الأخبار
- تقارير وتحليلات
قراءة في الإمكانيات المتاحة لدى الحكومة لمعالجة أزمة انهيار العملة الوطنية (تحليل)
العاصمة أونلاين / وفيق صالح
الأحد, 08 أغسطس, 2021 - 05:00 مساءً
ألقت أزمة انهيار أسعار الصرف، الأخيرة في المحافظات اليمنية، بظلال قاتمة على مختلف المجريات، لا سيما الأوضاع المعيشية، وتضخم أسعار السلع والخدمات والمواد الغذائية.
للوهلة الأولى تبدوا عملية التراجع المستمر للريال الوطني، أمام سلة العملات الأجنبية مستمرة، رغم إعلان البنك المركزي عن العديد من الإجراءات والخطوات، لتشديد عملية الرقابة على النشاط المصرفي، وتنظيم أعمال الصرف، بوجود ضغط على شراء العملات الصعبة، في عدن، وبقية المحافظات المحررة، وطلب مفتعل على المضاربة بالعملة، فوق احتياجات مستوى السوق، بيد أن هذا الضغط والطلب المفتعل التي تسعى وراءه أطراف عديدة، لم يمكن بأي حال من الأحوال، أن يعفي الحكومة من مسؤوليتها وتحصين قيمة عملتها الوطنية من أي ضربات أو محاولات تستهدف الإضرار بها.
وسجلت أسعار صرف العملات الأجنبية خلال تعاملات الساعات الأخيرة، صعوداَ متسارعاً، أمام الريال اليمني، بلغت مستويات قياسية، حيث تخطى سعر الدولار الأمريكي حاجز الـ 1050 لأول مرة في تاريخه، بينما صعد الريال السعودي هو الآخر إلى فوق مستوى 275 ريالاً.
تدهور سعر الصرف، على هذا النحو الدراماتيكي، يعطي انطباع، بأن ما يحدث، لا يختلف عن ما يسمى بحرب العملات، التي تستهدف عملة أي دولة من قبل أطراف أخرى، للضغط على النظام القائم وضرب شرعيته في الداخل واهتزاز ثقة الحكومة بمواطنيها، ولا يخفى على أحد الحرب الضروس التي تخوضها الشرعية، مع مليشيا الحوثي، وتكريس الانقسام النقدي، لإلحاق الأضرار والخسائر بالاقتصاد الكلي للبلاد، والعملة الوطنية.
كما لا يمكن أن نغفل عن أي محاولات من قبل أطراف إقليمية، لاستخدام الاقتصاد وتدهور قيمة العملة، ورقة ضغط، لتحقيق مصالح وأجندات معينة، من قبل الشرعية القائمة والحكومة اليمنية، على حساب اليمن ومصالحه الاستراتيجية الكبرى.
ومع هذا يجب أن لا نتوسع كثيراً، في تفسير ما يحدث من انهيار متسارع للعملة اليمنية، وتضخم أسعار السلع والمواد الغذائية، بأنه يعود لجهود ومحاولات الطرف الآخر المستمرة للنيل من قيمة العملة الوطنية، في المحافظات المحررة، كون قيام الحكومة بكافة الإجراءات الاقتصادية والفنية، كفيل بتحصين قيمة الريال اليمني، والاقتصاد الوطني، من أي مساعٍ أو محاولات سلبية مضادة.
غياب الحكومة على الأرض، وعدم تفعيل غالبية المؤسسات الإيرادية، واستمرار تعطيل مصادر النقد الأجنبي، وعدم تشغيل منشأة بلحاف لتصدير الغاز المسال، هذه كلها عوامل رئيسية في تدني قيمة العملة اليمنية، وتدهور الأوضاع المعيشية، أضف إلى ذلك عدم توريد مبيعات النفط الحالية إلى البنك المركزي اليمني، يساهم بشكل بالغ في استمرار هشاشة الوضع الاقتصادي، وتذبذب أسعار الصرف.
