عن وعي الأناسة المتحررة، ومحاولة تشويه المفاهيم التقدمية الراقية واستبدالها بأفكار رجعية متخلفة مجمدة للوعي المجتمعي، وتشغيل التفكير الديني المتعلق بالحياة الشخصية بدلًا من الإيقاظ السياسي الذي يستنير به المواطن اليمني، ويتسلح به في استعادة كرامته وهويته الوطنية، كما أنها تريد تغييب تاريخ الحركة الوطنية التي نجحت في تحقيق ثورة سبتمبر المجيدة وإلغاء النظام الجمهوري كما ظهر في إلغاء دستور الجمهورية اليمنية واستبداله بالقرآن الكريم الموثوق منه والذي لم يتناقض مع تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف.
 
وميزة المناهج الدراسية في ظل النظام الجمهوري المتخصص في العلوم الإنسانية تم توظيفها بتنشئة الأجيال بتربية واعية بماهية الإسلام الحقيقي الحامل رسالة إنسانية سامية ونبيلة، وهي إرساء نظام اجتماعي عادل، وغرس فكرة السلام في الحفاظ على المبادئ الحياتية المشرقة، وهي العدل، والأمن والحرية، وغيرها من قيم الجمال الإنساني، والمبادئ والأخلاقيات الاجتماعية، والأنظمة والتشريعات، والقوانين الدستورية، وحقوق الإنسان بحرية الرأي، والتعدد الحزبي، وغيرها من الحقوق والواجبات المشروعة في خدمة النوع الاجتماعي بشكل عام.
 
وبمثل هذه المفاهيم القيمية التي أصبحت ثقافة مجتمعية متداولة تكرست في أذهان الأجيال منذ بزوغ فجر الجمهورية، ترى سلطة الانقلاب أنها وعكة معرقلة لممارستها السياسية ونشاطها الحركي في غرس أفكارها العقيمة ومشاريعها الصغيرة في الوسط الاجتماعي، وأنها لن تتمكن من الاستحواذ الطويل في ميدان السلطة بدون منظومة عقائدية ناشئة بتربيتها التعليمية الخاصة، والتي من أبجدياتها الولاء والطاعة، والتربية النفسية في حب الجهاد طاعة لله في الدفاع عن السلطة الدينية، ونبذ أفكار الحداثة والتقدم، وكل مظاهر العمل المدني الرامية إلى تحقيق الدولة الديمقراطية الحديثة.
 
وبتخطيط الفكر الانتهازي المحكم في وضع فرضيات وأسس المشاريع الهدامة في التركيز العميق على أهم ركيزة أساسية في تمييع المجتمع، وإيقاف حركة التطور والنمو العقلي في إعادة مسار التاريخ إلى ما قبل نشأة الجمهورية، وذلك بتغيير المناهج الدراسية التي لها أبعاد وأحلام مستقبلية طويلة، ونوايا خبيثة تضمرها سلطة المليشيا في تربية جيل عبودي يفتقد الثقافة الوطنية، وحرية التوجه السياسي وأحقية الشراكة، وحرية الاقتراع والتبادل السلمي للسلطة، وتغييب الإرث السياسي الوطني لنضال الأحرار بعدم إدخالها ضمن المواضيع الهامة في المناهج المقررة حاليًا.
 
كما تهدف المليشيا الحوثية إلى تشويه مضمون الحداثة بمبررات دينية غير منطقية، وإلغاء التيارات السياسية بتحويل منطلقاتها الفكرية إلى معتقدات مذهبية خالية من المشروع الوطني، وفي تكريس الوعي المتخلف في الذاكرة المجتمعية، وتصفية الأفكار التقدمية التي بتغييبها تخمد النزعات الثورية، وتقيد العقول المتحررة، لأنها تصبح منبوذة بخروجها عن المألوف السائد والمحافظ على ثقافة التبعية المطلقة للحاكم المقدس في عينها نتيجة التعليم التلقيني الذي تفرضه السلطة الراعية بما يتناسب مع سياستها ومسار خطها في السلوك على قاعدة النفوذ الفردي لأرباب جماعة السلطة المحصورة بمصلحتهم الذاتية البعيدة عن الخدمة المجتمعية.
 
وما سينتج عن الإهمال الشعبي، والسلطة الشرعية بعدم إيقاف طوفان الخطر الباذخ في مستقبل الأجيال القادمة، سيترتب عليه إشكاليات عويصة يصعب حلها بالطرق البسيطة، لصعوبة تفكيك ذلك المركب المتجانس من المفاهيم المغلوطة، والغيبيات الوهمية التي لم يثبتها الإعجاز العلمي، وتصديق الشعارات الديكورية، والبطولات الصورية، والمسلّمات المختزلة بقداسة السادة وأحقيتهم في تسيير شؤون الدولة، وغيرها من المفاهيم الخاوية من المعاني الحقيقية التي ستنغرس في وعيهم بمنطلق عقائدي نتيجة التراكم منذ التنشئة الأساسية والمؤدية إلى ترسب عقولهم بثقافة عدمية دون المادية الواقعية لعدم ملامسة حقهم في الرعاية والمواطنة العادلة نتيجة استغلال جمودهم الفكري ونقص وعيهم التحريري المقيد بعقدة الصمت والعبودية التي ستنعكس في سلوك حياتهم الاجتماعية.