×
آخر الأخبار
بتمويل كويتي .. وضع حجر الأساس لبناء مدرسة "إنسان" في مأرب مصدر في حماس: الفروق في مفاوضات غزة باتت بسيطة والعمل جارٍ على بندين "عكفة رهائن".. كيف علق اليمنيون على حضور "الراعي وبن حبتور" دورة عسكرية للحوثيين؟ "رشاد العليمي" يشدد على مضاعفة الجهود لتعزيز دور البنك المركزي في حشد الدعم الإقليمي والدولي الصحفي "عبدالخالق عمران": زعيم الحوثيين يقود حرباً منذ سنوات على الصحفيين والصحافة قيادي بحزب الإصلاح يدين استهداف أمين عام نقابة الصحفيين في صنعاء البنك المركزي يسرد الإجراءات الحوثية التدميرية للاقتصاد الوطني مسؤول حكومي يدين محاولة اغتيال أمين عام نقابة الصحفيين اليمنيين إصابة أمين عام نقابة الصحفيين ومقتل أحد أفراد أسرته بصنعاء تعز.. مسيرة طلابية حاشدة نصرةً لـ "غزة" ودعمًا لطلاب الجامعات في العالم

يساراً.. حيث وطني!

الاربعاء, 11 أكتوبر, 2017 - 11:23 صباحاً

كلما رحل المرء بعيداً عن داره حنَّ كثيراً إليه.. وكلما غاب طويلاً عن أهله أزداد حباً لهم.

فالدار والأهل هما: الوطن، في أكثف وأوضح صورة وأقربها إلى النفس.

ولا أحد يدرك مدى عظمة وقيمة وجمال الوطن إلاَّ حين يرحل عنه، ولو لبضعة أميال ولبضعة أيام.

ويظل الوطن في القلب والعين والذاكرة، في كل حالات البعد والرحيل والسفر والفقدان.

يظل وشماً على اليد وكُحلاً في الطرف.. ويظل ناقوساً يرن في طرقات الذات المسافرة.

الوطن أغلى من أن نبيعه، وأصعب من أن نهجره، وهو عصي على النسيان.. ومن يظن أنه باع وطنه، فهو باع ذاته في سوق العدم!

...

ذات شتاء قارس، كنت في بلد عربي. لكنني كنت أعيش الغربة والاغتراب، برغم كل مظاهر الحفاوة وكرم الضيافة التي أحاطني بها أهل ذلك البلد. ولم تفلح حينها فخامة الفندق وطلاوة الترحيب وروعة الطبيعة في أن تُنسيني لحظةً واحدة صوت نادل المقهى الذي أرتاده في الحي الشعبي الذي أسكنه.. ولا أنستني تلك المكتبة الصغيرة في بيتي الصغير.. أو ذلك القمر النائم عند حافة النافذة المشرعة.

كم كان شوقي غزيراً حينها إلى شمس مدينتي اللاهبة.. إلى دكاكينها الصغيرة المتناثرة هنا وهناك.. إلى طرقاتها الطافحة ورياحها اللافحة.. إلى نعيق الغربان وهديل الحمائم.. إلى ضوضاء الثانية ظهراً وأضواء الثامنة ليلاً.. إلى الطوابير المزدحمة الطويلة قبالة سلعة أرخص من قبضة تراب.. إلى الأطفال الراكضين خلف شاحنة متهالكة.. إلى البحر والجبل والأصيل.. إلى صديق ودّعني صباح السفر.. وزميل أوصاني بأن أعود إليه بسقط متاع.. إلى آخر كتاب أقتنيته ولم أقرأه بعد.. إلى إفطار الصباح مع زملائي، وشاي العصر من يد أمي.. إلى سماء لم تمطر يوماً، وجبال لم تخضر يوماً.. إلى حبيب يُصافيني، وصديق يُجافيني.. إلى بائعة الفجل في باب الحي.. إلى مئذنة المسجد توقظني من أحلى نوم.. إلى مشاكسات الكبار ومداعبات الصغار.. إلى نباح الكلاب بعد منتصف الليل.. إلى سيارة جاري المصنوعة في عشرينيات القرن العشرين.. وكم كان شوقي غزيراً إلى حبيبتي المنتظرة في شُرفة الليل.

...

وذات صيف دافىء، كنت مسافراً مرةً أخرى. حللتُ في مدينة، أهلها مثل أهلي.. وديارها كدياري.. وكل قصاصة تُلقيها الريح في طريقي تقول لي: إنها بعض بلدي.

مضغت القات هناك، وشربت القهوة التي أشربها في مقهى الحي، ولبست "الفوطة".. وأكلت ما كنت آكله في بيتي.. ولكنني ظللت غريباً ومغترباً.

كان الوطن أبعد من أن يُختزل في جلسة قات، أو يُختزن في لحظة حميمة في كتاب التاريخ أو أطلس الجغرافيا.. لكنه ظل أقرب إليَّ من حبل الوريد وحليب الأم وشهقة الولادة.

وأزدادت أسفاري، من بلاد في أقصى الشرق، إلى أخرى في أدنى الغرب.. ومن بلد ينطق الضاد، إلى بلد يجمع الأضداد.. وطالت إقاماتي فيها وقصرت.. غير أن الغُربة ظلت كُربة في كل حين وحال في جميع دروب التجوال.

وظللت أُردّد لنفسي:

هناك وطني.. حيث يطيب يومي.. ويهنأ نومي.. ويلوح حلمي.. و يُسَرّ قلمي.. وينبض قلبي..

وقد أراد الله أن يكون قلبي قابعاً في جهة اليسار من الصدر.. وأن يكون قلمي قابضاً على جهة اليسار من الفكر.. وأن يكون وطني رابضاً في جهة اليسار من الخريطة.

*المقال خاص بـ(يمن مونيتور) 


اقرأ ايضاً