من (المعلامة) و بعيدا عن السياسة !
الأحد, 29 أكتوبر, 2017 - 10:06 صباحاً
متى بلغ الطفل 72 شهرا أو قبل ذلك بقليل أو بعده بأقل، كانت الأسر تدفع بأطفالها إلى ( المعلامة ) ليبدأ التعليم بقراءة القرآن الكريم، لدى (الفقي).
تتضاعف في المعلامة القوانين التي لا بد أن يلتزم بها الطفل أكثر مما كان عليه في البيت، و تزداد نسبة التعامل بصرامة عما كان عليه الحال في الأسرة.
و تتوسع في المعلامة دائرة العلاقات و المعرفة، و يتعدد الأصدقاء ، و لا تخلو هذه الصداقات في كثير من الأحيان من الخصومة و القطيعة ، شأنها في ذلك شأن كل الصغار في كل زمان و مكان . و دائما ما يكون وراء هذه القطيعة و تردي العلاقات البينية أسباب تافهة ؛ و لأن السذاجة تلازم الصغار دائما - في كل مكان و زمان أيضا - فتتكرر القطيعة ؛ و لأسباب ساذجة و سخيفة كذلك !
لكنها هنا في المعلامة قطيعة محدودة الزمن، معدومة الأثر .
قد تكون العلاقة بين اثنين مثلا طيبة و ممتازة، فيجلب أحدهما معه إلى المعلامة شيئا من أكل، فيعطي لصديق و يمنع آخر بلا مبالاة أو هفوة؛ فتكون القطيعة ، حيث يقوم الآخر بالتكلف اليوم الثاني لإحضار لعبة أو شيئا من أكل، كل ذلك ليرد على صاحبه بمثل ما عامله به بالأمس، مجرد مناكفة ليس إلا !
شقاوة صغار المعلامة دائما ساذجة ، وفيها كثير من الطرافة ، لكن سخافة بعض (الصغار) بليدة وبائسة ، و قد تكون أحيانا مدمرة !
للأطفال في المعلامة ، عند أي إشكال يتطور مرجعيتان : ( الأسر ) أحيانا، و(الفقي ) غالبا.
و (للفقي) دائما صرامة و هيبة تحزم و تحسم كل خلاف، و له عند تلامذته احترام و توقير ، كما أن لصغار المعلامة براءة و فطرة تتناسى كل خلاف !
يكبر أطفال المعلامة، و تكبر مداركهم ، و تتوسع آفاقهم ، وتتسع ثقافتهم، و يصيرون رجالا أو نساء كبارا، و تتشعب بهم الحياة.
لكن البعض يكبر، و يظل صغيرا ، تظل معه الشقاوة و لكنه يفقد البراءة، و تكبر معه السذاجة البائسة ، و تختفي الفطرة الطيبة !!
أسباب الخصومة و القطيعة التافهة، و الساذجة في حياة صغره المتأخرة لا تكبر، و لكن ما يكبر بشكل مخز و محزن هو نتائج تلك السذاجات والتفاهات .
و ما يزيد الطين بلة، أن (الصغار ) هنا ليس لهم أي مرجعية، صغار و لكن بلا (فقي) و لا أسر ، أو كما يقول المثل : لا عقل و لا عقال !
و تزداد المسألة فجيعة ، أن يغدو مثل هؤلاء الصغار في محل المسؤولية، و تكون الفجيعة أكبر أن يكون مسؤولا كبيرا في مؤسسة ما أو عمل حزبي أو منصب رسمي، بينما هو في الحقيقة (صغير ) !
لكن المحذور الأشد ، و الطامة الكبرى التي تخشى هو أن يصل مثل هؤلاء الصغار ؛ ليس إلى مستوى رفيع في حزب أو شركة أو منصب رسمي فقط؛ و إنما الطامة أن يأتي يوم يصل فيه أمثالهم إلى سدة الحكم في بلد ما ، فتسود السذاجة و توافه الأسباب العلاقات البينية بين البلدان ، و تتقطع العلاقات ؛ لأن عقلية هذا الصغير منذ كان في المعلامة لم تتغير، و الذي تغير فقط انتفاخ الجسم وخسران البراءة و الفطرة، و فقدان المرجعية !
و الأسوء من كل ذلك ؛ أن تحل التبعية محل المرجعية ، فتضيع تبعا لذلك البراءة و الوطنية و الكرامة و الهوية !
كم نحن بحاجة إلى براءة الطفولة ، و حنكة الرجولة، ومرجعية حكيمة، و نحن أشد حاجة إلى أولئك الصغار الأبرياء الذين يصيرون رجالا يوقرون العلم، و يحترمون الكبار ، و يعطفون على الصغار و يعززون علاقات المجتمع ببعضه و مع جيرانه، والمحافظة عليها من( الصغار ) !
غير أن الدنيا ما تزال بخير، فتلك النوعية من الصغار لم يصلوا بعد إلى سدة الحكم في أي بلد ، و هذا - إن كان فهمي صائبا - أمر جيد !!