×
آخر الأخبار
8 سنوات من الحصار.. أهالي جمعية الفرقة السكنية في صنعاء يشكون ظلم وفساد الحوثيين  الوحدة التنفيذية في مأرب: تصريحات الوكيل "محمود صالح" عارية عن الصحة ومغايرة للواقع الميداني الخارجية الأمريكية تناقش مع "مسقط" قضية موظفي سفارتها في صنعاء المحتجزين لدى الحوثيين  رئيس الوزراء يوجه بإلغاء أي إجراءات تستهدف نشاط نقابة الصحفيين اليمنيين "الغذاء العالمي" يعلن عن حاجته لـ1.5 مليار دولار لتمويل أنشطته في اليمن  منظمات حقوقية تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطفال في اليمن مراكز المعاقين في صنعاء تؤكد الاستمرار في الاضراب الشامل صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة  بن دغر: لقاء الإصلاح واللواء الزبيدي خطوة إيجابية لمصالحة وطنية شاملة  وقفات حاشدة في مأرب وتعز تندد باستمرار جرائم الاحتلال بحق سكان غزة

هل يستوعب الحوثي درس لبنان؟!

الاربعاء, 23 أكتوبر, 2019 - 11:26 مساءً

في البداية أراد الحوثي ابتلاع اليمن بكاملها، كانت هذه رغبته الواضحة وغايته الكبرى منذ انطلاق حربه التوسعية من دماج وصولاً إلى عدن، وبعد أن يتمكن من ذلك كان سيقوم باحتواء القوى السياسية تحت إبطيه ويسمح ببناء عملية سياسية يكون فيها عبدالملك الحوثي هو "ظل الله في الأرض" والنظام السياسي بكامله تحت هيمنته مع هامش شكلي تتحرك فيه القوى السياسية تحت سيطرة الرجل القوي والبندقية مصوبة على رؤوس الجميع.
 
وبالرغم من أن وضع اليمن يختلف بشكل جذري عن لبنان إلا أن هذا لم يمنع الحوثي من محاولة فرض قسري للتجربة، مع كون الأغلبية الشعبية في اليمن تناهضه والصبغة الطائفية ليست حاضرة بقوة أو بمعنى أخر تمثل أقلية غير كافية لإسناد مشروعه على عكس لبنان التي تمثل فيها الكتلة الشيعية قطاعًا شعبيًّا واسعًا وتحظى بولاء نسبي عام لجانب أن قوتها العسكرية تتمتع بما يشبه الشرعية التأريخية المستمدة من مقاومتها المزعومة لإسرائيل وهو ما تفتقده جماعة الحوثي في اليمن حيث لا تمتاز بذات الدعم الشعبي القوي ولا المبرر الأخلاقي لحيازة قوة خارج سيطرة الدولة.
 
بإختصار كان الرجل يطمح بنظام سياسي أشبه بالنظام في لبنان مع فارق البنية الإجتماعية للقوى الفاعلة في البلدين، إلا أن هذا الحلم لم يكتب له التحقق بالشكل الحرفي الذي يطمح له الحوثي، حيث انتكست التجربة وما زالت طور التخلق، وبدأ واضحًا أننا أمام شعب يمني يقظ، رغم خذلان الساسة له، إلا أنه أدرك دوره التأريخي ولم يسمح للمهزلة بالمرور إلى نهايتها أو إتاحة الفرصة لها لتجريف الهوية القومية للبلد خارج سياقه العروبي وسياقه الجغرافي.
 
تكثيفًا لما سبق، يعود الفضل الأول في إجهاض التجربة الحوثية، للهبة الشعبية المقاومة التي تصدت لمشروع الحوثي في بدايته، ثم بعدها جاءت عاصفة الحزم ومنحت المقاومة حالة مضاعفة من الزخم مكنتها من التصدي للمشروع الطائفي وإرباك مشروعه وما زال في مراحله الأولى بصرف النظر عن الارتباكات اللاحقة التي تعرضت لها فيما بعد فالأهم هو أن الممناعة الشعبية السريعة والإسناد العسكري للتحالف تمكن من خلق حالة من التوازن العسكري وجعلت الحوثي محاصراً في بقعة جغرافية معينة تتمثل في مناطق شمال الشمال، وهي أشبه بمناطق الجنوب في لبنان اليوم، مع اعتبار التباين الاجتماعي بالطبع.
 
