الأخبار
- تقارير وتحليلات
انتحار إيران في مأرب.. ما وراء إزاحة عملاءها من المشهد؟ قراءة في دلالات تصريحات "ايرلو" وزيارة" غريفيث" (تحليل)
العاصمة أونلاين/ حسين الصوفي
السبت, 13 فبراير, 2021 - 11:13 مساءً
لم تكن زيارة المبعوث الأممي بريطاني الجنسية، مارتن غريفث إلى طهران الاحد الماضي، زيارة عادية حسب ما أعلن مكتبه، فقد كانت "فرصة" محفوفة بالمخاطر مؤقتة وقصيرة وبلا أفق واضح، حاولت طهران أن تخوض مغامرة متهورة وغير محسوبة كعادتها، باعتبار أن هذه "الفرصة" التي أهداها غريفث تسيل اللعاب في ظل تخبط دولي وغياب أولويات لدى الأطراف الفاعلة في المشهد الدولي.
وبعيدا عن الغرق في التفاصيل التي انتجت "فرصة غريفث" الوهمية، حسب ما يظهر حتى الآن، فقد اختارت طهران استخدام الملف اليمني كساحة لتنفيذ مغامرتها القذرة، لاستغلال وكسب هذه "الفرصة" التي هي فخ في الوقت نفسه، وبعد ثلاث ساعات من وصول غريفث طهران، أعلنت مليشيا الحوثي هجومها على مأرب، وخرج محمد البخيتي في حديث يقول أنها "المعركة الأخيرة" بنفس الهدف الذي حدده حسن إيرلو حين نشر تغريدة له يقول " أن الثورة الإيرانية انتصرت في اليمن".
وهنا يجب التوقف ملياً عند هذه الأحداث، وربطها ببعضها، وقراءة دلالات هذه التصريحات التي أفصح فيها الحاكم العسكري الإيراني المطلق في صنعاء، وما علاقتها بزيارة غريفث؟ ولماذا تسعى مليشيا الحوثي الإرهابية للانتحار الكبير على أسوار مأرب؟ وهل هناك فرصة ستحققها طهران أم أنها وقعت في الفخ الأخير؟!
هذه الأسئلة تبدأ بسؤال:
هل كانت زيارة غريفث لطهران من أجل الملف اليمني ومحاولة إشراك إيران في "الحل السياسي" الذي يردد المبعوث، أم أنها زيارة وضعت الملف اليمني في طاولة إيران لتوظيفه في مفاوضاتها الأخيرة مع المجتمع الدولي وتحقيق مكاسب من وراء مغامرتها القذرة في اليمن؟!.
لا تحتاج الى كثير من البحث لتدرك أن غريفث منح إيران الملف اليمني لتحسين شروط تفاوضها، وذلك ما انعكس في تصرف الإيرانيين المنفعل والمرتبك، والذي أحرق كل أوراقها في الملف اليمني، حيث خرج إيرلوا ليحتفل ويصرح، ويؤكد نجاح ثورة إيران في صنعاء، ويقود الحملات العسكرية ضد المدن اليمنية بشكل مباشر، محاولة تنفيذ توصيات حسن همداني، نائب رئيس الحرس الثوري، في كتابه "رسائل الاسماك" التي نشر فيه مذكراته وتفاصيل قيادته العمليات الإرهابية لإيران في سوريا، نشر الكتاب بعد أن لقى مصرعه في حلب في أواخر ٢٠١٥ على أيدي ابطال ثوار سوريا.
ومن خلال تتبع دور حسين همداني، يتضح الدور الذي يقوم به حسن إيرلو، والذي يأتي متطابقا مع ما ذكره الإرهابي همداني في رسائل الاسماك: أنه قام بإزاحة كل عناصر النظام السوري وأعاد دمج وتشكيل كل الأجهزة الأمنية والاستخباراتية في سوريا وأعاد ترتيب التشكيلات الإرهابية والعصابات وأجبر العملاء في النظام السوري على تنفيذ الخطة وتصفية من يخالفها، وأشار إلى تنفيذ عمليات قام فيها بتصفية وقتل قيادات عسكرية من عملاءهم!.
(الكتاب ترجمه مركز الجزيرة للدراسات ويوجد قراءة عنه في موقع المركز).
استعراض هذه الجزئية كانت ضرورة لفهم طبيعة المعركة اليوم، وحجم التدخل الإيراني في إدارة المعركة، وهو مؤشر مهم جدا يقودنا لجمع الاستنتاجات التي تثبت أن إيران تنتحر بشكل جذري في اليمن في هذه المعركة الأسطورية التي يخوضها أشرف الابطال وانقى اليمنيين وأعظم اشاوس العرب.
إذن : غريفث ذهب لتسليم طهران الملف اليمني، لأنه لم يحضر في طهران أي ممثل عن عملاءها، ولم تشاورهم ولم يصدروا حتى تعليق واحد، باختصار، لقد انتهى دورهم السياسي، وأصبحوا مجرد عصابة تنفذ ما يطلب منها، ونتيجة هذه الزيارة ارتباك طهران، وتصدر إيرلو للمشهد، وإعلانه بشكل مباشر أنه يحكم صنعاء وقام بأنشطة واضحة تعزز ما يريد!.
