الأخبار
- تقارير وتحليلات
لجوء المليشيا الحوثية الى التجنيد الإجباري.. أبعاد الدعوة ودلالات التوقيت
العاصمة أونلاين - خاص
الثلاثاء, 16 يناير, 2018 - 10:17 صباحاً
كشفت حملة التجنيد المنظمة للأطفال والشباب، التي شرعت بتنفيذها مليشيا الحوثي الانقلابية، عن حجم الخسائر البشرية الفادحة التي مُنيت بها خلال الفترة الأخيرة، في مختلف جبهات القتال.
حيث أدى النزيف العددي المتواصل في صفوف مقاتلي المليشيا الحوثية، والذي أصبح كابوسا يؤرق مضاجع قادة الميليشيا ومشرفيها الميدانيين، الأمر الذي دفع المليشيا الإمامية، الى اللجوء لفرض التجنيد الاجباري (الإلزامي)، على الشباب، مع فتح باب التجنيد الرسمي (التطوعي)، بالتزامن مع توسيع حملة الاستقطاب الممنهجة للشباب والأطفال من المدارس والشوارع.
الحملة التي انتشرت مؤخرا في إطار برنامج تشرف عليه وزارة الدفاع الحوثية تحت أسم "الحملة الوطنية للتجنيد"، شملت مديريات العاصمة صنعاء وبقية المناطق الأخرى الواقعة تحت سيطرة الميليشيات المدعومة من إيران.
وبخلاف الحملات السابقة المشابهة، فإن هذه الحملة، قد تم اطلاقها بمشاركة عدد من الجهات والقطاعات الأخرى، حيث شملت ما تسمى بـ"الحملة الوطنية للتجنيد"، التي أطلقتها ميليشيات الحوثي مطلع العام الجديد (2018)، إشراك كافة القطاعات والشخصيات التابعة لهم في إنجاح الحملة، بما في ذلك القضاة وعلماء الدين والخطباء وكافة المسئولين في حكومتهم الانقلابية بصنعاء وبقية المحافظات الأخرى تحت سيطرتهم.
النفير العام!
وفي هذا السياق، عقدت ما تسمى "رابطة علماء اليمن" التابعة لهم، الثلاثاء الماضي (9 يناير) في العاصمة صنعاء، لقاءا دشنت فيه حملة اُطلق عليها حملة "انفروا خفافا وثقالا "، تدعوا إلى "النفير العام والالتحاق بمعسكرات التجنيد"، حسب ما أكدته وكالة "سبأ" للأنباء التابعة لهم. حضر التدشين عدد من المسئولين في حكومتهم الانقلابية، على رأسهم: أمين عام مجلس القضاء الأعلى ووزير الأوقاف والإرشاد في حكومتهم بصنعاء، وعدد من العلماء والخطباء (التابعين لهم) بالأمانة ومختلف المحافظات.
وأصدرت ما تسمى "رابطة علماء اليمن" التابعة للحوثيين، بيانا حرضت فيه الناس على ما أطلقت عليه بـ"النفير العام"، داعية إلى رفد الجبهات بالمقاتلين والمال، وحثت الشباب- بشكل خاص- إلى تلبية دعوة وزارة الدفاع الحوثية للالتحاق بحملة التجنيد.
تحذيرات حكومية
ردّت الحكومة الشرعية، على هذه الحملة التي تسعى من خلالها المليشيا الى ملشنة المجتمع، بتحذيرها من خطورة ما تقوم به من فرض للتجنيد الإجباري على المواطنين، في المناطق الخاضعة لسيطرتها، والزج بهم في جبهات القتال.
وقالت الحكومة، على لسان وزير اعلامها معمر الأرياني (السبت 6 يناير)، "إن التقارير الميدانية تؤكد قيام المليشيا بتخيير المواطنين في عدد من المناطق بين الاعتقال أو التوجه لجبهات القتال، وقيامها باختطاف الأطفال من المدارس ودار الأيتام بالعاصمة صنعاء. مشيرا الى "أن هذه الممارسات تتنافى مع القوانين الدولية المنظمة لحقوق الإنسان في حالات السلم والحرب وتتجاوز كافة الاعراف والقيم المجتمعية والإنسانية".
ولفت إلى الخطة، تمثل حالة الانهيار الكامل والوضع الذي باتت تعيشه المليشيا بعد انكشاف حقيقة مشروعهم التخريبي والتدميري الممول من إيران". مضيفا، "أن الدولة والحكومة الشرعية وحدها من تملك الحق في فتح باب التجنيد في صفوف القوات المسلحة بموجب الدستور والقوانين النافذة".
ودعا وزير الإعلام المنظمات الدولية وهيئات حقوق الإنسان لإدانة هذه الممارسات التي تمثل انتهاكا خطيرا لحقوق الإنسان وترقى إلى جرائم الابادة الجماعية وتقديم المسئولين عنها للمحاسبة، وبذل كل ما يلزم من الإجراءات لحماية المدنيين وتجنيبهم ويلات الحرب والصراع.
