بين نزيف الألم.. وجراح القلم
الثلاثاء, 03 سبتمبر, 2024 - 12:13 صباحاً
أحياناً ينسلّ القلم من بين أصابع الكاتب وهو يحاول أن يستلَّ قلمه في وجه الأمية الطاغية والعبثية المتوحشة التي تنهش جدار الوعي والمعرفة وهي تزحف بكثافة مفرطة على مساحة الوعي الجمعي الذي بات جدار صد وصخرة منيعة في مواجهة الجهل المركب والفاحش في المجتمع الذي تسيطر عليه المليشيا وتتحكم في كل مفاصل الحياة وتفاصيلها، ولكي لا أظل حبيس خواطري وأفكاري التي لم تطاوعني على الكتابة، وحتى لا ينقلب القلم خاسئاً وهو حسير، كان لزاما عليّ ان أوقام غثيان الكتابة بعدم الاستجابة لحالة التبلد وغيبوبة الشعور ..
،ولكي أضع حرفا في بداية السطر الصحيح، علي أن أكتب عن وطني، الذي بلغ به الألم مبلغه ، حتى أن المآسي أثخنت فيه نزيف الألم، وجراح القلم ، ولم يعد في حبل الفكر منزع للتعبير عن مشاهد الوجع التي نرى ونشاهد، نلحظ ونلاحظ،
وكأنه لم يعد في اصطبل الخيول خيلاً للركض ولا حصاناً للترويض؟ أحجمت عن الإقدام ونأت بنفسها عن مواطن الزحام ..
انه الوطن النازف جراء الجائحة الحوثية التي أثقلت كاهله وعمقت جراحه، فالوطن عندما ينزف يئن القلم ويتوجع، لا أحد يضمد جراحه، الا من وهبه روحه، والشهداء وحدهم من وهبوه أنفسهم ودماءهم..
بحثت عن هبة أحبوك يا وطني،
فلم أجد لك الا قلبي الدامي،
القلب والقلم صنوان يضمدان جراح الوطن ويحبوانه بعظيم التضحية ويقاوما كل جائحة لعينة، وكل عاصفة هجينة، تغزوه بالخراب والدمار،
يقولون لا شيئ أغلا من الوطن لأنه يمنحنا الدفئ والأمان، ويجعلنا نعيش في كنفه هانئين منعمين
ولكن عندما يئن الوطن يتوجع المواطن ويتداعى له بالسهر والحمى فالانسان بطبيعته مرتبط بوطنه واقرب شيئ اليه هو ذاك التراب الذي أقلّه، والسقف الذي أظلّه، وليس هناك اشد على الانسان من وجع الأوطان ،لأنه اذا فقد وطنه فقد كرامته واذا فقد كرامته فقد حياته ،
لاقيمة للانسان إلا بوطنه ولامكانة له الا به، حتى وان كانت الأرض واسعة فانها تضيق عند فقدان الأوطان..
الوطن الكبير الذي يحمل الجميع ويحميهم، وحده الوطن الذي لايسألك عن دين أو حزب أو مذهب أو لون أو شكل مادمت من ابنائه فهو يحميك ويمنحك السعادة والطمأنينة والأمان،
وليست الأوطان من تعاقبنا ولكنه الإنسان بفرط جهله، وقلّة عقله، من يظلم نفسه ووطنه، عندما يغيب الانسان في ذاته، وتتكون رغبة السطوة وشهوة الانتقام في ذراته،
في لحظة اللاوعي تتحول الحياة الى فوضى ويصبح الوطن مسرحا للتدخلات والافتراسات،
وهناك من
يثخن جراحه ظنا منه أنه يحميه ويداويه، أولئك الأشرار هم شياطين الأوطان، نصفهم جائحة لعينة، والنصف الآخر كارثة هجينة، وهم من يمتصون كلَّ خيراتِه، ولا يهبونه جزءاً من مكرماته، وبين الجائحة والعاصفة يترنح الوطن، وهم يعلمون أن من يزرع المآسي يحصد الجراح ...
.ولكي لا يغوص القلم في مستنقع اليأس، أستحضر في ذاكرتي المتخمة بقصائد الكبار ذاك القلم الجبار الذي رفعه أبو الأحرار في وجه الكهنوت السلالي قائلا:
قوضت بالقلم الجبار مملكةً
كانت باقطابها مشدودة الطنبِ
وبين القلم الجبار وقصائد الكبار علينا أن نخوض معركة الوعي بكل ثقة واقتدار، والتاريخ بدأ من سبتمبر وفي ليلة 26
كنا على موعد مع بزوغ الفجر وإشراقة الشمس فكان هو البداية..
وها نحن إلى البداية نعود كي نستلَّ فجرنا من جديد بثورة ناضجة وعياً وإدراكاً للمعنى المتلازم بين الثورة والوطن وبين القلَم والعَلَم لكي نضمد جراحنا ونستعيد الوطن المسلوب من غياهب الدجى وفلول الإمامة وغبار التاريخ نتذكر لحظات الموعد مع الميلاد..
وهو يتلو على النجوم بياناً
صاغه ليلةَ الخميس القضاءُ
قسماً لن ينال منك دخيلٌ
اويبيع المكاسبَ العملاءُ