الأخبار
- تقارير وتحليلات
دمُ صنعاء المسكوب.. "تقرير" لـ "العاصمة أونلاين" عن مجزرة التدافع و"القاتل" الطليق
العاصمة أونلاين/ تقرير خاص
الإثنين, 08 أبريل, 2024 - 08:41 مساءً
تشكّل المأساة التي عاشتها العاصمة صنعاء العام الماضي، في الـ 28 من رمضان، تحديداً وحصدت 85 قتيلاً وأكثر من 322 جريحاً، فصلاً من المسلسل الدموي المستمر، والذي تنفذه مليشيا الحوثي الإرهابية، ليس بحق سكان "صنعاء" لوحدهم، بل مواطني عديد محافظات من المحافظات اليمنية.
وإلى اليوم، ما زال "القاتل" طليقاً، بينما الدّم كما "هو" مسكوب، كما هي آلام الجرحى والمصابين ومعها آهات المكلومين حبيسة الصدور والبيوت غير مسموح مغادرتها والتعبير عن وجعها، تحت آلة القمع الحوثية، والتي مارستها وتمارسها تلك الجماعة، وهي في حلٍ من أمرها، بعد أن تركت أو تركها المجتمع الدولي، دون حساب أو عقاب، مما شجعها على مزيد من الجرائم، ليس ذلك فقط، ففي خططها ومشاريعها، أن لا يخلو من جرائمها مستقبل اليمنيين، وسائر شؤون حياتهم الاقتصادية والتعليمية والسياسية والمجتمعية.
(العاصمة أونلاين) في هذا التقرير، المعنون بـ (دمُ صنعاء المسكوب.. مجزرة التدافع و"القاتل" الطليق") يسرد تفاصيل جديدة عن ضحايا المجزرة وملابساتها، وكيف تلاعب الحوثيون بأرقام الضحايا، وكيف سعوا كذلك إلى تمييع القضية ومسح معالمها؟، بتهديد كل من يحاول الحديث عنها أو البحث عن إنصاف، وهو ما ذكره شهود لمعدي التقرير.
ورغم أن المجزرة لقيت ردة فعل كبيرة حينها، وظل لأشهر التضامن مع الضحايا والدعوات المحلية والدولية إلى التحقيق المستقل والشفاف، إلاّ أنها كانت أشبه بحملات "إعلامية" لا تحرك قضائي وحقوقي فعّال، مع أن لها دورها في توثيق الجريمة وحفظ أرشيفها، وتقديمها للرأي العام، فبقي صداها وسيظل حتى تصحو المحاكم الدولية، وتستقل المحاكم المحلية ليتسنى لها لا شك في تقديم القتلة والمتسببين في الجريمة إلى العدالة.
كيف سعت "الجماعة" لتبرئة نفسها؟
في أول فصول التمييع أو ما يمكن تسميته "التهرب" من تبعات الجريمة، سعت الجماعة الحوثية في صنعاء إلى التنصل وتبرير فعل مسلحيها أو القتلة المباشرين، حين أطلقوا الرصاص لتقع الفاجعة، وذلك في مدرسة معين الكائنة في منطقة باب اليمن، محملة المسؤولية التاجر (الكبوس) ومن على شاكلته من التجار ورجال الأعمال، بأنهم المتسببون؛ كونهم ينفذون أعمال التوزيع للمبالغ المالية "الصدقات" دون التنسيق مع هيئات الجماعة، وبدون تنظيم من قبلها، لتصل تلك الاتهامات إلى تجاذب بين الحوثيين وقطاع من التجار وصل حينها إلى إصدار إجراءات عقابية بحق "الكبوس" منها ما يخص موقعه في الغرفة التجارية.
الأمر الثاني، سارع "الحوثيون" نتيجة الضغط المجتمعي عليها، بعد أيام من الجريمة إلى تشكيل لجنة تحقيق لكنها اللجنة شكلت لذر الرماد على العيون، والكذب على الدقون حدّ تعبير قريب أحد الضحايا، (س، م) وهو أحد العاملين في السلك التعليمي، ممن نجا من المجزرة، إلا أنها ما زالت مرتسمة في جسده، عبر بعض آثار في قدمه ووجهه، وفقاً لقريبه الذي أوضح أنهم لا يستطيعون التعبير عن ما أصابهم وأصاب غيرهم، ويخافون جميعاً من فتح الملف ومواجهة الحوثيين، أو على الأقل اللقاء باللجنة المزعومة.
عن اللجنة تؤكد الوقائع عدم إجرائها أي تحقيقات أو لقاءات سوى ما تم جمعه للحوثيين أنفسهم عن بعض الضحايا الذين نقلوا للمستشفيات كما أن أسر "قتلى" لم تجد أي شيء مكتوب وموثق حتى في شهادات الوفاة توضح أسباب موت ذويهم وهو حق مكفول إلا أن إدارات الحوثي في المستشفيات وفي أقسام الشرطة والسجل المدني أحرمتهم ذلك، وكل ذلك أوجد أرقاماً غير دقيقة ففي الوقت الذي تحاول الجماعة إيقاف رقم القتلى إلى السبعين، إلا أن الرقم تجاوز التسعين بالنظر إلى الحالات الخطيرة التي دخلت "المشافي" كما أن قيادات الحوثيين منعت الدفن الجماعي، أو توثيق عمليات الدفن والتشييع.
والغريب في الأمر أن للحوثيين خبراً يتيماً عن اللجنة، تم نشره في وكالة سبأ بنسختها الحوثية ثم نقلته عدد من وسائل الجماعة، وذلك في 2 مايو، أي بعد أيام قليلة لا تتجاوز أصبع اليد عن يوم التدافع أو المجزرة، زعمت فيه أن اللجنة التقت مهدي المشاط رئيس ما يسمى بالمجلس السياسي الأعلى، وقامت بتسليمه نسخة من التحقيق عن الحادثة.
