التصحر الأخلاقي للجماعة الحوثية
الإثنين, 14 يناير, 2019 - 11:10 صباحاً
الجدب في الأخلاق أشد ضررا و أكبر مصيبة من تصحر الأرض و جدب الوديان:
و إذا أُصيب القوم في أخلاقهم فأقم عليهم مأتما و عويلا
و الخير أو الشر ليس ملازما لفئة أو أسرة أو عائلة، و إنما هو عمل و سعي يضعك في الخير أو الشر( إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
لما عاد مشركو قريش منهزمين من معركة بدر، كانت قلوبهم تغلي كالمرجل؛ غيظا و حقدا على الرسول صلى الله عليه و سلم و على المسلمين، و كان دافع الانتقام لديهم طاغيا، و وافق أنه بعد المعركة بوقت خرجت زينب بنت الرسول(ص) من مكة المكرمة تريد المدينة المنورة مهاجرة إلى الله و رسوله، فتعرض لها حين خروجها بدوافع الانتقام بعض نفر أخذوا يهيجون البعير حتى أسقطها من على ظهره و طرحت جنينها الذي كانت حاملة به ، و كانت ممارسة انتقامية بائسة، فاستفز هذا العمل الدنيئ هند بنت عتبة التي قالت ساخرة من هزيمتم ببدر و نقدا لانتقامهم من امرأة في موقف ضعف :
أفي السلم أعيارا جفاء و غلظة و في الحرب أمثال النساء العوارك
فاستحقوا بفعلتهم الخسيسة أن تشبه الواحد منهم بالعَيْر أي الحمار في الجفاء و الغلظة.
هذه الحادثة التي حفظها لنا التاريخ استدعتها الممارسات الحوثية التي خرج مسلحوها بالأمس يستعرضون بتبجح و فجاجة ضد أسرة الهامة الوطنية محمد قحطان، أسرة ليس فيها غير أطفال و نساء و عزّل من السلاح.
لم تقف بي الذكريات عند أولئك الأعيار فحسب، و لكن راح البال يتساءل أحقا هؤلاء من يزعمون أنهم أصحاب المسيرة القرآنية؟ ثم قفز إلى ذهني تساؤل آخر : و هو أنهم يدعون شرف التميز على الاخرين بالحسب و النسب، مع أن القرآن الكريم حسم هذه المزاعم مبكرا محددا و مبينا الاشرف و الأكرم( إن أكرمكم عند الله أتقاكم) و أكد على ذلك المصطفى(ص) يوم أن نبه على عشيرته لا يأتيني الناس بأعمالهم و تأتوني بأنسابكم.
هذا التصحر الأخلاقي و الجدب السلوكي في من يدعون حب الآل أو من يتخذون من النسب طريقا للممايزة و الفخر هو سلوك تمترس خلفه المدعون منذ زمن سحيق، و هو حب كاذب و تشيّع مخادع، أظهر زيفه بكلام صحيح صريح الخليفة الراشد الرابع علي بن ابي طالب رضي الله عنه، يوم أن خذله أولئك المدعون للحب، حيث نقل عنه ابن أبي الحديد في نهج البلاغة - و هو شيعي - قوله فيهم: ( يا أشباه الرجال و لا رجال... لوددت أني لم أركم و لم أعرفكم معرفة جرّت والله ندما، و أعقبت سدما، قاتلكم الله؛ لقد ملأتم قلبي قيحا، و شحنتم صدري غيظا، و جرعتموني نغب التهمام - غصص الهم - أنفاسا، و أفسدتم عليّ رأيي بالعصيان و الخذلان ..).
و هي عبارات من خطبة له يستنكر فعال مدعيي حبه، الذين خذلوه و عصوه.
لم يكن حال الحسن - ابنه رضي الله عنه- مع هذه النوعية بأحسن حال من أبيه، فقد نهبوا بعض متاعه و أرادوا قتله، حتى قال الحسن:( يزعمون أنهم لي شيعة؟ ابتغوا قتلي و نهبوا مالي).
و أما الحسين رضي الله عنه، و قد والوا إرسال الرسائل و الرسل إليه يلحون في طلبه إليهم و سرعة وصوله ليبايعوه، فلما أن أتاهم استجابة لذلك الإلحاح الشديد منهم خذلوه و غدروا به و كانوا ممن قاتله، فدعا عليهم قاىلا: ( اللهم إن متعتهم إلى حين ففرقهم فرقا، و اجعلهم طرائق قددا، و لا ترض الولاة عنهم أبدا، فإنهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علينا ليقتلونا )!
و أما علي بن الحسين- زين العابدين - فقد وصف أولئك المدعين في عهده الذين ساروا على نهج سابقيهم و سار من جاء بعدهم على نفس طريق ادعاء الحب ؛ لقضاء أغراضهم و تحقيق منافعهم و غاياتهم؛ وصفهم بقوله:( إن هؤلاء يبكون علينا فمن قتلنا غيرهم).
إنه تراكم الجدب الثقافي، و التصحر السلوكي، الذي صار مذهبا متبعا عند من هم على تلك الشاكلة، و هم أبعد الناس عن علي، و أقصى عن الطريق السوي.
لقد ظل ذلك الخلق البائس ينمو خارج ضوابط الاستقامة، و يتمادى بعيدا عن سبل الهداية، متمترسين بزعم الحب و النسب، و ما لهم به من صلة غير صلة الوسيلة و السبب.
أفيعجب البعض اليوم من سلوكياتهم التي يرون غايتهم و مصلحتهم تبرر كل وسيلة، و تجيز لهم كل جريمة!؟ و ما سلوكهم المارق تجاه أسرة المناضل النبيل الاستاذ محمد قحطان إلا حلقة من حلقات طيشهم و جزءا يسيرا من فظائعهم التي لا ترقب في مؤمن إلا و لاذمة.
لقد تكشفت سوءاتهم للقريب و البعيد، و ما يستر عوراتهم من شيئ، كلا و لا دعايات و لا تغريدات، و لا إعلام و لا صحافة!
فيا له من مشروع بائس، و حوثية خائبة، و لا أكثر منهم بؤسا و خيبة إلا من يصدقهم أو يتمسح بأقدامهم !