الأخبار
- تقارير وتحليلات
ذكرى سابعة لـ11 فبراير.. ثورة وانقلاب ومقاومة ويمن يتحرر من فلول الإمامة (ملف خاص)
العاصمة أونلاين - محمد الجماعي/ خاص
السبت, 10 فبراير, 2018 - 05:06 مساءً
في أكثر من 20 ساحة وميدان للثورة، ساق الثوار أسباب خروجهم الكبير، ومسوغات سعيهم لإسقاط نظام علي عبدالله صالح، وعبروا عن غضبهم بسلمية أبهرت العالم..
ستة وعشرون شهرا، ضخ فيها شباب اليمن عنفوان رفضهم، وعصارة إبداعهم ومنتهى ما وصلت إليه عقول قادتهم ومفكريهم ولجانهم التنظيمية المختلفة..
حركوا قوافلهم، ووسعوا ساحاتهم وأنشطتهم. انضمت الائتلافات النسوية إلى قمرة القيادة الثورية، وأخضعت الساحات لبرامجها وإبداعاتها، طبطبت الجرحى، وواست أسر الشهداء، ونهضت بأدوار قيادية ما كان لها أن تنبري لها لولا معجزة الثورة..
أكثر من 120 جمعة، لكل جمعة اسم يختزل عنوان لمرحلة في مسيرة الثورة وهدفها..
غنوا للوحدة، وأكتوبر وسبتمبر ونوفمبر.. رفعوا قبعاتهم لإبراهيم الحمدي وقيادات النضال الوطني وجيش الشعب..
تضامنوا مع آلام شعبهم.. طالبوا بالمحاكمة والقصاص، وإطلاق المعتقلين، واستعادة الأموال المنهوبة، وحقوق المغتربين. أيدوا الاصطفاف الشعبي والمجلس الوطني، شاركوا في انتخابات الرئيس، وطالبوه باستقلال القضاء والهيكلة والتهيئة للحوار. تضامنوا مع الثورة السورية والقضية الفلسطينية وواكبوا الحملة العالمية لنصرة الرسول الأعظم..
خرجوا في أكثر من (1000) مسيرة و (300) وقفة احتجاجية، أوقع النظام فيهم عشرات المجازر، وارتوى تراب الوطن بأكثر من (1444) شهيدا منهم، وأكثر من (28) ألف جريح..
لقد صبر اليمنيون "كي لا تسيح الساحات وسط النيران المستعرة" حسب تعبير الكاتب جمال أنعم.. وأكد المساران الليبي والسوري بما لا يدع مجالا للشك صواب المذهب السلمي الذي انتهجه شعب الحكمة والإيمان. ولم تكن الثورتان التونسية والمصرية سوى فأل حسن يضاف إلى مبررات اليمنيين في التغيير ومنزعهم لإشعال الثورة ضد نظام علي عبدالله صالح..
ثورة خالدة
ففي منتصف يناير 2011 اندلعت الشرارة الأولى في العاصمة صنعاء، وتوالت إرهاصات ميلادها في 3 فبراير عدن.. شرع شباب اليمن ينسجون أهداف ثورة شعبية تعبر عن إرادة كل اليمنيين وتطلعاتهم، لغد أجمل يحررهم من والأوجاع والآلام التي لازمتهم طوال عقود مضت.. حيث احتضنت مدينة تعز أولى ساحات النضال، ورفعت ساحات الحرية وميادين التغيير شعارها العنيد في وجه النظام العصبوي وهتفت معها اليمن بصوت واحد: إرحل!!.
امتلأت ساحات الحرية بـ"انبعاث شعب جديد، متعافي الروح، كريم النفس، غني بنبله ومبادئه وقيمه. لم يسكن القهر أعماقه، ولم يسلبه الفقر جوهره النقي، استيقظت في روحه اليمنية عصور العنفوان والإباء والشموخ فكان على قدر مع التاريخ".