تلك السرعة في التحقيق أكد ويؤكد إلى اليوم بأن جماعة الحوثيين لم تكن جادة في إجراء التحقيق كما قال ضحية آخر لمعدي التقرير وهو (محمد، س) والذي أضاف أنه نفسه لم تستدعه أي لجنة كما أنه التقى بعد شهر من الجريمة محامياً، إلا أن المحامي عمل على تعبئة استمارة عن ما جرى ثم طلب منه عدم ذكر اسمه لأي شخص احترازاً من أي مساءلة حوثية له وفق تعبيره.
فالتحقيق لم ير "النور" كما أن المشاط هو الآخر، لم يدخل في جدول أعماله اللقاء مجدداً بلجنته المشكلة لهذا الصدد، وهو ما يدلل أكثر على أنه لا توجد أية نتائج توصلت لها تلك اللجنة عن الجريمة التي ما تزال معلقة في "رقاب" مرتكبيها من الحوثيين، كما أن قيادات الجماعة في الوقت نفسه تدرك خطر الأمر عليها في أن تقود المتسببين إلى المحاكم كون ذلك يفتح لها باب شر في اعتقادها، وهذا الجزء من القول أعلاه ذكره لنا راصد حقوقي يعمل من داخل صنعاء، والذي امتنع عن ذكر اسمه، خوفاً على حياته.
شهادات "أخرى"
يقول أحد المصابين، الذي "نتحفظ على اسمه كما البقية ممن التقيناهم، وهو عامل بالأجر اليومي، "كل شيء حدث فجأة لولا هجوم المسلحين وإطلاق الرصاص لما حدث ما حدث".. مضيفاً أنه ظل يتلقى العلاج لأشهر، وهو العلاج الذي تكفل به فاعلو خير، وأحد أقربائه في محافظة أخرى".
العامل أوضح أنه لا يتحدث عن ما حصل له إلا لمن هم قريبون منه، ويعرفهم حق المعرفة، إنه يخشى من مخابرات الحوثي التي قد تزج به في السجن غير أبهة بوضعه وبما حصل له ولا بأبنائه الخمسة وأمهم الذي عانوا معاناته وما زالوا يعانون كونه لا يجد عملاً مناسباً يفي بمتطلباتهم اليومية.
"عبدالله" وهو جار ضحية كان يتيماً ويعيش مع أمه في غرفة "دكان" قضى في ذلك اليوم، سرد مأساة الأم التي عاشتها لأشهر حيث ظلت حزينة كسيرة في مسكنها، وقال إنها قبل شهرين تقريباً عادت المسكينة إلى قريتها في الحديدة، عادت ومعها ذكريات ابنها ووعود بتسلمها ديته التي لم تصلها غير أموال ومساعدات قليلة أتتها من فاعلي خير في الشارع الذي كانت تقطنه.
الخوف يطارد "الضحايا"
وبالنظر إلى المشهد العام في العاصمة صنعاء، وما يشهده من اختطافات واعتقالات حوثية على الناشطين والعاملين في المنظمات الإنسانية والحقوقية يعطي تصوراً عن تخوف الضحايا عن إبداء مظلمتهم أو على الأقل البحث عن حقوقهم.
الصور و ما وثقته الهواتف وبعض العدسات ما زالت شاهدة عن الجريمة الأكبر، التي تشير إلى ما يعيشه السكان في صنعاء من وشع اقتصادي صعب، جعلت الآلاف يتزاحمون من أجل الحصول على خمسة آلاف ريال، وهو مبلغ ضئيل بالنظر إلى أسعار السلع والاحتياجات لكنها الحاجة من تدفع الفقراء للذهاب إلى مثل هذه التجمعات والتي يقوم فيها تجار بتوزيع الصدقات.
وفي ظل ما يحصل من "قمع" وبطش حوثي، كما هو الخوف من الآلة الأمنية الحوثية يدفع بالضحايا إلى عدم التعرف على بعض، كما أن تشكيل كيان حقوقي خاص بهم أمر بعيد المنال، ولا يمكن حدوثه إلا إذ سمحت الظروف للضحايا مغادرة صنعاء إلى مناطق آمنة وبعيدة عن يد الحوثيين. يقول (محمد، س) "لا أحد يتلمس أوضاعنا، كما أنه لا يوجد لنا خصوصية في جمعيات الحوثي تراعي ما مررنا، نحن لا شيء بالنسبة لهم، ويعملون من أجل نسيان الجريمة وما حدث لنا في رمضان من العام الماضي، لذا يخافون من أن نجتمع في مكان واحد".
هل ستتحقق "العدالة"؟
"العدالة أضاعت الطريق إلينا" هذا ما قاله "محمد، س" إلا أنه استدرك بالقول عن أمنيته بأن يتم إحياء الجريمة إعلامياً وتقديمها في أي محفل دولي، فالفرصة سانحة في مواجهة الحوثيين، لا ترك الضحايا بمفردهم، كما أنه لا أحد يستطيع الوصول إليهم.
ورغم أن الجريمة لقيت بيانات إدانة حينها من منظمات دولية وأخرى محلية كما أن الحكومة اليمنية أفردت لها جزءا من فعالياتها إلا أنه تم تناسيها إذ لم تحرك أي جهة ساكناً لتقديم ملف متكامل للقضية يدين الحوثيين ويحاكم مرتكبي الجريمة مع العمل على إنصاف الضحايا وجبر الضرر، وهو ما يحتم إلى وضعها في جدول الجهات المعنية لعرضها العرض الأمثل في المحافل الدولية باعتبار المجزرة جريمة حرب ارتكبت بكل وحشية.