×
آخر الأخبار
8 سنوات من الحصار.. أهالي جمعية الفرقة السكنية في صنعاء يشكون ظلم وفساد الحوثيين  الوحدة التنفيذية في مأرب: تصريحات الوكيل "محمود صالح" عارية عن الصحة ومغايرة للواقع الميداني الخارجية الأمريكية تناقش مع "مسقط" قضية موظفي سفارتها في صنعاء المحتجزين لدى الحوثيين  رئيس الوزراء يوجه بإلغاء أي إجراءات تستهدف نشاط نقابة الصحفيين اليمنيين "الغذاء العالمي" يعلن عن حاجته لـ1.5 مليار دولار لتمويل أنشطته في اليمن  منظمات حقوقية تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطفال في اليمن مراكز المعاقين في صنعاء تؤكد الاستمرار في الاضراب الشامل صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة  بن دغر: لقاء الإصلاح واللواء الزبيدي خطوة إيجابية لمصالحة وطنية شاملة  وقفات حاشدة في مأرب وتعز تندد باستمرار جرائم الاحتلال بحق سكان غزة

أبو منير القائد

الإثنين, 11 ديسمبر, 2023 - 11:57 مساءً

أخاطبه صباح الأمس  بلهجتي الدارجة العامية وانا بسيارتي ( قلدك الله يافندم ناصر هذا يرضيك قالوا ما عاد انا عندهم)  يلاحظني أحد الافراد  فيبتسم ويقول (مالك يا فندم ضبحوا بك قد بتحاكي نفسك ) تابعت السير ولم ارد عليه لأن فيني من القهر ما يجعلني احمل اوجاعي وأصمت.
أنا لم اكن اتكلم مع نفسي أيها الرفيق بل كنت اخاطب الشهيد القائد ناصر الذيباني فالشهيد حي يرزق عند ربه كما أخبرنا بذلك الله في محكم كتابه.
 
قبل عام من اليوم وبالتحديد في الذكرى الأولى لاستشهاد أبو منير حصلت على صوره صغيره بحجم كف اليد وألصقتها في الفريم الامامي لسيارتي من الداخل  أمام وجهي ، وعلى مدار العام كل صباح تقريبا أنظر إلى الصورة فأقرئ صاحبها السلام وأترحم عليه وأحيانا كثيره أتذكر مئاثره وبطولاته وعزيمته فينتابني قدر من الذهول وإحساس عميق من حجم الخسارة التي اصابت الصف الوطني الجمهوري برحيل هذا الأسد.
 
كان أبو منير قائدا يشبه في صرامته وشدة بأسه الفاروق عمر أبن الخطاب رضي الله عنه ،ويضاهي في عدله وكرهه للظلم  النجاشي الذي وصفه رسول الله صلوات الله وسلامه عليه بأنه ملك لا يظلم عنده أحد، فكان جدارا صلبا وحصناً وكتفاً يلجأ إليه الكثير من الضباط  والأفراد في حال تعرضوا لمظلمه من هنا اوهناك  يعرضون مشاكلهم عليه رغم انشغالاته الكبيرة ووقته  الضيق  فيصغي اليهم ولا يتردد في نصرتهم والوقوف الى جانبهم بالحق وتذليل ما امكن من الصعاب التي تواجههم .
 
قبل أن يرتقي بفترة ليست طويله نتواصل به قبل صلاة الظهر انا وأثنين من الزملاء لأخذ موعد نناقش معه عمل كان هو مسئولنا المباشر فيه فيرد ( القوني للبيت نتغدى سوى ونتكلم)، كان عائدا من احدى الجبهات بكامل هندامه العسكري  اتيناه وأثر الأعياء والتعب والارهاق الشديد واضح في ملامحه لكن بأسه وشدته أكبر من ذلك وتبادلنا الحديث اثناء الغداء واخذ الأوراق الخاصة بالعمل  ووجه بها.
 كنت دائما أحرص أن لا أكلم ابو منير أو أذهب إليه بأي موضوع شخصي لأني أعرف أن أكتافه تحمل من هموم المعركة مالا تتحمله الجبال الراسيات ، ولكني في ذلك اليوم انتهزت الفرصة واستغليت  انشغال زملائي بحديث جانبي واقتربت من القائد وشرحت له مشكلتي بغصة وقهر وبأقل من دقيقه رد ضهره الى الجدار وقال لي  (هذه فوضى وعواقبها غير محسوبة  لكن خير ان شاء الله تهدأ الامور شويه وتعال با نحل مشكلتك وجيب لي السيرة الذاتية حقك)
استئذانه بالانصراف ثم ودعناه وغادرنا فكان  الوداع الأخير، اشدت حدة المعارك  ولزم أبو منير الجبهات كعادته ليلا ونهارا ثم أرتقى شهيدا وإلى الان لم تحل مشكلتي ولا زالت سيرتي الذاتية التي اعديتها له موجوده بين أشيائي العزيزة في درج دولابي في منزلي الذي أكافح من أجل تأمين إيجاره الشهري، لهذا كنت صباح الأمس أحدثه بنفس الغصة الناجمة عن ذات الموضوع الذي وعدني بأن يعالجه قبل أن يصطفيه الله شهيدا مجيدا مقبلا غير مدبر.
 