سباق محموم
في مقال له تحت عنوان، "أبعاد دعوة زعيم الحوثيين إلى التجنيد التطوعي"، أوضح المحلل الاستراتيجي، الدكتور علي الذهب، أن الدعوة التي أطلقها زعيم مليشيا الحوثيين، عبدالملك الحوثي، عبر خطاب متلفز، في منتصف سبتمبر/أيلول الماضي 2017، أثارت الكثير من التساؤلات حول دوافع هذه الدعوة، ومراميها، والتداعيات المحتملة على ميزان قوة حليفه، حزب المؤتمر الشعبي العام، لا سيما أن الموافقة على ذلك، يعني فتح باب الالتحاق رسميا في المحافظات التي يسيطرون عليها، وبنظر وزارة الدفاع الخاضعة لهم، بما يتراوح بين 2000- 3000 مجند لكل محافظة، ولعل المحصلة النهائية ستكون مثيرة للجدل!
وقال الذهب، "أن مسألة التجنيد أصبحت هاجسا مشتركا بين الحوثيين وحليفهم حزب المؤتمر، تزايد معه السباق المحموم بينهما، لتكوين ميليشيات خاصة لكل منهم، وزرع عناصر موالية داخل الجيش السابق، الذي تماهى الجزء الأكبر منه مع سلطة الانقلاب، منذ اجتياح الحوثيين صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014، وتوزع الجزء الآخر بين السلطة الشرعية وبين عدم الالتحاق بأي طرف".
يُشار الى أن هذا الأمر ورد قبل مقتل علي عبد الله صالح، من قبل حليفه الحوثي في الــ 4 من ديسمبر، بعد يومين فقط من اعلانه فض الشراكة معها، ودعوته انصاره لقتالها في الأرياف والقرى والحارات، قبل أن تتمكن من الوصول الى رأسه الأفعى الذي ظل يتغنى كثيرا، واصفا حكمه بالرقص على رؤوس الثعابين.
تخوفات فحسب!
وفي هذا السياق، أكد أحد أفراد الجيش، من التابعين لما كان يُعرف سابقا بالحرس الجمهوري، كان قد حضر في وقت سابق، إحدى الدورات الطائفية التابعة لهم، في منطقة آنس، بمحافظة ذمار، جنوب صنعاء، "أن المليشيا الحوثية لجأت الى التجنيد الإجباري، لعدم وثوقها بشكل كامل في أفراد الجيش، رغم أن الكثير منهم يقاتل في صفوفهم، ولذا يحرصون بشكل دائم على التجنيد الجديد، لكي يضمنوا ولائه بشكل كامل".
وأكد في حديثه لـ"العاصمة أونلاين"، أن المليشيا عادة ما تؤكد لهم أثناء الدورات، أن أكثر الشباب ولاء واخلاصا لهم في الجبهات، هم أولئك الذين تم تجنيدهم مؤخرا، او ما يُعرفوا باسم اللجان الشعبية، وهو الأمر الذي دفعهم لهذا الأمر، لكي يشكلوا جيش خاص بهم، يسعون الى بنائه، ذات توجه عقدي، مليشياوي، يخدم أهدافهم وتوجهاتهم الطائفية والسلالية، لكي يكون جيش بديل، في اطار الدولة التي يسعون لبنائها داخل الدولة، كما هو الحاصل اليوم، في لبنان، وغيرها". حد وصفه.
خيارات المليشيا
وكانت مصادر محلية في محافظة صنعاء قد كشفت في وقت سابق، أن ميليشيا الحوثي بدأت تتحرك في مديريات العاصمة ومحيطها القبلي، وفق خيارات عدة متواكبة ضمن خطة لحملة موسعة محددة بفترة زمنية، يُعتقد أنها لا تقل - في مرحلتها الأولى - عن ثلاثة أشهر؛ مستخدمة الإغراء المالي لشيوخ القبائل كأحد الخيارات الرئيسية، ومن يرفض أو يمتنع تفرض عليه إتاوات مالية تحت مسمى "بدل تجنيد"، وفي أحيان أخرى باسم دعم المجهود الحربي.
وبحسب المصادر، فأن المليشيا الانقلابية، وفي إطار ما أطلق عليها بـ"الحملة الوطنية للتجنيد"، عقدت يوم الاحد الماضي لقاءا موسعا لشيوخ القبائل في محافظة صنعاء لحثهم على رفد الجبهات بالمقاتلين وانجاح الحملة.
وكشفت المصادر أن مليشيا الحوثي في محافظة صنعاء، فرضت عددا محددا من المجندين على كل مديرية، وشكلت لأجل ذلك لجان فرعية للنزول الميداني لتجنيد العدد المطلوب والمحدد، والذي يصل – بحسب بعض المعلومات- إلى ما لا يقل عن 20 ألف مقاتل، كمرحلة أولى، من كافة المحافظات الواقعة في نطاق سيطرتها.