خرج الرجال، النساء، الصبيان، الشيوخ، القبائل، العسكر، العلماء، المفكرون، العامة، الوزراء، الأغنياء، الفقراء، الأحزاب والمستقلون.. خرج الجميع ونبض قلوبهم وطن. افترشوا العزيمة وتراب اليمن، والتحفوا الأمل الشجاع وهجير الخيام.
أرخوا لمرحلة جديدة من تاريخ اليمن الحديث، ارتادوا مسالك التضحية والمجد، اجتازوا منعطفات الاحتراب والتشظي، وعبروا بحكمة وجرأة عن مطالبهم ومواقفهم، وعاشوا أهدافهم بإيمان راسخ ويقين لا يتزعزع.
أنشأوا داخل ساحة التغيير بصنعاء مثلا: لجانا للخدمة والتغذية، وأخرى لأمن الساحة الممتدة على مساحة سبعة كيلو مترات وسبعة شوارع هي: العدل، والحرية والدائري والقاهرة والرباط والجامعة والميثاق، وهي تشكل أكثر من 52 منفذا لساحة التغيير، يقف على أبوابها عشرات الرجال والنساء من حملة الشهادات العلمية المختلفة.
راح صالح "يبحثُ عن الحرب، يتحرش بالساحات، يتسلل من كل منفذ، يناوش الأطراف، يستفز عنف الأحلام الثاوية في الميادين، يحاول إيقاظ صوت البندقية المخرسة بإحكام.
للحرب لا للرحيل
فمن مجازر (فبراير 2011) في المعلا والشيخ عثمان ودار سعد، إلى مجزرة الرباط والكرامة في (مارس)، وشارع الجزائر وجولة عصر وملعب الثورة في (أبريل)، مرورا بمجزرة رئاسة الوزراء بصنعاء وخليج الحرية بإب، وساحة الشهداء بالحديدة، ومصنع الذخيرة بأبين وإحراق ساحة الحرية وقصف مصلى النساء وحي الروضة بتعز في (مايو) وما بعده، وصولا إلى مجازر شارع الزراعة القاع وكنتاكي والزبيري في (سبتمبر)، وليس انتهاء بمجزرة مسيرة الحياة الراجلة من مدينة تعز في (ديسمبر) من العام نفسه..
وشهدت أحياء الحصبة وصوفان ومنازل الشيخ صادق الأحمر والفرقة الأولى مدرع في (مايو 2011) وما بعده استهدافا ممنهجا لحماة الثورة من البوابة الشمالية لساحة التغيير بصنعاء كبرى ساحات الثورة السلمية، ومثل ذلك حدث في بوابتيها الجنوبية والشرقية..
أدخل عددا من المناطق والمدن المناصرة للثورة كأرحب ونهم وبني جرموز والحيمة في (يوليو)، وقبلها الجوف (مارس) في حرب استنزاف وتشتيت للجهود، لا لشيء إلا لتسمية الثورة السلمية بغير اسمها ووصفها بغير صفتها..
حدث كل ذلك بالرغم من انضمام اللواء علي محسن الأحمر وعدد من القادة والمناطق والألوية العسكرية في الحادي والعشرين من مارس 2011 معلنين تأييدهم والتزامهم بحماية ساحات الثورة، ليضع علامات الاستفهام والتساؤل عن عدد المجازر التي كانت ستحدث لو أن هذه القيادات لم تسند ظهر الثورة والثوار..
أفعال جسيمة اصطنعها النظام ليضع العصا في دولاب الثورة، وحين قال له الشعب هيهات!! مارس العقاب الجماعي عليه، فقطع الكهرباء والغاز والبنزين والديزل، وأفرغ خزينة الدولة..