وفي ظل استمرار هكذا أوضاع، تبقى المهددات قائمة ضد الاقتصاد الوطني، حيث يدفع المواطن وحده، الثمن باهظاً من قوته المعيشي، عبر تدني القدرة الشرائية، وتآكل قيمة الريال اليمني، واستمرار موجة التضخم الجنونية لكافة أسعار السلع والمواد الضرورية والاستهلاكية.
ورغم التدهور المريع لقيمة الريال الوطني، وفقدانه 36% من قيمته خلال عام واحد، وتسببه بموجة غلاء غير مسبوقة في الأسعار، وفق تقرير للأمم المتحدة مؤخراَ، إلا أنه لم يفت الوقت بعد، ولا يزال في الأمر متسع لتدارك الوضع ومنع البلاد من الانزلاق نحو منحدرات مخيفة، وتجنب السير نحو المستقبل المجهول.
ويرى محللون، أن عملية إصلاح الأوضاع خلال الوقت الراهن، وتجنباً لحدوث مزيدا من الاثآر والتداعيات السلبية الناجمة عن تدهور العملة، تتطلب، تدخلاً دولياً وإقليمياً، بشكل عاجل، بالتوازي مع الشروع في تنفيذ خطوات الإصلاح الاقتصادي، ووضع الحلول المستدامة وإعادة هيكلة الاقتصاد، بما يضمن إنهاء حالة العشوائية والفساد وتسرب الموارد والايرادات.
وفق مختصون وخبراء، فإن عودة الحكومة بشكل عاجل إلى الداخل اليمني، وتفعيل مؤسسات الدولة، وإنهاء تشتت الموارد المحلية، وتوريدها إلى حساب موحد لدى البنك المركزي اليمني، تٌمثل خطوة مهمة لتفادي إنقاذ الوضع الإنساني في البلاد.
ويشترط خبراء اتخاذ الحكومة اليمنية، بحزمة من الإجراءات لمعالجة الوضع الاقتصادي، مثل وضع برامج تقشفي، وتقليص النفقات الخارجية بالنقد الأجنبي، ووقف هدر الموارد المحلية، ووضع الحكومة يدها على كافة الموانئ والمطارات، وفرض سيطرة الدولة، واستئناف تشغيل كافة الموارد المعطلة، ورفع وتيرة الإنتاج، وتنظيم عملية الاستيراد، للتقليل من تكلفة الواردات، من أجل تفادي استنزاف العملة الصعبة، لا سيما عملية استيراد الوقود والمشتقات النفطية.
واتخذ البنك المركزي مؤخراً خطوات، اعتبر أنها تسعى لمعالجة التشوهات السعرية للعملة اليمنية بين المحافظات، عبر ضخ العملة المحلية فئة الألف ريال يمني ذات الحجم الكبير إلى السوق في كافة مناطق البلاد، والبدء بسحب المعروض النقدي، من الطبعة الجديد ذات الشكل الصغير، والإبقاء على كميات معينة وفق احتياجات السوق، تجنياً لحدوث أي آثار تضخمية، تنتج عن عملية ضخ العملة.
بيد أن اقتصاديون، اعتبروا أن عملية تدهور سعر الصرف، لا تقتصر على مؤسسة بعينها في الجهاز الإداري للدولة، بل هي نتاج لمنظومة شاملة في كافة مكونات الدولة، لافتين إلى ضرورة تحرك عاجل رديف لكافة خطوات البنك المركزي، من أجل تحقيق الأهداف المعلنة في معالجة التشوهات السعرية للريال الوطني.
وتعتبر عملية الحضور القوي لمؤسسات الدولة وجهازها الأمني والإداري، على الأرض، عاملاً مهماً في تعزيز فرص نجاح وتنفيذ أي خطوات وإجراءات نحو تحسين العملة، وفي ظل غياب أدوات الضبط والتنفيذ، لن تبقى تلك القرارات سوى حبر على ورق.