النضال الوطني للإصلاح
الخميس, 12 سبتمبر, 2024 - 11:22 صباحاً
جاءت الوحدة اليمنية في 22مايو 1990م وجاءت معها التعددية السياسية التي لا تقل أهمية عن قيمة الوحدة، وإنجاز مستحق للمولود الجديد الذي ناضل من اجله اليمنيون لعقود، وفي ضل هذه الأجواء المفعمة بالحرية السياسية والنهج الديمقراطي جاء ميلاد التجمع اليمني للإصلاح في 13سبتمبر من نفس العام ليحمل دلالتين مهمتين لا يمكن ان يكون للصدفة فيهما مجال، فقد جاء هذا الميلاد المجيد في عام الوحدة وشهر الثورة بمالهما من رمزية وطنية، وقيمة سياسية، فكان الإصلاح بحق توأم الوحدة وأبن الثورة السبتمبرية الخالدة.
جاء ميلاد هذا الحزب كبيرا بكبر الوحدة وحجم الثورة، ولذلك فقد وضعته الاقدار في خضم معترك سياسي كبير منذ النشأة، فقد وجد الإصلاح نفسه ومنذ الوهلة الأولى للتأسيس امام تحديات سياسية كبيرة، وكان اول اختبار له هو تحدي فرض دستور الوحدة من شريكي السلطة في ذلك الوقت (المؤتمر الشعبي العام والحزب الاشتراكي اليمني) بما فيه من مثالب وعوار قانوني من ابرزها هوية الدولة ومصدر التشريع، الحريات العامة، الاسرة، الاقتصاد، وبرغم حداثة التعددية والشحن الحزبي وحدة الصراع الأيديولوجي الذي ساد فترة ما قبل الوحدة بين التيار الاشتراكي والتيار الإسلامي، فقد استطاع الإصلاح إدارة صراع سياسي راشد ضد مشروع الدستور وسير اول مظاهرة سلمية وصفت بالمسيرة المليونية، غير ان الأهم هو ممارسته لهذه المعارضة ضمن ائتلاف حزبي كبير من قوى يسارية ويمينية أخرى حيث انطوت تحت معارضة مشروع الدستور عشرة أحزاب ذات مشارب سياسية وفكرية متعددة، في تجربة فريدة ونوعية مؤمنه بالشراكة السياسية والتعاون السياسي حول القواسم الوطنية المشتركة.
ومع فرض الدستور بإعتساف قانوني من السلطة عبر استفتاء صوري ومقاطعة كبيرة، فان الإصلاح استطاع ان يتجاوز مرحلة الاستفتاء على الدستور ويخوض انتخابات 27 ابريل 1993م ويحصل على المرتبة الثانية، حيث جعل منها محطة للتقارب والالتقاء مع المؤتمر والاشتراكي وتشكيل حكومة ائتلافية من الأحزاب الثلاثة الفائزة بأكبر مقاعد بالبرلمان (المؤتمر، الإصلاح، الاشتراكي) في تطور لافت حملت معها براغماتية سياسية مبهرة، وقدرة ديناميكية عالية وضعت مصلحة الوطن وثوابته ضمن أولوياته السياسية، فقد كان هدف مشاركته في السلطة، الحفاظ على منجز الوحدة والحرية السياسية والنظام الديمقراطي، لاسيما وان الفترة من 1990م- 1993م بين شريكي السلطة قد شهدت أزمات عاصفه هددت الوحدة والحياة السياسية، واستمر مشاركا في الحكم حتى تم اقصاؤه في انتخابات 1997م، رغم ان مشاركته لم تكن مراعية لثقله البرلماني وحجمه السياسي، لقد فضل امام تراجع مقاعده في البرلمان المعارضة على المشاركة الهزلية في السلطة.
ومع تفرد الرئيس علي عبدالله صالح وحزبه بالسلطة وممارسته الإقصائية، وتضييقه للهامش الديمقراطي وسعيه الحثيث للاستفراد بالحكم وجعل النظام الجمهوري نظام شكلي مفروغ من محتواه بتحويله الى نظام عائلي بغلاف جمهوري، كان لابد من مقاومة هذا التوجه عبر النضال السلمي الذي تم اقراره من اعلى سلطة بالتنظيم المؤتمرات العامة للحزب حيث عقد المؤتمر العام الثالث دورته الأولى في الفترة من 28 إلى 30 ديسمبر 2003م تحت شعار (مع الإصلاح من أجل صيانة الحريات ومكافحة الفقر) والثانية في الفترة من 12 إلى 13 فبراير2005م تحت شعار (النضال السلمي طريقنا لنيل الحقوق والحريات)، وفي المؤتمر العام الرابع دورتيه الأولى في الفترة من 24 إلى 26 فبراير 2007م تحت شعار النضال السلمي طريقنا للإصلاح الشامل، ليؤكد الإصلاح نهجه السياسي الراشد القائم على المعارضة السياسية المسؤولة.
وبتشكل اللقاء المشترك الذي مثل اكبر تكتل معارض لنظام الرئيس صالح قاد الإصلاح هذا التكتل بمسؤولية وطنية عالية برهنت على نضج سياسي غير مسبوق فقد عدت تجربة اللقاء المشترك من افضل التجارب السياسية ليس على مستوى المنطقة العربية بل والتجارب الديمقراطية العالمية، فقد كانت حالة فريدة ان تلتقي قوى سياسية متضادة فكريا وسياسيا، ومتباعدة أيديولوجيا، وتتوافق على مجمل الثوابت الوطنية، وتخوض انتخابات محلية وتشريعية ورئاسية بتوافق وانسجام حزبي كبير.
لم يقتصر دور اللقاء المشترك بقيادة الإصلاح في المعارضة السلمية للنظام بل وكان لهذا التكتل الدور البارز في ترشيد ثورة الشباب في فبراير 2011م عندما أعلن انضمامه وتأييده لهذه الثورة واسهم بفاعلية كبيرة عندما انجز اتفاق ما عرف بالمبادرة الخليجية التي افضت الى انتخاب رئيس توافقي وتشكيل حكومة توافق وطني، والجلوس الى طاولة الحوار الوطني الذي كان بمخرجاته مشروع حل شامل لمشاكل اليمن في كل المجالات لولا انقلاب المليشيات الحوثية على هذه المخرجات وعلى الاجماع الوطني.
ان كل هذه المحطات من الممارسة السياسية الناضجة والنضال السلمي المسؤول لهذا التنظيم الرائد تبرهن على ما يتمتع به من رشد سياسي ووقوفه الدائم مع المصلحة العامة والثوابت الوطنية، ومع مشروع الدولة الضامنة، وما موقفه الأخير واصطفافه مع الشرعية الدستورية ورفضه للانقلاب على الدولة ومواجهة مشروع الكهنوت الحوثي الذي يريد ان يعيد حكم الإمامة العنصري من جديد الا تعبير عن نهج ثابت وراسخ تجاه القضايا الوطنية والدولة الضامنة، برغم ما طاله من انتهاكات وظلم على مستوى افراده ومؤسساته، دون ان تثنيه عن موقفه، كما ان ما يسعى اليه مؤخر من لملمة الصف الجمهوري وقواه السياسية ومكوناته الوطنية والاجتماعية الا دليل على ما يتمتع به الإصلاح من قيم وطنية ثابته تجاه وطنه ومجتمعه، وما يؤمن به من شراكة وطنية واسعة تؤمن بالأخر كشريك وبالتساوي السياسي لا التفوق السلالي
انه الإصلاح الرائد الذي لا يكذب أهله،،،