صحفي متخصص في القانون، رئيس مركز البلاد للدراسات و الإعلام
جمهورية (محمد قحطان)
الإثنين, 11 سبتمبر, 2017 - 09:00 مساءً
حين ينجلي الغبار سيكتب المؤرخون بعد طول تأمل الحقيقة التالية: وكانت الجمهورية والدولة تستند على رجل اسمه محمد قحطان، لم تسقط اليمن فعليا إلا عشية الخامس من أبريل 2015م ليلة اختطاف قحطان، تلك الليلة فقط سقطت الجمهورية!.
دخل الحوثيون بمليشياتهم وقوات المخلوع محافظة عمران وارتكبوا جرائم حرب كعادتهم، كان الجميع غارق في هول الفجيعة على الوطن؛ وكان محمد قحطان يصرح للصحف العربية "ليسوا سوى انتفاشة .." كان قحطان يدرك حجم التضخيم والنفخ من اطراف في الداخل والخارج لتقديم مليشيا الحوثي بأكبر من حجمها، لكن قحطان طمأن الجميع وأعاد تعريفهم كما يراهم وكما يجب التعامل معهم!
لقد كان قحطان يحمل روحا جمهورية شجاعة ومتينة، كان على يقين أن مواجهة "الانتفاشة" بحاجة لقادة أقوياء، لم يتوقف محمد قحطان عن مزاولة نشاطه السياسي، طوق الحوثيون العاصمة، اسقطوا المعسكرات، دخلوا الوزارات، في تلك الليلة استقبل قحطان صحفي من جريدة مصرية، ناقشه بحصافه ورباطة جأش، وفي الصباح تسابق قحطان مع اشعة الشمس لحضور جلسات حوار موفمبيك، حارب قحطان كجيش عتيد، كان يسدد اهدافه باحتراف، وقف مع المتحاورين في لقاء صحفي لجمال بنعمر، وراقب تصريحاته التي كانت تخدع الشعب اليمني، رمى بتصريح موجز أعاد حديث وسائل الاعلام المحلية والاقليمية الى ما يريد، حول مؤتمر بنعمر الى مؤتمر للجمهورية لما نريد نحن، لا لأكاذيب المبعوث الاممي! لقد ناضل أبانا قحطان بجسارة وتحدي ، روحه ممتلئة بالايمان بالله وبمبادئ الجمهورية، يسري النضال في عروقه على شكل دماء.
احتل الحوثيون الوزارات وفعلوا ما قيل لهم، قيل لهم حاربوا بالصور تصوروا في مكاتب الوزرات وانشروا عبثكم فهذا ما تفعله العصابات الهمجية على هيئة "حرب نفسية" لتقتل روح المقاومة لدى الشعوب..
محمد قحطان تجاهل كل شيء، كان الرجل مقتنعا بأن ما يدور مهما بدا ليس سوى "انتفاشة" عاد الى موفمبيك، اعاد تقليب اوراق الحوار رغم بلطجة ووقاحة مهدي المشاط والفيشي، لكن قحطان كان يقاتل بالصورة والتصريح والحضور ، قرأ الحوثيون بيانهم رقم "1" واعلنوا تشكيل مجلس رئاسي وحاصروا البلد كله، حاصروا الدولة من اقصاها الى اقصاها، اطبقوا الخناق على فخامة الرئيس، ثم اتوا صاغرين الى موفمبيك لمحاورة قحطان!، حاورهم قحطان وقدم حلولا وجدوا انفسهم مهزومين عندها، نقضوا بيانهم الاول، وناقضوا انفسهم وجاؤوا الى قحطان لم يفقهوا ما يرمي اليه ، عجزوا عن مجاراته، حتى معلمهم الكبير بنعمر عجز هو الاخر عن مجاراة قحطان، كلهم كانوا يظهرون بتناقض في الصباح وعند المساء يلطمون خدودهم حين يكتشفون حجم الحفرة التي دفنهم فيها قحطان.
