الموارد المهدرة و شبح الإفلاس
السبت, 12 أكتوبر, 2024 - 10:44 مساءً
فاقم الانقسام السياسي والعسكري الراهن في بلادنا معاناة المواطنين ، والقى بظلاله على الحكومة الشرعية لتتحمل بمفردها أعباء الحرب الظالمة التي تسببت بها ميليشيا الحوثي الظلامية .
إن الحكومة وهي تواجه التحديات المتعددة والمعقدة، وعلى راسها التحدِ الأكبر (الاقتصادي) في محاولة النهوض وتجاوز الأزمة ، جعلها تعيد النظر في معالجة الأسباب الجزئية التي يمكن من خلالها اطلاق معالجات مؤقتة والبناء عليها لتحقيق تقدم نسبي على الصعيد الاقتصادي ، في ظل انعدام الاستقرار السياسي والأمني
لذا سعت الحكومة لتطبيع الحياة في العاصمة المؤقتة عدن ، بالشراكة والتنسيق مع قيادة المجلس الانتقالي وبقية المكونات بغية احكام وضبط وتنمية الموارد الاقتصادية والمالية، بما في ذلك النفط والغاز.
إلا أن استهداف ميليشيا الحوثي المتكرر لمقدرات الشعب وقصفه لمنشآت النفط وتهديد الشركات الأجنبية العاملة في حقوق التصدير، واصراره على استدامة النزاع ، خلق فجوة لا يمكن ردمها دون اسناد من الأشقاء والأصدقاء ، ضماناً لتدفق المساعدات
كذلك عززت ازدواجية الجبابة للموارد البديلة للطاقة كالضرائب والايرادات الجمركية من الانقسام ، وخصوصاً ارغام ميليشيا الحوثي التي تتحكم بنطاق سكاني عالي فرض اشتراطاتها على التجار ورجال الأعمال .
كما ادى استغناء الحوثيون عن غاز مأرب في نطاق سيطرتهم واستبداله بغاز مستورد الى حرمان الحكومة والمحافظة من حصة عائدات عالية.
الأمر الذي يكرس لأزمات اقتصادية متلاحقة يصعب حلها بشكل متكامل ؛ ويأتي الفساد وسوء الإدارة وضعف الحوكمة ضمن هذه العوائق التي انعدمت معها ثقة الشركاء والمانحين.
وفي كل الأحوال فإنه يستحيل تجاهل البعد العسكري والأمني بانعكاساته التي ترتفع معها مخاطر التضخم والغلاء .
لذا فإن سعي الحكومة لتعزيز الأمن في المناطق المحررة ، ومحاولة تقديم نموذج اقتصادي جاذب للاستثمارات المحلية أولاً ؛ والعمل بعد ذلك على تطوير القطاعات غير النفطية كالاتصالات ( واستكمال تحقيق استقلاليتها) وتنمية وتجويد الأداء الضريبي والجمركي ، والعمل على تشجيع النشاط الزراعي والصيد البحري احد أبرز المهام التي ينبغي العمل عليها.
وبما أن الموانئ تقع تحت شبح الاستهداف والصراع الاقليمي ، حالها حال المنشآت النفطية ، التي توقف معها تدفق العملة الصعبة وانهيار العملة
فليس أمام الحكومة إلا البناء على الممكنات هذه ، وصولاً لإطلاق استراتيجية عليا للإصلاح المالي والوظيفي وترشيد الإنفاق (فعلاً لا قولاً) .
ان الانتظار لما تجود به مؤتمرات المانحين من هبات وقروض لا أثر حقيقي لها ، تؤكدها طبيعة الضغوط الشكلية التي يمارسها المجتمع الدولي المشلول حيال عبث الحوثيين والتي لن يحقق معها التوازن الاقتصادي المرجو .
ومن باب الإنصاف فقد اقتصر هذا الدور بجدية من خلال الاعتراف بالشرعية كممثل وحيد للشعب ، لا أكثر .
ان الحكومة مدعوة لاستمرارية المراجعات المشتركة بشفافية و وضوح ، الى جانب اللقاءات والتنسيق مع الأشقاء في دول الخليج وبالأخص مع المملكة العربية السعودية ، ومع الأصدقاء والفاعليين ، في مسار الاصلاح الاقتصادي.
إن اليمن بحاجة لبنية اقتصادية مستجدة تتحقق معها متطلبات دفع رواتب الموظفين وتوفير الخدمات الأساسية واستقرار السلع والغذاء والدواء، وصولاً لتغطية عجز الموازنة بعيداً عن الاقتراض وشبح الديون ، كي نخفف وطأة وضراوة معاناة الشعب اليمني في مواجهة الأزمة الإنسانية وارتفاع معدل التضخم.
الى جانب ذلك هناك عدد من الخطوات التي بإمكانها تدعيم الموارد بداءً يتشجيع الصناعة المحلية و تعزيز الترويج السياحي الداخلي وتنمية المواقع التاريخية الأثرية واستثمارها ، وتسوية تعرفة مبيعات المشتقات النفطية وضبط إيقاع التحصيل الخدمي ، ومراقبة السياسات النقدية من خلال رفع أسعار الفائدة، وتقييد التحويلات المالية غير المشروعة، والسيطرة على المضاربة في السوق السوداء ، ومكافحة التهرب الضريبي وتعزيز الشفافية في الإدارة المالية والرقابة على المنافذ الحدودية ومكافحة التهريب.
إن بلداً يعاني من أسوأ أزمة اقتصادية إنسانية في المنطقة، ويرزح تحت التأثيرات الإقليمية والدولية والتدخلات الخارجية والتوترات الداخلية، لهو أحوج بلد الى استدامة مؤسساته رغم ضعفها قبل الإفلاس.
إن لم يدرك أشقاء اليمن واصدقاؤه وشركائه حقيقة الأزمة الاقتصادية والإنسانية بابعادها الراهنة فستكون فاتورة وضريبة عودة الصراع عسكرياً مضاعفة للغاية ، وخارج توقعات الجميع .