وإزاء ذلك أنجز الثوار مستشفيات ميدانية ما تزال بعضها تعمل حتى الآن لهذا الغرض كمستشفى الروضة وغيره بتعز، وفي صنعاء تأسس واحد من أكبر وأهم المستشفيات الميدانية التطوعية خلال الربيع العربي، وحيث أن تلك الدول كانت تستخدم مستشفيات الحكومة سواء أيام الثورة أو المقاومة ضد الأنظمة، فمستشفى صنعاء الميداني لم يكن سوى مسجد مع ملحقاته والأبنية المجاورة له، حيث استخدم المسجد كصالة طوارئ وقسم للرقود، فيما تم استخدام (نادي النهضة الملحق بالجامع) كبنك للدم وغرف جاهزة للعمليات بملحقاتها، فيما تم استخدام جزء من النادي كمخزن للأدوية والمعدات الطبية، وظل الجزء المتبقي من مبنى جمعية الإصلاح الخيرة التي نقلت ما يخصها إلى أماكن خارجية كإدارة للمستشفى والأطباء واللجان الطبية المختلفة والتي رعتها الجمعية الطبية الخيرية ودعمها العشرات من أبناء اليمن، بما في ذلك المستشفيات الأهلية وشركات الأدوية والمستلزمات الطبية..
تحولات هامة
أنجزت اليمن معجزتها الكبرى وأعادت تشكيل نظرة العالم تجاه اليمن، فكان نظام صالح لون الفوضى والنشاز في لوحتها الثائرة، لكن حصول الثائرة توكل كرمان على جائزة نوبل للسلام في (يونيو 2011) أدهشت العالم، غير أن لحظة الاندهاش تلك لم تستمر طويلا، إذ بدأت بعض الأطراف في لعب دور لا ينسجم وحرية الشعوب وحقها في التغيير.
استلم محاربو السياسة في أحزاب اللقاء المشترك زمام المبادرة سياسيا وتفاوضيا، حققوا انتصار سهلا وصعبا في آن واحد، لعبوا الدور بحنكة، وأوقعوا صالح في الجولة الخامسة من المفاوضات، وليس بالضربة القاضية..
عندها تداعت أطراف خارجية وداخلية لليِّ عنق الثورة، وحرف مسارها الذي رسمه الشهداء بدمائهم الزكية، وصدورهم العارية، في شعب مدجج بالسلاح والقوة ومترع بالإيمان والسلمية أيضا..
انتهت مارثونات المبادرة الخليجية ذات الخمس نسخ بتوقيع رأس النظام في (الثالث والعشرين من نوفمبر 2011)، على مبادرة ضمنت له حصانة مما اقترفت يداه ونظامه، أحلت له كل أموال الشعب المنهوبة، وحفظت له حق البقاء في بلد لفظته قواه الحية وشبابه الأحرار..
طويت صفحة صالح ونظامه، واستمر الشعب بالاشتعال.. ما زال صالح ينهزم ويموت.. والثورة تحيا وتنتصر!!.
عهد هادي
بعد أربعة وعشرين يوما من استلام المشير هادي مقاليد الحكم رسميا في (21 فبراير 2012)، انعقد مؤتمر الحوار الوطني أي في (18 مارس) بـ 560 عضوا، حضر فيه الجميع إلا الثوار، وتضمنت مخرجاته شيئا من أهداف الثورة، تبين فيما بعد أن انقلاب الحوثيين والمخلوع صالح على الثورة كان بسبب تلك الأهداف التي قامت الثورة لأجلها.
لفترة وجيزة،، بدا للناظر أن الأمور قد شقت طريقها للانفراج، لكن ثورة مضادة، متعددة الأطراف، قررت الإطاحة بأمن البلد واستقراره لتحميل الثورة الشبابية وزر كل ما يحدث..
علت اليمن سحابة حزن، أهرقت دماء اليمنيين بلا هوادة، وقدمت أرواح قادة عسكريون وأمنيون وسياسيون قربانا للفوضى والانفلات الأمني وراحت وسائل إعلام عدة تصور للشعب اليمني أن هذه المرحلة القاتمة نتيجة موضوعية لثورة الشباب وثمرة لدماء شهدائهم..