*
سيكتب التاريخ أن العاصمة سقطت فعليا عندما غاب قحطان، كانت الحياة ترفل في شرايين العاصمة حين كان قحطان يتجول بسيارته بين حواريها، والجمهورية كانت تتكئ بقوة على قحطان، كان كل رجال الدولة في حصار مضروب عليهم من قوى الانقلاب، اطبقوا الحصار على الرئيس، قتلوا اقاربه واضطر أن يقدم استقالته، لقد كانت الضغوط كبيرة جدا، الداخل والخارج يسعى لقطف رأس الرئيس، كانت مؤامرة قبيحة وقذرة، وكان قحطان يرمم بانتباه وتيقظ، تجاوزت الجمهورية محنة قبول الاستقالة، تنفس قحطان الصعداء وكأنه قال للرئيس: لا تخشى الانتفاشة، اصمد وستحضر انت ولو كنت محاصرا بفوهات الخيانة والاسلحة والموت، وقف قحطان صامتا في موفمبيك، كانت القوى الدولية قد وصلت الى اتفاق يشرعن للانقلاب، صمت قحطان، ونذر صوما جمهوريا، امتنع عن الكلام في موفمبيك حتى يتم ادخال كبسولات الدواء للرئيس، كان قحطان يفطن أن قلب الرئيس هو نبض الجمهورية في تلك الحلكة القاتلة!
نجح الرجل بدهاء أن يخمد الانتفاشة تلك الليلة، اطفأ مؤامرة بنعمر وكل اصوات شهود الزور وناعقي الخراب، تحول حديث الاعلام عن صمت قحطان، وحضر الرئيس الشرعي على السنة الناس حين صمت قحطان!.
كل مظاهر الانقلاب اكتملت وكل اركانه توطدت، لكن حضور قحطان كان كفيلا بتدمير تلك الانتفاشة، صوت قحطان وحده كان جيشا قويا يزلزل اركان الانتفاشة ويكاد يطفئها، غادر الرئيس الى عدن وبقيت الجمهورية ببقاء قحطان في احياء العاصمة..
سيتذكر اليمنيون دور قحطان وحضوره ، سيكتبون أن الانقلاب بدأ حينما غيبوا قحطان.
لم يكن غياب المعلم الحاذق والسياسي البارع غياب للجمهورية فقط، بل لقد غابت معه السياسة، كان قحطان يمتلك نظرة ثاقبة ، يقلب الامر في رأسه بصمت لبرهة ثم يتحدث بثقة ودهاء عن انفراجة قريبة، كان يخلق من القضية الشائكة حلا، يختار زاوية للحديث لا يملك الخصوم الا التسليم بضرورة اعادة الحوار من جديد.
لم يغلق باب الحوار وقحطان بيننا، زاحم صلصلة جنازير الدبابات وطغى صوته فوق لعلعة الرصاص، ووقف بعزة وشموخ ورفع صوته بضرورة تحكيم العقل والتمسك بالحلول السلمية حتى لا يموت وطننا فلن ينفعها حينها الندم، غير انهم اخفوا قحطان، ارادوا ان ينجحوا في انقلابهم، فارتدت السهام عليهم وباتوا هم في حصار كبير.
...
قحطان يا أبانا، يا وهج جمهورنا وروح جمهوريتنا، يا حزبنا ودولتنا وكياننا المغيب، يا بطلنا الذي انقذنا وضحى بكل شيء من اجلنا، السلام عليك في كل حين، كل عام وأنت ملهمنا وامامنا العظيم..
كل عام وانت رائد الحرية وإمام المناضلين..
ستعود أنت وحينها ستشرق الجمهورية من جديد، سنغني يوم عودتك كما غنى الزبيري من قبل ..
يوم من الدهر لم تصنع اشعته. .. شمس الضحى بل صنعناه (بقحطانا).