فهل كان الإيرانيون أغبياء ليقعوا في هذا الفخ، بالرغم انهم طيلة ست سنوات ينكرون تدخلهم في اليمن؟! أم انهم لا يعتبرون الملف اليمني سوى ورقة للمغامرة القذرة في تحقيق مكاسب دولية؟!.
اعتقد أن إيران تخوض مغامرة جنونية وغير محسوبة النتائج ستدفع ثمنه غاليا في المنطقة، اما بالنسبة لمشروعها في اليمن فإنه تنتحر الان من الوريد إلى الوريد، والايام القادمة ستشهد قطع الرمق الأخير حقيقة لا توقع.
معركة مأرب وصواريخ أبها
ضمن المغامرة الإيرانية ضغطها على الأشقاء في المملكة العربية السعودية بايعاز بريطاني، حسب فرصة غريفث الوهمية، لاستغلال الأراضي اليمنية لإطلاق صواريخ وتنفيذ عمليات إرهابية ضد الأشقاء في السعودية، وهذا يصب في مغامرة خالصة، ويؤكد أن عملاء إيران لم يعد لهم أي دور مطلقا، ولتأكيد هذه الحقيقة يمكن العودة الى الوراء اشهر كيف كانت تصريحات قيادات حوثية تغازل السعودية وتقول انهم على استعداد للتوقف عن تهديد الأراضي السعودية، وانهم حريصون على تحقيق سلام مع المملكة!.
يمكن العودة الى الأرشيف استعراض لقاءات تلفزيونية للعديد مع عملاء إيران من الحوثية، فلماذا غابت هذه الأصوات الحوثية؟ وهل تصب الحرب الأخيرة في مصلحة انقلاب الحوثية أم أن الحوثية والحرب الأخيرة واستهداف الأشقاء في السعودية مغامرة إيرانية خالصة؟!، اعتقد أن الإجابة واضحة ولا تحتاج إلى كثير من الذكاء.
بريطانيا والمقدسات:
في مذكرات السلطان عبد الحميد كتبها في عام ١٩١٧م قبل أكثر من مائة عام، قال أن الإنجليز سلموا القدس لليهود عبر خديعة العرب بالثورة العربية الكبرى، ولن يتوقف عن الإنجليز عن إسقاط الحرمين الشريفين وتسليمها للايرانيين، وقال أنه يتوقع أن المسلمين لن يسمحوا بإسقاط الحرمين في ايادي الفرس عن طريق الإنجليز! يمكن العودة للمذكرات.
والمتابع الذكي يستطيع فهم دور مليشيا الحوثي في تنفيذ مخططات إيران بدءا من الحج بالبنادق في صنعاء قبل عامين، وصولا الى تصريحات محمد البخيتي الذي يريد بيع بيته ليشتري أراضي في مكة والرياض!!.
طبعا يمكن أن نشير إلى تصريحات وزارة الدفاع البريطانية وسعيها للسيطرة على حراسة نفط المملكة، وايضا طريقة إسقاط الطائرة الحربية السعودية في الجوف والتي هي طائرة بريطانية الصنع!!، وأحداث كثيرة تعزز مؤامرة بريطانيا في اليمن والسعودية.، قد نفرد لها حديثا خاصا.
محرقة مأرب
لكن معركة مأرب فاجأت كل الأطماع الإيرانية، ومن يقف وراءها، والحقيقة أن الهزائم التاريخية الأسطورية التي يلقنها الأشاوس في صحراء مأرب ضد الاحتلال الإيراني اربكت كل الحسابات وقد ظهر هذا الارباك في شل حركة غريفث، وفقدان خيوط المتاهة اليمنية التي كان قد جزأها وعمل على تفتيتها، وظهر الارتباك أكثر وضوحا في الموقف الإيراني الذي شعر بحجم الورطة وأدرك حجم الخسارة التي سيدفعها، وهم يشهدون اللحظات الأخيرة لغرورهم ومغامرتهم الغير محسوبة.
المعارك لا تزال ساخنة، وكل رصاصة تطلق في صحراء مأرب تخترق قلب مشروع طهران، وكل هزيمة يلحقها الابطال بعصابات حسن ايرلو تكتب تاريخا جديدا اليمن والعرب جميعا.
هذه التفاصيل يجب أن تكون حاضرة لدى كل يمني، وعلى كل مقاتل بطل أن يدرك عظيم الدور الذي يقوم به الان، ويستشعر قيمة وعظمة وحجم الانتصار الكبير الذي يصنعه لأمته وشعبه.
خلاصة اخيرة..
هناك بالتأكيد يجري خلف الكواليس مفاوضات حثيثة كل طرف يريد أن يبني على انجازات في الميدان، وكل المؤشرات تقول أن بندقية اليمني تنحر مشروع طهران من الوريد إلى الوريد.
غدا سنحتفل بهذه الحقائق بإذن الله، والله غالب على أمره.