الحوثية والاتجار بالبشر
الإثنين, 31 يوليو, 2023 - 04:49 مساءً
يحيي العالم “اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر” في 30 يوليو من كل عام، للتذكير بخطورة وبشاعة هذه الجريمة التي تعد انتهاك جسيماً للحقوق الأساسية للإنسان وشكلا من أشكال الرق المعاصر والعبودية، وتصنف هذه الجريمة الثالثة من حيث العائدات بعد تهريب السلاح وتجارة المخدرات.
توصف هذه الجريمة بالعبودية المعاصرة لما تشكله من امتهان وتحقير للنفس البشرية التي كرمها الله عز وجل ونفي الآدمية عن ضحاياها، وتشكل تهديداً خطيراً لأمن وسلامة المجتمعات النامية، وتستوجب مكافحتها العمل على مختلف الأصعدة القانونية والأمنية والاجتماعية والإعلامية.
ماذا يقصد بـ"الإتجار بالبشر"؟
يقصد بالإتجار بالبشر تجنيد أشخاص أو نقلهم أو تنقيلهم أو إيواؤهم أو استقبالهم بواسطة التهديد بالقوة وكذلك استعمال السلطة أو الاستغلال حالة استضعاف أو بإعطاء او تلقي مبالغ مالية أو مزايا لنيل موافقة شخص له السيطرة على الشخص أخر لغرض الاستغلال ويشمل الاستغلال كحد أدنى استغلال دعارة الغير أو الاسترقاق أو نزع الأعضاء البشرية والاستعباد، وأعمال السخرة، والإتجار بالأعضاء البشرية، والخدمة بالإكراه، والتسول والممارسات الشبيهة بالاستعباد.
صادقت اليمن على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الجريمة المنظمة عبر الوطنية، وهو أول اتفاق دولي بشأن الاتجار بالأشخاص منذ اعتماد الجمعية العامة في عام 1949، ولم تصادق على بروتوكول منع وقمع ومعاقبة الاتجار بالأشخاص، وبخاصة النساء والأطفال، الذي اعتمدته الجمعية العامة في كانون الأول/ ديسمبر 2000م.
الإتجار بالبشر في الحروب
تعد النزاعات المسلحة والحروب والصراعات بيئة خصبة للإتجار بالبشر، وفي اليمن تزايدت صور وأنماط الاتجار بالبشر بعد سيطرة مليشيا الحوثي على مؤسسات ومقدرات الدولة اليمنية وحولت المناطق التي تسيطر عليها إلى أكبر بؤر الإتجار بالبشر في العالم، وعملت بشكل ممنهج وتعمد على إفقار وتجويع الشعب ونهب المرتبات في جميع مؤسسات الدولة وشردت أكثر من 4.5 يمني بسبب الحرب التي أشعلتها ونتيجة القمع والإرهاب الذي تمارسه في مناطق سيطرتها، وتنامت المآسي والجرائم والانتهاكات بشكل مخيف وحولت اليمن إلى أكبر أزمة إنسانية في العالم.
العبودية وتطييف المجتمع
تسعى مليشيا الحوثي الى تطييف المجتمع عبر سلسلة من الفعاليات والأنشطة التي تلغي الحق في الحرية والكرامة والمساواة، وتعطي لنفسها الحق الإلهي في الحكم وتحاول نسف كل قيم المواطنة المتساوية والتعايش السلمي وتعمل على هدم مبادئ الجمهورية ومكتسبات وأهداف ثورة السادس والعشرين من سبتمبر المجيد، التي تدعو إلى التحرر من العبودية والاستبداد وإزالة الفوارق بين الطبقات، وهو ما يعزز جريمة الإتجار بالبشر الذي يحتفل العالم اليوم بمحاربته ومكافحته.
الولاية تكريس للعبودية
تعتمد ما يسمى بالولاية، على المعتقدات العنصرية والتمييز العنصري والتفوق العرقي الذي تقوم عليه جماعة الحوثي وتمنحها مميزات اقتصادية وثراء فاحش إلى جانب المكاسب السياسي وأحقيتها في الاستئثار في تولي المناصب الحكومية وصكاً مفتوحاً في نهب أموال المواطنين والاستيلاء على ممتلكاتهم ومصادرتها، وأخذ الجبايات غير القانونية تحت مسمى الخمس والولاية والغدير والمولد لجني المزيد من الأموال والثروات دون أي مبالاة بالفقر المدقع والعوز والوضع الانساني الكارثي الذي وصل إليه ابناء اليمن، بينما تعيش العناصر السلالية في بذخ وترف من العيش وبناء القصور والامبراطوريات الاقتصادية.
