الأخبار
- تقارير وتحليلات
الحوثي الضعيف.. ما الذي بقي للمليشيا من قوة 2014؟
العاصمة أونلاين/ خاص
الثلاثاء, 27 سبتمبر, 2022 - 08:44 مساءً
كثيرة هي المفاهيم والتوصيفات التي يتم تداولها كأنها حقيقة أو مسلمة بها، تحتاج إلى إعادة نظر وتوصيف جديد، لتغير الأحداث وتطور بعضها، والسؤال، لماذا علينا أن لا نصدق بأن "الحوثي" منتصر؟.
في "العاصمة أونلاين" نجيب عن هذا السؤال، في هذا التحليل الذي يتمحور حول مصطلح "الحوثي منتصر" الذي ظل للأسف مهيمناً فترة من الزمن على ذهنية البعض في الصف المقاوم، وذهنية المحايد الذي يراقب المعركة عن بعد، ويرى انتصار الحوثي كمسلمة، كونه يستند على عوامل قوة، لكن لا يدرك أن الأمر اختلف اليوم، وأن قوة تلك المليشيا المدعومة من إيران في 2014، لم تعد في 2022.
فحين يكون الحوثي قادراً على الغزو والهجوم فإنه لا يتردد في ذلك، بغض النظر عن أي شيء آخر، سيطر على صعدة أثناء الهدنة بين الحروب الست، ببساطة لأنه كان قادرا على الغزو. يقبل الحوثي الهدنة عند الضعف، لكن الهدنة لا تمنعه من الحرب، بل قدراته التي يمتلكها، فلم يوافق على اتفاقية استوكهولم إلا بعد أن خسر الحديدة، وحين كسر هجومه على مأرب جزئياً في حريب وبيحان وافق على الهدنة.
ولأول مرة منذ أول هدنة في سبتمبر 2004 لم يتقدم الحوثي متراً واحداً في أي منطقة، هذا التحول لا يعني إلا أن الحوثي، قد فقد القدرة على الهجوم، حاول اختبار ما بقي معه من قوة في تعز نهاية أغسطس الماضي، فتعززت تلك النتيجة، لا نستهين بقوة الحوثي، لكن نقارن بينها في فترات زمنية.
أمر آخر يتعلق بقوة الحوثي: منذ أبريل الماضي، لم ينظم الحوثي أي وقفة قبلية مسلحة، تحت أي صيغة سوى وقفات محدودة، تلاشت سريعاً عندما روج زعيم لمليشيا عبد الملك الحوثي نفسه شائعة غير حقيقية عن اغتصاب جماعي في حيس، تلاشت تلك الوقفات سريعا.
خلال سنوات الحرب الثمان الماضية، هذه أول مرة تكون بلا وقفات قبلية، إحدى أهم نقاط قوة الحوثي لم تكن الصواريخ البالستية، ولا طيرانه المسير، بل قدراته على حشد آلاف العناصر، الذين يذهبون إلى الموت بلا فائدة، مثلاً قتل في مأرب وفق فرانس برس 14700 عنصر حوثي، بين يونيو ونوفمبر 2021. العناصر البشرية هي التي كانت تمنحه اليد الطولى فعلياً، ورغم العوامل المحلية أعلاه فالعودة للحرب أو التمديد مرتبط بما تقرره طهران مباشرة.
ثمة عوامل أخرى ظهرت أثناء الهدنة، لم تكن موجودة من قبل، منها أن مليشيا الحوثي تواجه تحديات خطيرة في مناطق نفوذها ونشأتها صارت أولوية لها أكثر من الهجوم على المحافظات المحررة، وصف رجل الدين الزيدي البارز محمد عبدالله عوض المؤيدي نفسه في عيد الغدير الشيعي بأنه الأحق بالإمامة، ينتمي المؤيدي إلى أسرة قوية أقوى تاريخياً من أسرة الحوثي، وفقهياً ينتسب إلى مجد الدين المؤيدي، وهو مرجع أكبر من مرجعية بدر الدين الحوثي، وله أتباعه في محافظات شمال اليمن، وفي رسائل المؤيدي إلى عبدالملك الحوثي بشأن الحملات العسكرية التي يشنها الأخير على أتباع الأول: يدعوه بالأخ عبدالملك، ويتجاهل المنصب المعنوي الذي يصف به الحوثيون زعيمهم قائد الثورة.
في الأشهر الأخيرة أصدر المؤيدي فتوى لأتباعه بعدم حضور صلاة الجمعة، في الفقه الزيدي يعني ذلك نزع الطاقة، بلغ عدد المعتقلين من أتباع المؤيدي بين يناير ويونيو الماضي 80 شخصاً.