وأضافت، كما يتم- من جهة أخرى- حصر المنازل وساكنيها في العاصمة صنعاء، وبقية المحافظات الأخرى، لفرض التجنيد الاجباري على الشباب أو دفع البدل المالي لمن لا يرغب. في الوقت الذي انتشرت فيه أيضا إعلانات فتح باب التجنيد الرسمي للمتطوعين، الذين يتم اغرائهم بتقييدهم رسميا في القوات المسلحة وتسليمهم راتبا شهريا.
وفُتحت لهذا الغرض، محاضن ومراكز لاستقبال المتطوعين– المُستَقطَبين- للتجنيد، ونشرت أرقام للتواصل مع المشرفين على الحملة بالعاصمة صنعاء، بحسب كل مديرية، إلى جانب رقم العمليات بوزارة الدفاع (الحوثية)، التي تشرف رسميا على هذه الحملة (التجنيد الرسمي).
تكتيك المقامرين
في قراءته للتطورات العسكرية المتلاحقة على أرض المعركة، ولجوء مليشيا الحوثي الانقلابية الي فرض التجنيد الاجباري، يرى الكاتب والصحفي اليمني "علي الفقيه"، أن جماعة الحوثي "تمارس نفس تكتيك المقامرين".
وأوضح، ضمن حديثه لـ"العاصمة أونلاين"، أن هذا التكتيك يقوم على "أنك كلما خسرت أكثر، اقتربت من المكسب"، مستدركا: "بينما هي في الحقيقة تتعرض لاستنزاف هائل للمقاتلين في صفوفها".
ويعتقد الفقيه أن "الاستنزاف بدأ يطال ما يسمونها بالنواة الصلبة التي تتشكل من مجاميع من المقاتلين المنتمين للسلالة الهاشمية الذين كانوا في العامين الماضيين يشغلون مواقع قيادية وإشرافيه في قطاعات مختلفة". لكن مؤخرا- يضيف: "بدأ هؤلاء بالنزول إلى ساحات القتال، حيث لقى الكثير منهم حتفه في الجبهات، سواءً بنيران المقاتلين التابعين للحكومة الشرعية أو بغارات مقاتلات التحالف العربي".
وعليه؛ يصل الفقيه إلى تأكيد وصفه السابق، الذي بدأه، بأن ميليشيات الحوثي عبارة عن "جماعة مقامرة، تفقد الكثير من مقاتليها كل يوم.. وكلما تعرضت للاستنزاف، حاولت التعويض من جانب آخر من خلال الزج بضحايا جدد إلى الجبهات".
استنزاف مستمر
وعلى المنوال نفسه، يؤكد الكاتب والمحلل السياسي اليمني "ياسين التميمي" على أن لجوء الحوثيين إلى التجنيد "يؤشر إلى حالة الاستنزاف المستمرة لعناصرهم المقاتلة في الجبهات، نتيجة تصاعد العمليات العسكرية للسلطة الشرعية والتحالف في أكثر من جبهة" وفي توقيت زمني واحد.
وإلى جانب ذلك، يشير التميمي، في حديثه لـ"العاصمة أونلاين"، إلى سبب آخر، هو "خروج صالح من معادلة الصراع بتلك الصورة، الأمر الذي -على ما يبدو- أثَّرَ على حماس الناس في المناطق التي كانت تحتفظ بولائها التقليدي لصالح، ما أفقد التجييش للجبهات زخمه". مضيفا، أن الحوثيين يهدفون، أيضا، من خلال فرض التجنيد، إلى تعميم المعركة، لتظهر وكأنها معركة كل اليمنيين، وليست معركة الميلشيا في مواجهة الطرف الآخر الذي تمثله الشرعية والتحالف.
ومن ضمن الأسباب التي استدعت الميليشيات إلى فرض التجنيد الإجباري، بحسب التميمي، أن "الحوثيين يواجهون أيضا مشكلة التمويل، فلم يعودوا قادرين على استقطاب المقاتلين". ويستدرك: "لذا يطمحون إلى تأمين المقاتلين دون أن يكلفهم ذلك اموالا، وهو أمر يمكن تحقيقه عبر التجنيد الإجباري".
وبرغم كل ذلك، يتفق كل من الفقيه والتميمي مع ما يؤكده معظم المراقبين على أن حملة التجنيد هذه ستبوء بالفشل الذريع كسابقاتها، لكنهم شددوا على ضرورة أن تواصل قوات الجيش الوطني ومعها المقاومة الشعبية، بدعم واسناد من التحالف العربي، العمليات العسكرية في مختلف الجبهات بشكل متزامن ودون توقف، كما هو حالها خلال الأسابيع الأخيرة.
وبحسب بعض التصريحات، مؤخرا، لقادة عسكريين في الجيش الحكومي، هناك ترتيبات عسكرية يتم الاعداد لها على مستوى عالي لتحرير ما تبقى من مناطق تحت سيطرة الميليشيات الانقلابية. وفقا للكاتب والمحلل السياسي اليمني "عبد الحكيم هلال".