لم يكن أبو منير قائدا عاديا توكل إليه مهمه معينه يعمل على تنفيذها بنسب متفاوتة من النجاح والفشل بل كان مدرسة فريده من نوعها في فن القيادة يعمل بكل طاقته ليطوع كل الامكانات  المتاحة والجهود والتشكيلات لتكون في متناول القائد وتحت تصرفه وبالتالي الاستفادة منها بأكبر قدر في إدارة المعركة.
وكان واحدا من ثلاثة ضباط نعرفهم جميعا واحببناهم جميعا وشعرنا معهم بكثير من الطمأنينة في أوج الأزمات ثلاثتهم من الصعب أن يتكرروا في التأريخ المعاصر وثلاثتهم أرتقوا وهم في الصفوف الأولى وثلاثتهم لن يتجاوزهم التأريخ بل سيقف كثيرا عند مئاثرهم وشجاعتهم ويسجلها بأنصع صفحاته وسيتوارث الأجيال  بطولاتهم وتضحياتهم ويتحدثون عنها كما نتحدث عن علي عبد المغني والثلاياء والزبيري ورفاقهم.
 
كان الشهيد القائد ناصر الذيباني رجلاً لا يساوم في المواقف الوطنية ولا يقبل بأنصاف الحلول ولا يستقوي بنفوذه على الضعيف بل يقف معه ويسانده حتى يشتد ساعده لا يحب الخمول والرفاهية، فساعتين من النوم تحت شجرة تكفيه لينهض بعدها ويواصل عطاءه ومهامه التي لا تكاد تنتهي ، فتراه يتحرك هنا وهناك بنشاط منقطع النظير  وكأنه في العشرين من عمره تعرفه كل الجبهات بصخورها ورمالها وجبالها ومناخها المتقلب و هناك كان قريبا جدا من المقاتلين يستمع لمعاناتهم ويحمي ضهورهم وينطلق قبلهم  ويأكل مما يأكلون منه ويشرب مما يشربون.
وكان أبو منير لا يحب الظهور الاعلامي كثيرا فترى معظم الصور التي التقطت له كانت عفويه وبدون علمه ولا تراه كثيرا في المناسبات ولا يحب الثناء والإطراء والمديح الزائد ولا يتودد للمتغطرس مهما كانت مكانته ولا يحب الجلوس بالمكاتب ولم يبلع يوما في جوفه كلمة حق في أي موقف بل كان جهورا قويا عند المواجهة لا يخاف في الله لومة لائم.
 
أبو منير نموذجا للقائد العظيم الذي اجتمعت فيه كل الصفات التي بموجبها حاز بجدارة على احترام الناس وحبهم وتقديرهم وسجل أسمه في أعلى الصفحة الاولى من كتاب الكفاح والنضال والجهاد الحقيقي المتجرد من كل العاهات والشوائب.
 
كم أحزننا فراق أبو منير وكم تألمنا لرحيله وكم كانت خسارة الصف الجمهوري فادحه برحيل  هذه الهامه الوطنية الكبيرة وكم تعلمنا من أبو منير دروسا عظيمه في الصبر والجلد والكفاح والشجاعة والصمود الذي لا يضاهيه إلا صمود أهل غزه في أكناف بيت المقدس.
 
رحم الله الشهيد القائد ناصر الذيباني في ذكرى رحيله الثانية وأسكنه الفردوس الأعلى من الجنه مع النبيين والصديقين والشهداء ولانامت أعين الجبناء.
 
والله الموفق والمستعان
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

صدام المجذوب