وفي كل الأحوال، وحتى مع فشل الحوثي في استنساخ التجربة اللبنانية عمليًّا؛ لكنه ما يزال متمسك بها نظريّاً حتى مع عجزه عن فرضها، فنحن أمام حركة عنصرية طائفية ترفض أن تتحول لجماعة سياسية عاملة ضمن الإطار الوطني في البلد وخاضعة لشروطه، وتريد أن تحتفظ بذاتها كقوة مهيمنة على النظام أو موازية له، بحيث يمكنها التحكم بالعملية بكاملها أو على أقل تقدير انتزاع امتيازات سياسية مضاعفة استنادًا لمزايا القوة العسكرية التي تتمتع بها، تمامًا كما يفعل حزب الله في لبنان.
 
حسنًا، لأسباب كثيرة، نجح حزب الله في تثبيت نفسه كأقوى طرف مهيمن في لبنان سياسياً وعسكرياً، ويالتحديد ترسخ نفوذه بشكل كبير منذ اجتياحه لبيروت عام 2008 وخدمه في ذلك قوته العسكرية وحضوره الإجتماعي لجانب مشروع اتفاقية الطائف وفشل القوى الأخرى في تقديم برنامج وطني عابر للطائفية، مع بناء جيش قوي يحمي العملية السياسية من هيمنة حزب الله.
 
لكن مع كل ذلك ها هو الحزب اليوم وبعد 11 عامًا من استلابه للبلد وتحكمه بالعملية السياسية فيها يواجه هبة شعبية غاضبة، انفجرت خارج كل الأطر الطائفية وترفع شعارات رافضة لنظام المحاصصة الطائفي بشكل كامل، ومع أن الهبة الشعبية تبدو بأنها ليست موجهة ضد حزب الله بشكل محدد؛ لكنها أشبه بصحوة قومية متأخرة يشعر إزاءها حزب الله بالرعب كونه الطرف المهيمن على كل شيء.
 
 
هذه الانتفاضة العارمة تؤكد حتمية واحدة هو أننا أمام شعوب يمكنها الصمت طويلا لكنها عرفت طريق الخلاص وفي لحظة ستنفجر في وجوه الجميع ولا تستأذن أحد، فالجيل الحديث ما عاد ممكن أن يتقبل الخديعة أو تنطلي عليه شعارات طائفية جوفاء لا تشبع جائعاً ولا تؤمن حياة.
 
أمام هذا الدرس فإن الحوثي هو أول طرف مطالب اليوم بالتوقف وتأمل المشهد في لبنان وحتى العراق، فإن كانت الطائفية هناك تقف اليوم على رمال متحركة وتواجه مستقبلاً مربكاً ومأزقاً حقيقياً بعد عجزها عن حل مشاكل الناس وتقديم نموذج إداري ناجح رغم قوتها وحضورها ونفوذها، فإن الحوثي أعجز منهم في مغالطة الناس ومهما طال عناده ومكابرته فإنه معرض للسقوط طال الزمان أو قصر، سواءٌ كان ذلك بعملية عسكرية، وإن لم تحدث هذه، فغضب الناس هو الحل الأخير، وفي الحالتين سيدرك الحوثي بأنه لم يعد ممكناً له اقتطاع جزء من البلد والاستئثار بمصيره واستمراره في التغاضي عن حياة الناس ومشاكلهم والهروب من تبعات سيطرته على المدن دون تحمل مسؤوليته في إدارتهم.
 
أخيراً: لا حل أمام الحوثي سوى خضوعه لمنطق الدولة وتخليه عن أوهامه الطائفية ثم انخراطه بحل شامل يكون فيها جماعة من مكونات المجتمع وليست حاكمة عليه وقوة من قوى السياسة وليست مهيمنة عليها أو وصية على النظام، ما لم فليستمر في هروبه للأمام ولينتظر انفجاراً شعبياً مهما بدا اليوم مستحيلاً، فغداً سيكون في طور الممكن والضروري وربما الحتمي.


*نقلاً عن"المصدر أونلاين"
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

محمد المياحي