عن حكاية نبيل الصوفي حول الإصلاح!!
الأحد, 21 أبريل, 2019 - 06:13 مساءً
بالأمس، كتب نبيل الصوفي منشورًا، يسرد فيه ما يشبه تجربته الشخصية في حزب الإصلاح، أراد الرجل أن يسوِّق نفسه، كنموذج يمني للبطل الناجي من الضلالة، وشبيه بنموذج القيادي المصري المنشِّق عن جماعة الإخوان في مصر" ثروت الخرباوي" وصاحب الكتاب الشهير" سِرّ المعبد" الذي حكى فيه الرجل تجربته مع الإخوان، بعد خروجه منها.
حسنًا، حتى لو كنت منتميًّا لجماعة يتزعمها جبريل ثم خرجت منها، سوف تجد دائمًا تفاصيل شخصية متناثرة هنا وهناك؛ لتصيغ منها قصة تستدل بها على فساد هذه الجماعة، وتثبت بها نزاهتك.
يكفي أن تصرخ : أنا كنت واحدًا منهم؛ كي تمرر شهادتك عليهم، فيتقبلها الناس دون فحص لما قلته، كما لو أنك أجملت الحقيقة الفاصلة بشأنهم، حتى لو كان ما قلته، مجرد تعميمات بدائية رخيصة، تفاصيل شخصية ملتبسة، مواقف سلوكية متضاربة وصراع أراء_بصرف النظر عن ثبوتها أو زيفها_ هي لا تقول شئيًا جوهريًا عن الجماعة، بقدر ما تُفصح عن جوهرك أنت، عن حاجتك النفسية لسرد مواقف صغيرة وتضخيمها؛ والنجاح بتمرير فجورك في الخصومة معهم.
قال نبيل: صارعتهم، ولم أدخل معهم في مواجهه إلا خرجت منتصرا..كنت أقف بينهم، شابا مؤمنا بأنهم "خير" من يجتمعون في اليمن.. وأقارعهم بالحجة، واستعيدهم الى الطريق المستقيم..الطريق التي كان مؤمن نبيل بإستقامتها؛ لكنه انصدم بأن قيادات الحزب لا يمثلوها، وبحسب كلام الرجل فهو لم يستقيل لأن أفكار الحزب منحرفة؛ بل لأن القيادة انحرفت عن المنهج؛ لكنه حين استقال كفر بالمنهج وظل يحترم التنظيم..؟! أنا لا أفهم ما هو التنظيم إذ لم يكن مزيج من الفكرة التي يمثلها الشخوص، ولا أفهم لماذا كفر الرجل بالمنهج الذي يؤمن بإستقامته وظل يحترم شخوصه المنحرفين، أم أن الرجل ذاته كان منحرفًا ولم يقل لنا ذلك..؟ لا بد أن هناك أسباب أخرى تقف خلف قصة هذا الرجل.
تبدو نفسية نبيل مشطورة، تائهة وممزقة، ناقمة وجريحة، عبارات كثيرة في المنشور الذي كتبه نبيل، تكشف لك الطبيعة النفسية للرجل، ينتمي نبيل لذلك النوع من النرجسيين المتطرفين، أولئك الذين يعتقدون بأنهم يفهمون كل شيء، لقد أراد الرجل أن يمارس دور "المرشد" داخل حزب الإصلاح وحين وجد التنظيم غير قابل لمسايرة الأمزجة الشخصية والإذعان للذوات المنتفخة؛ كفر به وذهب يبحث عن إطار هش ومفتوح قادر على إستيعاب تضخمه النفسي ونزعته الجامحة لأداء دور الموجِّه الحكيم والشاب الحداثي العليم، ذلك الذي يتوجب على الأخرين الإصغاء لمقترحاته دائمـا، ودون نقاش؛ كي ينجووّا من تهمة الرجعية والمروق.
قرأت منشور نبيل أكثر من مرة، حاولت فرز وتحديد النقاط الجوهرية التي ذكرها_ بعيدًا عن استنتاجاته المغرضة التي كان يضيفها إلى الكلام_وخرجت بحصيلة عامة، لا تقول شئيًا جديدًا ومفاجئًا لم يقله نبيل سابقًا عن الحزب، فقط هذه المرة حاول تغليف مواقفه بحكايا شخصية؛ كي يمنحها موثوقية الشهادة الحية ومصداقية الشاهد الحائز على التجربة.
وفي حقيقة الأمر أن غالبية المواقف العمومية التي سردها الرجل غير قابلة للنقاش ولا تمثل فكرة نقدية، بقدر ما هي أراء شخصية متناثرة هنا وهناك، ثبوتها لا يعكس حقيقة ونفيها لا يدحض تهمة.
الإصلاح، ليس مصنع للصلصة_ بحسب تعبير أحد قياداته_ هو إطار مجتمعي عام يحوي عناصر من أطراف اليمين لأقصى اليسار، لا أحد ينكر وجود أعضاء ذو قناعات شخصية عنيفة داخله، تشبه تمامًا مواقف نبيل حاليًا ضد الحزب ولو بشكل مقلوب؛ لكن ما لا يستطيع أحد نكرانه أيضًا هو أن إختزال الحزب بهذا الشكل الذي تحدث به نبيل، هو منطق شمولي متربص، يسعى به الرجل لتعميم سلوكيات شخصية؛ بغرض النقمة على حزب لم يذعن لتوجيهاته يومًا، ولم يقبل به وصيًّا عليه.