تركة ثقيلة، خزينة فارغة، وغياب واسع لجوهر الدولة ووظائفها السيادية، تخريب وتفجير وتآمر، أنهك حكومة باسندوة التي شكلت مناصفة بين قوى الثورة وغرمائها. أصدر الرئيس هادي قرارات بالجملة، فيما سمي بهيكلة الجيش، تفاءل المواطنون بهذه الخطوة، التفوا حول قيادتهم، ونسجوا أحلامهم بخيوط من أمل واهٍ وضعيف، في وقت كان سيف العقاب الجماعي يكسر عظامهم بعنف، يستهدف النور والطاقة والغاز..
ثورة مضادة
كان على ساحات الثورة أن تعاود من جديد، لكن تخدير القائمين على مقاليد السلطة والسياسة، واشتغال القوى المتصارعة على تعميق الانتماءات والولاءات الضيقة كبل حركتها وحبس أضواءها.
تقطع الجيش أوصالا ولم يُهيكل، تمزقت البلاد ولم تؤقلم، وهربت الأموال المنهوبة ولم تعد.
تحالفت الأطماع الدولية وتقاطعت مصالح القوى الكبرى في هذا البلد.
زحفت المليشيات من صعدة إلى صنعاء برضى وتواطؤ الجميع.. أسقطت المعسكرات والكل يتفرج، نهبت أسلحة الجيش، استولت على مقاليد السلطة، وأهانت كبرياء الوطن..
طفق شركاء الأمس في ثورة فبراير يسقطون أنصار الثورة وداعميها ومفكريها وأنصارها المؤثرين واحدا تلو الآخر، قتلا وتشريدا وملاحقة ونهبا وتفجيرا للأموال والممتلكات العامة والخاصة..
وفي خضم السباق بين أعداء الأمس حلفاء اليوم على تحقيق حلم استعادة الحكم إلى البطنين، أو النهدين، قضى الحوثيون وما تبقى من فلول صالح على الكثير من أحلام الشعب وثرواته وهيبته وقيمه الدينية والسياسية والاجتماعية والديمقراطية وألقوا بها إلى سحيق الحسرة والوجع..
أجهزت المليشيات ووجهها الآخر المتمثل بـ "القاعدة" على ما تبقى من مسمى الدولة، وصيرتا هذا البلد العظيم ساحة للصراعات الدولية المتربصة بموقعه الجغرافي والتجاري وثروته وحضارته وتاريخه واستقرار شعبه..
ثورة من جديد
وفي واقع كئيب تلك بعض معطياته، عاد الثوار من جديد لاستلام زمام المبادرة!.
بعد أن أدركوا أن توقف ساحات الثورة عن الإشعاع أحد عوامل التيه والضياع، عاد الثوار إلى الساحات وكلهم يقين بأن الساحات والميادين العامرة بالحرية والتضحية هي أم البدايات ورئة الثورة وقلب التغيير المنشود، وأنه ليس بمقدور أي وضع مستحدث أن يجابه قدر شعب يعشق الحرية والكرامة والعيش في مستوى العصر، والدين،
إن أعمار الشعوب تقاس بالصحوات الكبرى، وبفترات اليقظة، والتواريخ المجيدة الفارقة. ولقد مثلت تلك الساحات مغرب 33 سنة من القهر والاستبداد، ومطلع اليمن الجديد..
ولئن كانت الثورة قد ربحت بأدواتها السلمية فيما سبق، فما عاد بمقدور الخفة أن تهزمها بكل سلاحها الثقيل.
وبطبيعة الحال يمكن القول أن شباب الثورة هم الآن عماد المقاومة التي انتشرت في كل جبال وسهول اليمن، شعارها لن تضيع ثورتنا، وبمقاومتنا نحقق أهدافها، ونثبت مكتسباتها.