×
آخر الأخبار
دائرة الطلاب بإصلاح أمانة العاصمة تنعي التربوي "فرحان الحجري" مأرب: تتويج ورشة عمل اساسيات التخطيط الاستراتيجي بتشكيل "لجنة السلم المجتمعي"  "هولندا" تؤكد دعمها للحكومة الشرعية لتحقيق السلام الدائم والشامل انتهاك للطفولة.. منظمة ميون تحذر من مراكز الحوثي الصيفية لمشاركتهم في تظاهرة احتجاجية.. الحوثيون يختطفون أربعة من موظفي مكتب النقل بالحديدة صنعاء.. وكيل نيابة تابع للحوثيين يهدد محامية ونقابة المحامين تدين شبوة.. إصابة طفلين بانفجار لغم من مخلفات الحوثيين الأكبر منذ 2015.. إيران تزيد من منحها الدراسية لعناصر مليشيا الحوثي تهديد "حوثي" للأطباء بعد تسرب وثائق تدينها بتهريب مبيدات مسرطنة تحالف حقوقي يوثق 127 انتهاكاً جسيماً بحق أطفال اليمن خلال أقل من عامين

صنعاء.. موت مدينة

السبت, 02 يونيو, 2018 - 10:44 مساءً

نهار طويل لا يختلف عن نهارات رمضان، لم يكد ينتهي على المدينة المتأهبة لأذان المغرب حتى رن الهاتف.
 كان الحزن يلتهم صوتها المرتبك الحائر، تخفي أمرا ما، بين حروفها المتكسرة؛ حين بتكرار السلام؛ وحين بالسؤال عن الأهل والأخبار، وأنا على الطرف الآخر منصتة.
 
تّشَجَعَتْ بعد جهد وباحت بمكنونها: جائعة مع أبنائها ولا يوجد غير الماء لإفطارهم. ليست عبارات كـ"الصاعقة، التي وقعت علي، وقلبي الذي توقف عن الخفقان"، مناسبة لتوصيف دقيق لما شعرت به. تأتيك لحظات تحني فيها انسانيتك ظهرها، وتضيع أبجديتك وأنت تبحث عما تقوله أمام عجزك عن سد حاجة سائل التجأ اليك..!
 
لم يعد تقليب صفحات التاريخ للبحث عن أسباب موت المدن مهماً. التاريخ فعل مستمر تعيش فيه وتعاشره قبل أن يتحول لحروف تسطر أمامك.
 
صنعاء المدينة الكريمة، حين عجزت عن العطاء، ولم تجد ما تهبه لساكنيها، قررت اعطائهم درس حي في كيفية موت المدن.
 
لا أعتقد بأن من عاش في صنعاء أو غيرها، لم يتوقف متألماً أمام حال أهاليها ومعاناتهم منذ بدء الحرب. أبسط مثال قريب على ذلك، هو الفيديو الحي لطوابير النساء الطويلة في انتظاراً معونة غذائية. انهمر المطر غزيرا على رؤوسهن لفض الصفوف وإجبار الواقفات على العودة إلى منازلهن، وصوت رعده يزمجر غاضباً: ما هكذا تقف النساء في صنعاء؟!
 
بعناد محارب يبحث عما ينقذ مدينة تهدد الجميع بموتها، استمر وقوف النسوة غير مباليات بالمطر، فلم يكن ذلك الطابور الأول، ولن يكون الأخير، ففي كل يوم يستحدث طابور جديد لحاجة جديدة.
 
هذه هي الحقيقة التي يرفض الجميع الاعتراف بها، أو تصديقها: نحن أمام مدينة على وشك لفظ أنفاسها الأخيرة. يحاول سكانها انعاشها قدر ما أمكنهم من بقية قوة ولأطول فترة ممكنة، وقد تحملت المرأة النصيب الأكبر في تلك العملية لإدراكها قيمة الحياة.
 
لم يكن الموت المؤجل لصنعاء بسبب الصواريخ التي تساقطت من السماء، أو الحرب المتوقفة على حدودها منذ سنوات. لم تحاصر كما يردد البعض. كما أن الأمراض والأوبئة بريئة مما ينسب اليها. الحقيقة المرة أن المدينة تئن بسبب سيطرة الغيلان عليها.
 
وحوش حقيقية، أرتدت بشرة آدمية على وجوهها وأكفها. لو تمعنت قليلاً لوجدت الفرو المغطي لأجسادهم يظهر عندما ترتفع أكمام الأثواب التي يرتدونها. تسمع همهمتهم في ثنايا الليل وهم يتساءلون باستمرار عن سبب تنفس صنعاء وسكانها، وقد قطعوا عنها جميع سبل الحياة الممكنة...!!
 
ما الذي يُبقي المدينة تتنفس حتى الآن، بعد أن تخلت عنها الحكومة الشرعية المنوطة بإنقاذها؟!
 
لعلها روح اليمني الحقيقية التي نزعت عنها سلبيتها وتواكلها، وهي تفاجئك بمخزون غير عادي من تراحم وتكافل إنساني مضيئ، على عكس ما يفترض للحروب أن تظهره. مبادرات فردية رافضة لموت مدينة صنعاء قام بها القادرون في الداخل ومغتربي الخارج، دون تخطيط مسبق أو حملة إعلانات ذات صيت مدوي. جل همهم إزاحة ولو جزء بسيط من معاناة اليمني، ومد يد العون للعاجزين عن مواجهة قسوة الحياة.
 
لم تنم السيدة المتصلة ليلتها، حتى وصلها ما يكفيها وأبنائها من الغذاء لشهر كامل.
 
 هذا ما قالته لي في اتصال متأخر، وبنبرة ممتلئة بالبهجة تبشر نفسها وتبشرني بكفالة فاعل خير لأسرتها حتى تنجلي غمتها وتصبح قادرة على متطلبات الحياة.
 
 لم تنسى، قبل أن تغلق الهاتف، أن تسألني بصوت مرتعش بالأمل: "هل صحيح ما يقال عن اقتراب تحرير مدينة الحديدة"...؟!
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

نور ناجي