كما تواجه مليشيا الحوثي في صنعاء في مؤسسات الدولة التي تسيطر عليها تواجه فشلاً ذريعاً، انتشرت عبارة ارحل يا حوثي في عدة محافظات في مارس الماضي، كانت هي العامل الحاسم محليا في قبول الحوثي للتهدئة.
منذ الهدنة أنشأ الحوثي جهازين استخباريين لمواجهة الغضب الشعبي: الأول يقوده عبدالمحسن الطاووس، باسم جهاز مواجهة الاستقطاب، والجهاز الثاني يقوده حمران، وهو من الذين تدربوا في إيران باسم الصمود الوطني. بجانب أجهزة المخابرات الأخرى والأمن الوقائي.
يضاف إلى ذلك أن الغضب الشعبي نما بالفعل على وقع صراع شديد بين أحمد حامد ومحمد علي الحوثي، وكل منهما له مؤسساته الأمنية والعسكرية الخاصة، يعرف ذلك الكثير في صنعاء، والصراع بينهما وبين مؤتمر أبو راس، خرج إلى السطح، وخرج عن سيطرة الجماعة.
إلى ذلك خاضت مليشيا الحوثي حرباً أخرى خلال فترة الهدنة، تركزت على القبائل، منها الحرب على كل من قبائل ذو محمد في الجوف والحدا في ذمار، وأرحب وبني مطر وهمدان وبني حشيش في صنعاء، كما خاضت حروباً أخرى في حجة وعمران والمحويت.
بالتوازي مع هذه الحروب القبلية كانت أمانة العاصمة صنعاء قد بدأت تستعيد حركتها النقابية ومنذ أسابيع دخل القضاة والمحامون في إضراب شامل للمطالبة بتغيير مجلس القضاء الأعلى، وصرف المرتبات، وهذا تطور لم يخطر على بال أحد، لا يمكن وصف القضاة بأنهم يوالون الحكومة والتحالف، هم أحد أهم أدوات الحوثي قبل سنوات، ولكن تعبوا وملوا من الجماعة وساعدتهم صراعات الجماعة الداخلية في بدء حركتهم النقابية.
وتستعد نقابات شركات وزارة النفط العامة، ومؤسسة الاتصالات، والبريد والمياه، والمشافي، وكل المؤسسات العامة والوحدات الخاصة المستقلة الحكومية ذي الطبيعة الإيرادية للإضراب إثر قرار حوثي بقطع مرتباتهم.
ومع أن مليشيا الحوثي اقتحمت صنعاء باسم الهاشمية داخل المجموعات الزيدية، وباسم الجرعة خارج تلك المجموعات، صار اليوم المؤيدي لا يعترف بأحقية عبدالملك، ولا يحيى الديلمي وكثيرين غيرهم من الأقوياء داخل المجموعات الزيدية، أي أن الحوثي حالياً فاقد المظلة الدينية، أما على المستوى الشعبي، فقد الحوثي المبرر الأخلاقي الذي اقتحم به صنعاء، وانهار كل شيء اقتصادياً واجتماعياً ويفتقد ملايين الأفراد مرتبات آبائهم، مؤخراً كان القضاة على سبيل المثال في صنعاء يتحسرون على أوضاعهم مقارنة بالقضاة في عدن.
تقول الأرقام إن الحوثي يسيطر على القطاع الخاص ويدمره ولا تنمو إلا شركاته في السوق السوداء كالوقود، فلم تعد جماعته تغري أحداً الآن مقارنة بـ2015.
كما أن الضغط الشعبي في صنعاء عبر جماعة الحوثي أدى إلى تنازل مهم من الجماعة لم يعط حقه من التناول إعلامياً، وهي أن تتولى الحكومة في عدن صرف المرتبات للموظفين في مناطق الحوثي، بعد اتفاق على الإيرادات من موانئ الحديدة.
ما الذي يعنيه ذلك بالنسبة للناس في صنعاء، أن الحكومة المعترف بها ليست حكومة أمريكية ولا حكومة مرتزقة ولا حكومة منافقين، ولا عملاء ولا أدوات ولا شيء من ذلك، وإن اتفق الطرفان هذه المسألة فمن المتوقع أن تكون لها تداعيات مهمة على نزع ما بقي من غطاء أخلاقي على مليشيا الحوثي أمام أتباعها الذين صدقوها يوما ما من خارج الأسر الهاشمية.