لماذا تنشر الصحوة أخبار الرياضة، لماذا ننشر للبردوني، لما يظهر ذراع امرأة في إعلان سمن البنت وهو إعلان بالابيض والاسود أصلًا..؟ من حق اليدومي أن لا يحب ميسي، ومن حق عبد الوهاب الآنسي أن يغض طرفه عن ذراع امرأة، أما موضوع البردوني، فلا أعتقد أن الحزب لديه مشكلة معه_ يمكن العودة لقناة سهيل لمشاهد قصائد كثيرة تذاع للبردوني_ وحتى إذا ما ثبت أن قصائد البردوني لا تروق لليدومي فلا أظن الرجل ملزمًا بعشق القصيدة العمودية.. ربما يكون من عشاق قصيدة النثر..وتلك رؤية شاعرية أكثر حداثة، حسنًا، هل خلقك الرب وصيًا لتقويم تفضيلات الناس في الشعر والأدب..؟
لا يوجد ما هو أسهل من التجني، فالأمر لا يحتاج موهبة، فقط قليل من الخفة والمزاج الشعبوي، ثم تقوم بإستدعاء انتقائي لخطأ سلوكي هنا وهناك، وتخلط به ضغائنك لتقف أخر السطر، متنهدًا بأنك انتصرت على خصومك. إنك بهذه الحكايا الشخصية المشتتة لا تثبت فسادهم بقدر ما تؤكد عدم نزاهتك في الشهادة.
كان يمكنك يا نبيل أن تثبت تفوقك الأخلاقي على الإصلاح بعد خروجك منه، تفوقًا في الموقف والنهج، في التأييد والإختلاف، تجاه القناعة السابقة وإزاء قناعتك اللاحقة؛ لكنك لم تفعل، وذهبت تلطخ نفسك شرقًا وغربًا، بداية من ارتماءك المطلق في أحضان حاكم لص، ثم تسويغك التحالف مع جماعة قاتلة، حتى انتهى بك البؤس_ في نهاية المطاف_ أجيرًا لدى دولة تحتل بلدك وتهين شرف الأرض والناس، أرأيت كم هي انتقالاتك صادمة للأخرين، مثيرة للخزي ومهينة للشرف..؟ هل تنتظر أن يحترمك أحدًا بعد هذا..؟
من أجل ماذا إذًا، ابتكر الإنسان القديم الألفاظ الوقحة..؟ كي تبقى مهملة في القواميس، أم كي يستعين بها الكائن ليصف مخلوقًا يشبهك..؟ أنا لا أبرر للناس البذاءة في الرد عليك؛ لكنني أفسر لك سر احتقارهم لك، ومن حق البسطاء الذين يشعرون بأنك تحتقرهم بالجملة أن يهينوك بكل الطرق الممكنة، حين لا تسعفهم خيالاتهم للرد بدبلوماسية، في حضرة رجل بلا أخلاق.
نبيل الصوفي ليس صحفيًا يعمل بالمجان، هو شخص يشتغل بتصميم منهجي كامل ومعروف، لقد نذر نفسه للإشتغال بهذه الطريقة الديماغوجية ضد خصومه منذ زمن، ولا أظنه يتورع عن استخدام أكثر الأساليب انحطاطًا في النيل منهم.
هذا المنطق الشعبوي الرخيص الذي تستخدمه يا صديقي، لا تفسير له سوى أنك تسعى لتطهير نفسك من خطئيتك الناشئة عن مواقفك الاخلاقية المنحطة وخياراتك السياسية الأخيرة التي تورطت بها، إن ضميرك المعذب لن يغفر للإصلاح نبذهم لك، وستظل تبذل جهدًا دائمًا للخلاص من إحتقارك الذاتي لنفسك، ولن تعدَم قصة هنا أو حكايا هناك، تسردها؛ كي تُطمئن بها نفسك بأنك على الصراط المستقيم، كي تُسكت الصوت القادم من داخلك، نداء الضمير الممزق، هتاف النفس التائهة، تود أن تغالطها بأنّ قدميك لم تزِّل، ليس زلل الخروج عن الإصلاح_ فهذا خيارك ولم يقل الإصلاح بأنه الممثل الوحيد للأخلاق_؛ بل زلل الكائن السويّ، خراب الضمير، انتكاستك الأخلاقية المرّة وأنت تلعق دم الضحايا حين كنت منديلًا يمسح به القاتل فرجه ويجلس. ذلك ما لا يمكنك التطهر منه ولو قضيت عمرك كله تجلد الإصلاح حتى تشرق الشمس من مغربها.
أخيرًا، أقتبس فكرة مهمة لكاتب سوري لا أتذكره، تنطبق تمامًا على غوغائية نبيل، يقول الكاتب : إن التركيز على صغائر للتعميّة على كبائر هو أسهل الألعاب وأرخصها. هناك بحر من التفاصيل في كل قضية، وما أسهل انتقاء ما نشاء لنستنتج ما نشاء ونساوي الأبيض بالأخضر والأعلى بالأسفل ونخلط شعبان برمضان. وإن تجنُّب هذه اللعبة السخيفة ليس أمراً سخيفا، فهو يحتاج وعياً هائلا واحتراماً بالغاً للذات. وذلك ما لا يتوفر عليه نبيل ولا يمكنه الإتصاف به.
عن حكاية نبيل الصوفي حول الإصلاح..!
*من صفحة الكاتب على فيسبوك