الولاية وادعاء الاصطفاء الإلهي التي تحاول مليشيا الحوثي زرعها، استغلال سيئ ونموذج للإتجار بالبشر، ومخالفة جريئة لكل المعاهدات الدولية وتتنافى مع الدستور اليمني والحق في الانتخاب والترشح والتعايش السلمي ومبادئ الديمقراطية والمواطنة المتساوية، وفي تجاوز للقوانين الوطنية والمعاهدات والاتفاقيات الدولية نصت مدونتهم على مبدأ الولاية، في انتهاك صارخ لكل قيم الحرية والكرامة الانسانية، بل ويفاخرون بممارسة التمييز العنصري والتفوق العرقي، متوهمين العودة إلى زمن العبودية، غير مدركين أن الشعب اليمني الذي تذوق طعم الحرية أكثر وعيا ضد خرافاتهم ومعتقداتهم الكهنوتية المنحرفة، وهي احد اشكال الاسترقاق والاتجار بالبشر المجرمة في القوانين المحلية والدولية.
مدونة السلوك الوظيفي الحوثية تقنين للاستعباد
في الوقت الذي يتسابق فيه العالم للخلاص من كل صور الرق والعبودية والإتجار بالبشر وامتهان الكرامة الانسانية تعمل مليشيا الحوثي على وضع قوانين ومدونات وظيفية وتشريعات تكرس جريمة الإٌتجار بالبشر والعبودية والطبقية والتمييز العنصري في انتهاك صارخ لكل القوانين والمواثيق الدولية التي تحمي الكرامة الانسانية وفي مخالفة لقوانين الخدمة المدنية والقوانين الوطنية التي تكفل حماية حقوق الانسان وتضمن الحقوق الأساسية والأصلية المتجذرة في جميع البشر وفي مقدمتها المساواة والمواطنة المتساوية ، وتعد عملية إرهاب وتعسف وظيفي.
تتناول مدونة العبودية الحوثية تهديدات واضحة وصريحة لمن يرفض الافكار المتطرفة والطائفية في فقرة ضمانات تطبيق المدونة، التي نصت على "المساءلة وتطبيق مبدأ الثواب والعقاب فيما يتعلق (بالالتزام من عدمه) بالمدونة"، وذهبت المليشيات أبعد من ذلك في اجراءاتها وانتهاكاتها ضد الموظفين، بإلزام جميع الموظفين بالتوقيع على تعهد خطي بما جاء في المدونة وحفظه في ملف الموظف، وهذا يعد انتهاكا لحقوق الموظفين في حرية الرأي والتعبير ومصادرة حقوقهم في حرية المعتقد، حيث تتضمن الوثيقة إجبارهم في الاعتقاد بأفكار طائفتهم وطريقة تفكيرهم وانتهاكات لخصوصية الموظفين.
السخرة وإجبار الموظفين بدون رواتب
تنص الاتفاقية الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر والبروتوكول المكمل لها تجريم السخرة وإجبار الناس على العمل بدون أجور مناسبة ومعقولة واعتبرت ان هذه الممارسات أخد أنماط الإتجار بالبشر وهو ما تقوم به مليشيا الحوثي ضد موظفي الدولة مدنيين وعسكريين ويعملون دون مرتبات وتستخدم التهديد بالفصل والتعسف لكل من يرفض العمل، في الوقت الذي تنهب فيه مليارات الريالات من الموانئ والضرائب والجمارك والجبايات ضد الشركات والمؤسسات التجارية، ويحظى المنتمين للسلالة بمرتبات شهرية ومنتظمة وامتيازات خاصة في تمييز عنصري وطبقي يخالف كل الأعراف والقيم.
المناهج التعليمية وتكريس العبودية
تمارس المليشيات الحوثية انتهاكاتها المتواصلة ضد الطفولة، لغرس خرافاتها الطائفية التي تعزز العبودية وتقسم المجتمع الى طبقات، وتقديس قيادات السلالة العنصرية، من خلال وإقصاء الكوادر الوطنية في المدارس واستبدالهم بكوادر عنصرية، لطمس الهوية الوطنية والدينية في المدارس والمؤسسات التعليمية، وإدخالها في المناهج التعليمية لتسميم عقول الطلاب، ويعتبر من أخطر الانتهاكات والجرائم التي تعزز ثقافة الطائفية وتؤسس لمنهجية القتل والحرب والانقسام المجتمعي وتزرع الافكار المتطرفة وتولد لدى الاطفال العنف وتحرض على الكراهية ونبذ الآخر، كما تستغل العملية التعليمية في تجنيد اكبر عدد من الأطفال لاستخدامهم في الأعمال العسكرية، مما دفع بالعديد من الأطفال ترك مقاعد الدراسة.
