الأخبار
- تقارير وتحليلات
استدرجتهم للنزوح.. كيف أوقعت جماعة الحوثي سكان الحديدة في "فخ قاتل"؟
العاصمة أونلاين - خاص
الثلاثاء, 26 يونيو, 2018 - 11:55 مساءً
مع بدء الحرب في محافظة الحديدة، بين القوات الحكومية مسنودة بالتحالف العربي من جهة، ومليشيات الحوثي الانقلابية من جهة أخرى، سارعت الأخيرة إلى إقناع سكان المدينة بالنزوح إلى صنعاء، وستتكفل بتوفير المواصلات والمواد الغذائية والسكن لجميع الأسر التي تقرر النزوح، الأمر الذي نال استحسان غالبية الأسر المسالمة والتي تخشى مخاطر الحرب المستعرة في أطراف مدينتهم.
لم تكن تعلم هذه الأسر أن لدى المليشيات شروطاً مقابل تلك الوعود التي وزعتها عليهم ويأتي في مقدمتها الدفع بأبناء تلك الأسر للقتال في صفوف الجماعة في معركة الدفاع عن المدينة، ولكن وعود المليشيات سرعان ما تبخرت مع أول طلقة رصاص في مطار الحديدة الدولي، حسب ما يقوله مواطنون.
بدأت عملية النزوح من محافظة الحديدة إلى العاصمة صنعاء ولم تكن مجرد سفر من مكان إلى آخر أو من منزل في الحديدة إلى منزل في صنعاء، بل إن الفقر والجوع والمجاعة وابتزاز الحوثيين للأسر النازحة وأخذ أبنائها وأطفالها إلى الجبهات بالقوة، هو سيد الموقف.
فريق من "العاصمة أونلاين" زار عدداً من الأسر التي نزحت مؤخراً إلى العاصمة صنعاء، واستمع من أفرادها لقصة النزوح المأساوية، والتي يجسدها المثل القائل "كالمستجير من الرمضاء بالنار".
تجنيد إجباري
في حديثه لـ"العاصمة أونلاين" قال سليمان الأهدل، أحد سكان منطقة كيلو 16 بمحافظة الحديدة، "بينما نحن نستعد للنزوح إلى صنعاء، جاء مشرف حوثي جديد يدعى "أبو عقيل" وقام بأخذ اثنين من أولادي وهم (أحمد ومحمد) بالقوة، وقال لي بأنهم يحتاجونهم للقتال في صفوفهم من أجل المسيرة القرآنية والسيد والوطن ولم يرحم "أبو عقيل" دموع زوجتي وبناتي وتوسلاتهن بإرجاعهم، لم يمتلك الرجل أي شعور نهائيًا"
وتابع الأهدل بصوت متهدج "منذ أسبوعين لا أعرف أي شيء عن مصير أولادي، وبالرغم من أنهم أخذوا أولادي، إلا أنهم لم يفوا بوعودهم ولم يساعدوني بشيء لا تكاليف المواصلات ولا مواد إغاثة، ولا سكن، وأنا حاليا في منطقة عصر أبحث عن مأوى لي ولأسرتي".
تشابهت الوسائل التي استخدمتها جماعة الحوثي لإقناع عدد من سكان الحديدة بالنزوح إلى صنعاء والدفع بأبنائهم للقتال في صفوفها بجبهات القتال، فالأم "فاطمة الوصابي" تقول في حديثها لـ"العاصمة أونلاين" إن المشرف الحوثي المدعو "أبو عمار" أخذ ولدها "أديب الوصابي" إلى صفوف الجماعة بعد أن تعهد لها براتب شهري ومواد غذائية وسكن في صنعاء، ولكنها وجدت نفسها في العراء بلا سكن ولا موادا غذائية ولم يعد إليها "أبو عمار" ولا تعلم شيئًا عن ولدها حتى هذه اللحظة.
واتضح أن كل ما قدمته المليشيات الحوثية لنازحي الحديدة في صنعاء، هو توجيهها للقائمين على مدرسة أبوبكر الصديق في منطقة عصر باستقبال هؤلاء النازحين، حيث أصبحت المدرسة تكتظ بالنازحين، والكثير منهم يضطر للنوم على الأرض بمحيط المدرسة.
وفي الوقت الذي يعاني فيه النازحون من الازدحام الشديد، يعانون- أيضاً- من انعدام الماء والغذاء والدواء فالمساعدات التي تسيطر عليها جماعة الحوثي وتتحكم بعملية توزيعها لم تصل إليهم حتى اللحظة لتخفف معاناتهم، لتظل بطونهم الخاوية مهددة بالمجاعة، حسب ما تحدث به الكثير من النازحين لـ"العاصمة أونلاين".
حملات.. التفتيش عن مقاتلين جدد
قال نازحون لفريق "العاصمة أونلاين" إن مشرفين من جماعة الحوثي يمرون كل صباح على المدرسة ويطالبون الأسر النازحة بالدفع من تبقى من أبنائها لرفد جبهات القتال في محافظة الحديدة، دون أن يتطرقون لأحوال هذه الأسر وما الذي تحتاجه من المواد الغذائية والإيوائية.
لم يشفع حال النازحين هذا عند أمراء الحرب في جماعة الحوثي، يكشف أحد النازحين أن مشرفًا حوثيًا لا يتجاوز عمره الـ17 أقدم، السبت الماضي، على اختطاف أحد الشباب النازحين تمهيداً لإرساله إلى جبهات القتال.
ويضيف في حديثه لفريق "العاصمة أونلاين" بأن جريمة هذا الشاب النازح هو أنه تمكن من استئجار دراجة نارية وبدأ يعمل بها لتوفير الغذاء والدواء لأسرته المنكوبة، إلا أن المشرف الحوثي لم يرق له ذلك، زاعمًا بأن الجبهات أولى بالشباب من خدمة أسرهم المشردة.
وساطة غير ناجحة
وقبل مغادرتنا المكان، طلب منا شيخ طاعن في السن، مساعدتهم لدى الجهات المختصة بفتح مدارس أخرى للنازحين لأنهم كثر، واضطررنا للذهاب إلى إحدى الجهات التعليمية وطرحنا عليهم فكرة فتح المزيد من المدارس لاستيعاب النازحين، لكن المسؤول اعتذر، وقال إن هذه الأمور بيد من أسماهم "أنصار الله".
وبعد أخذ ورد مع هذا المسؤول- الذي نتحفظ عن اسمه حفاظا على حياته- اختصر الحديث بالقول "نحن مجرد عمال غير مدفوعي الأجر، ونعمل لدى الحوثيين بالقوة تحت تهديد السلاح".
نهب المعونات.. بنظر المنظمات الدولية
وبعد أن تأكد لنا من النازحين عدم استلامهم لأي معونات إنسانية أو مواد إيوائية، تواصلنا مع أحد العاملين في إحدى المنظمات الإغاثية الدولية المتواجد في صنعاء، وصدمنا حين أخبرنا بأن الحوثيين هم من يستلمون المعونات المخصصة للعاصمة صنعاء.
ومن خلال حديث الموظف الذي رفض الكشف عن هويته لأسباب أمنية، فإن جماعة الحوثي تقوم بتوزيع هذه المواد الإغاثية ثلاثة أجزاء، حيث تقوم بتخزين جزء منها، وإرسال جزء آخر لمقاتليها في الجبهات، فيما تقوم ببيع ما تبقى منها للتجار واستخدام قيمتها في تمويل عملياتها القتالية.
وعند استفسارنا عما إذا كانت هذه المنظمات على دراية بتصرفات الحوثيين وعبثهم بالمساعدات الإنسانية في الوقت الذي يموت فيها الناس جوعًا، قال إنها على دراية كاملة بذلك، مضيفًا بأنه يتم رفع تقارير أسبوعية وشهرية، لكن المنظمات لم تحرك أي ساكن، ولا يعلم أحد شيء عن السبب.
أبواب مغلقة ومفتاح واحد
مع امتلاء المدرسة المذكورة بنازحي الحديدة، حاولت عدد من الأسر استئجار شقق سكنية متوسطة في أحياء صنعاء، الا إنهم تفاجئوا بارتفاع أسعار الايجارات بشكل غير معهود، حيث اضطر البعض منهم للبحث عن غرف مؤقتة في الفنادق إلا إنها هي الأخرى لم يتمكنوا من دخولها لارتفاع أسعار الإيجارات ولعدم امتلاكهم المبالغ اللازمة.
ومن خلال تتبعنا لأحوال نازحي الحديد في صنعاء طيلة الأيام القليلة الماضية، اكتشفنا أن أتباع جماعة الحوثي الانقلابية هم المتسبب في معاناة الأسر النازحة ابتداء من استدراجهم من منازلهم بمدينة الحديدة وصولاً إلى حشرهم في المدرسة ورفعها للضرائب على ملاك الفنادق والعقارات وحرمانهم من المواد الإغاثية والإيوائية، فجماعة الحوثي هي الآمر والناهي في صنعاء، والمتحكم في مصائر سكانها.
تهديد وقتل
لم تتوقف معاناة نازحي الحديدة في صنعاء عند عدم حصولهم على مسكن أو مشرب أو مأكل أو دواء، فالأسر المنكوبة التي تركت منازلها هربًا من الموت لجأت إلى الموت ذاته، يقول مواطنون إن 7 من نازحي الحديدة في صنعاء قتلوا برصاص الحوثيين بعد امتنعوا عن الذهاب مع الجماعة لتعزيز مقاتليها في جبهات القتال، ويؤكد المواطنون بأن أسر هؤلاء القتلى الذين قضوا خلال أسبوع، لم تعلم بمصرعهم.
تقول الشابة سمية مرعي، في حديثها لـ"العاصمة أونلاين" أن مليشيات الحوثي الانقلابية أصبحت تعبث بمصير العشرات من الأسر أمام سمع العالم وبصره، دون أن يعترضها أحد، رغم مجاهرتها في الانتهاكات الكبرى على خلاف جرائمها في الماضي التي كانت تعمل على سترها وإخفائها عن العالم.
وعن انتهاكات الحوثيين بحق نازحي الحديدة في صنعاء، أكد مرعي، أن الجماعة باتت ترسل عناصرها- يوميًا- لتفتيش المدرسة التي يقطنها النازحون للتفتيش عن مقاتلين جدد من الشباب والأطفال، وتهديد تلك الأسر بإخراجها من المدرسة في حال ثبت إخفائها للشباب أو التحفظ عليهم والحيلولة دون ذهابهم إلى الجبهات.
معاناة مستمرة.. لم تحدث في تاريخ اليمن
هذا نزر يسير من معاناة الأسر النازحة من مدينة الحديدة إلى العاصمة صنعاء الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وجزء من فصول المعاناة في رحلة الهروب من الموت في مراكب القتلة وفي عاصمة الأشباح المتعطشة للأموال والدماء، غادرنا المكان وتركنا خلفنا مئات القصص المهولة التي لم تحدث في تاريخ اليمن القديم والحديث، لكنها حقائق جلية يشهد على استمرارها سكان العاصمة وتعلمها المنظمات الدولية المعنية بحقوق الإنسان والتي لم تحرك ساكناً حتى اللحظة.
ما يتعرض له أبناء مدينة الحديدة على أيدي جماعة الحوثي الانقلابية لم تمارسه ضدهم جحافل الأحباش ولا جيوش الترك وعتاولة الغزو المتعاقبة في الأزمنة الغابرة، إلا أن هذه المليشيات المحلية الحاقدة الحالمة قد أخرجت السكان من منازلهم بوعود زائفة واتخذتهم معسكرات خلفية لتعزيز جبهاتها المتأرجحة، رغم بطونهم الخاوية التي لم تمتلئ بالخبز الدافئ منذ وقوعهم في الفخ القاتل.