الأدوية المغشوشة والمهربة
المتاجرة بأرواح البشر واحدة من أبشع صور الاتجار بالبشر، كشف تقارير حقوقية عن تورط قيادات عليا في مليشيا الحوثي في عن تهريب الأدوية وبيعها وإغراق الأسواق المحلية بالملوث منها، وتضمنت القائمة 75 شخصًا يعملون في تهريب وتزوير الأدوية وبيعها لصالح مشافي وصيدليات خاصة، ولم تكن جريمة مقتل 20 طفل في مستشفى الكويت بسببها إلإ واحدة من عشرات الجرائم ضد الإنسانية التي تمارسها المليشيات وسط غياب كامل للمساءلة والتحقيق الشفاف ومحاسبة المتورطين.
استغلال الأطفال في التجنيد والأعمال العسكرية
لم يعد خافياً على أحد اعتماد مليشيا الحوثي على تجنيد الاطفال كنوع من أنواع الاتجار بالبشر، بل يتصل نسبة الأطفال المشاركين في الاعمال العسكرية الى 70% من اجمال مقاتليها، وتستغل الحوثية الحالة الإنسانية والتدهور المعيشي للزج بأطفال اليمن إلى محارق الموت وهي واحدة من أبشع صور الإتجار بالبشر.
المهاجرين الأفارقة
يرتبط تهريب المهاجرين ارتباطا وثيقا بجريمة الاتجار بالبشر، حيث يمكن أن يقع العديد من المهاجرين ضحية العمل القسري طوال رحلتهم، وعادة ما يجبر المهرّبون المهاجرين على العمل في ظروفٍ غير إنسانية لدفع ثمن مرورهم غير القانوني عبر الحدود، وتستغل مليشيا الحوثي المهاجرين الأفارقة الذين يعبرون الى اليمن الى دول مجاورة في الأعمال الشاقة، وتعرض 450 مهاجراً للحرق في سجن الجوازات بصنعاء في انتهاك صارخ لحقوق الإنسان.
سرقة الأعضاء البشرية
في وقت سابق كشفت المنظمة اليمنية لمكافحة الإتجار بالبشر أنها وثّقت عدداً من الحالات التي تعرضت لهذه الجرائم، وتتحفظ عن ذكرها، كما ذكر البيان أن لدى المنظمة أسماء لقيادات حوثية نافذة قدمت الدعم والحماية لعمليات "صادمة" تمت فيها سرقة أعضاء وأنسجة بشرية من جرحى الحوثيين في الحرب، مشيرة إلى أن هذه القيادات ضالعة في تشكيل عصابات للمتاجرة بالأعضاء البشرية، وأغلقت المليشيات المنظمة بعد كشفها جرائم موثقة مارستها المليشيات.
الإتجار بالبشر وتحقيق العدالة
للعمل على معالجة هذه الجرائم لابد للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً من وضع إستراتيجية وطنية لمكافحة جريمة الإتجار بالبشر، وسن قوانين وتشريعات رادعة للحد من تلك الأنشطة الإجرامية، وعلى الباحثين والأكاديميين والخبراء إعداد دراسات بحثية بشأن جريمة الاتجار في البشر، ومواصلة الحملات الإعلامية للتوعية بمخاطرها، لا سيما على الفئات الأكثر ضعفا وهشاشة كالنساء والأطفال.
على المجتمع الدولي والأمم المتحدة وهيئات حقوق الإنسان تفعيل سبل الحماية والمقاضاة والمنع ومعاقبة الجناة، وجبر الضرر وإعادة تأهيل ضحايا الجريمة وإعادة الإدماج في المجتمع، والاستجابة لصرخات المظلومين والانتصار لمعاناة الملايين من ضحايا جرائم الحوثي في الإتجار بالبشر، ووضع قائمة سوداء بالمتورطين والمسؤولين من القيادات والعناصر الحوثية، وتقديمهم للمحاكمة باعتبارهم مجرمي حرب، وضمان عدم إفلاتهم من العقاب.
*مدير عام مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة