الأخبار
- تقارير وتحليلات
الهيئة العليا للأدوية.. أداة الحوثيين لابتزاز المستوردين وتهريب الأدوية ونهب الأموال
العاصمة أونلاين - متابعات
السبت, 26 أكتوبر, 2024 - 06:33 مساءً
في العام 1971، تأسست الهيئة العامة للأدوية والمستلزمات الطبية بصنعاء، كمؤسسة وطنية مستقلة مالياً وإدارياً بهدف تنظيم وتوفير الأدوية الآمنة والفعّالة للمواطنين وبأسعار مناسبة.
إضافة إلى أدوار وطنية مهمة كإجراء التحاليل والفحوصات والدراسات على المستحضرات الصيدلانية المستجدة وتقييمها لضمان مطابقتها للمواصفات وفاعليتها وخلوها من الأضرار.
واستمرت الهيئة، منذ إنشائها، في تنفيذ أدوارها الوطنية والقومية التي تعني بالحفاظ على صحة وسلامة وجودة الدواء الذي يتناوله المواطن، وقامت بكل ما من شأنه الحفاظ على الأمن الدوائي والصحي للمواطنين.
إلا أن هذا الدور تلاشى وتحوّل إلى النقيض مع سيطرة جماعة الحوثي على الهيئة في إطار سيطرتها على مؤسسات القطاع الصحي، عقب انقلابها واجتياحها للعاصمة صنعاء في 21 سبتمبر/أيلول 2014.
موظفون في وزارة الصحة بحكومة الحوثيين (غير معترف بها)، وفي الهيئة العليا للأدوية بصنعاء، ومصادر أخرى مطّلعة (جميعهم نحتفظ بأسمائهم لدواعٍ أمنية)، كشفوا حجم الفساد “القاتل” الذي تمارسه الجماعة في الهيئة.
المصادر تحدثت أيضًا عن كيف حوّلت جماعة الحوثي هيئة الأدوية من جهة رقابية خدمية تعني بحماية المواطنين إلى مركز إيرادي للجماعة يعني بنهب مستوردين الأدوية وتهريب العلاجات المحظورة.
وتشير شهادات الموظفين والمصادر إلى أن حياة الكثير من اليمنيين باتت في “خطر مميت”، نتيجة الممارسات الحوثية ”غير المسؤولة”، والتي آثرت مصالحها الشخصية على حساب حياة اليمنيين، ضاربة عرض الحائط بكل القوانين والأنظمة.
السلالة بدلاً عن الكفاءة
مصدر في الهيئة العامة للأدوية بصنعاء، قال إن الحوثيين عمَدوا منذُ البداية على “تعيين عناصر سلالية وموالين للجماعة في الوظائف العليا في الهيئة بعيدًا عن اعتبارات الكفاءة المهنية”. مضيفًا أنهم تعمّدوا “إزالة الكفاءات العلمية ومطاردتها والتضييق عليها”.
وخلال فترة وجيزة، قال المصدر الذي طلب عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية، إن الجماعة “أفرغت الهيئة من المختصين الحقيقين المتمثلين بالصيادلة المهنيين وخبراء التحليل الدوائي المحترفين، كما أفرغت دائرة التيقظ الدوائي من مضمونها”.
وبحسرة وألم، قال إن الحوثيين “همّشوا الكثير من موظفي وكوادر الهيئة العليا للأدوية، وجردوهم من أعمالهم في مراقبة الأدوية” وباتت عناصر الجماعة المعيّنة حديثًا هي صاحبة القول الفصل داخل الهيئة.
لوبي سلالي
موظف في وزارة الصحة الخاضعة لسيطرة الحوثيين بصنعاء، تحدث عن هويّة العناصر الذين عيّنتهم الجماعة لإدارة الهيئة بدلًا عن الكوادر السابقة، والمهام التي يقومون بها.
أوضح الموظف الذي اشترط عدم ذكر اسمه خوفًا على سلامته، أن الجماعة نصّب ما وصفه بـ“اللوبي السلالي متمثلاً بمالية الهيئة ومعاونيهم”.
وقال إنها “أعطتهم كامل الصلاحيات؛ بغرض جمع الأموال الطائلة من وكالات الأدوية والشركات الدوائية، ومصانع الأدوية اليمنية في صنعاء، ومحلات الجملة في العاصمة والمحافظات الأخرى” التي تسيطر عليها.
وأضاف أن “مالية الهيئة هي المتحكّم الفعلي في أعمال الهيئة”، وأن الصيادلة الموجودين فيها “مهمشون وليس لهم أي رأي، ويرفض لهم أي قرار”.
وتابع حديثه قائلاً: “كما هو حال كل المؤسسات المدنية الأخرى التي سيطروا عليها؛ فالدوائر المالية التي تجمع الايرادات يسيطرون عليها بقيادات هاشمية تتبع اللوبي السلالي مباشرةً، وتنفذ كل أوامره وتوجيهاته”.
سلطة المال
لتسليط الضوء أكثر على الإدارة الحوثية الجديدة للهيئة، قال الموظف الوزاري إن الإدارة الفعلية اختزلت في “مالية الهيئة التي فرضتها جماعة الحوثي كدائرة لتجميع الأموال والتحكم بدخول الأدوية وخروجها”.
وبلغة واثقة أكّد أنه “بإمكان أصغر موظف في مالية الهيئة أن يتدخل في كل شيء، وأن يعرقل مستورد لم تعجبه منطقته أو قبيلته أو محافظته أو لقبه”.
وأضاف أنه “بإمكان هذا الموظف أيضًا أن يوقف أو يعدل قرار لجنة فنية، وقد يرفض حتى قرار رئيس الهيئة بمنع استيراد أصناف دوائية منقذة للحياة، وقد يسمح بإدخال أدوية لها بدائل كثيرة في السوق ومتكدسة”.
اضطهاد
موظف آخر في الهيئة، اكتفى بالحديث عن حجم المعاناة التي يعانيها وبقيّة زملائه من الموظفين السابقين وقال مفضلًا عدم ذكر اسمه لأسباب أمنية: “نعاني من ممارسات انتهازية وظالمة من قبل شلة تتبع رئيس الهيئة العليا للأدوية”.
وأضاف أن هذه المعاناة وما وصفه بـ“الظلم الممنهج” يواجهونها أيضًا من قبل رئيس الهيئة العليا للأدوية الذي عيّنته جماعة الحوثي ويدعى “علي محمد عباس”، والذي قال إنه “يقوم بالدفاع المستميت عن الشلة التي تتبعه، ويرفض لنا أي رأي ولا يعطينا أي اعتبار”.
وأردف: “عندما نرفع له المعاناة والمشاكل التي نتعرض لها من موظفيه الجدد يقوم بالدفاع عنهم، فهو المحامي والحارس لهم وبقوة، وهو القاضي وهو الحكومة”.
ودعا الجهات أو الأفراد في جماعة الحوثي الذين لديهم “قرار على هؤلاء برفع الظلم علينا، ورفض التنكيل الذي نتعرض له من قبل رئيس الهيئة وشلته”.
وقال إن “التنكيل وصل لمنعنا من دخول مبنى الهيئة”، مختتمًا حديثه: “نتمنى معاقبة اللوبي المسيطر على الهيئة، وانصافنا من ظلمهم”.
ابتزاز وجزية
مختص في الهيئة عما وصف بـ“الابتزاز” الذي يتعرض له المستوردين للأدوية”. وقال إنهم يتعرّضون “لابتزاز وسرقة ومماطلة” من قبل ما وصفه بـ“اللوبي الحوثي” في الهيئة العليا للأدوية.
وأضاف أن اللوبي “ينتهج سياسة فرض دفع الجزية على مستوردي الأدوية، ويرفض القوانين واللوائح المعمول بها في استيراد الأدوية”.
ولتوضيح آلية استيراد الأدوية، تواصلنا بمشرف علمي بإحدى شركات الأدوية الوطنية، تحدث مشترطًا عدم كشف هويّته لدواعٍ أمنية. وقال إن “استيراد الأدوية يتم وفق اجراءات واضحة ومحددة في لوائح وقوانين الهيئة العليا للأدوية”.
وتتمثل الاجراءات في “تقديم طلب رسمي إلى الهيئة تحت مسمى (طلب موافقة استيراد أدوية)، فيحوله رئيس الهيئة إلى اللجنة الفنية لدراسته ومعرفة المخزون الدوائي ومعرفة مدى احتياج السوق الدوائي له من عدمه، ودراسة نوع الشركة المصنعة وجودتها”.
وبعد استكمال دراسة الطلب، “يتم الرد باستيراد كل الأصناف أو بعضها، ومن ثم يتم تسليم الطلب إلى مقرر اللجنة الفنية”.
وعن إجراءات الحوثيين ومدى قانونيتها، قال إن ما يقومون به “يخالف اللوائح والقوانين المعمول بها، ويضرب بها عرض الحائط”. واصفًا ما يحدث بأنه عمليه إلغاء للقوانين والأنظمة واستبدالها بقانون الجزية.
وأضاف أن “الجماعة عيّنت عصابة في الهيئة العامة للأدوية تنتهج سياسة ابتزاز وسرقة ومماطلة مستوردي الأدوية بطرق ملتوية غرضها دفع الأموال”.
وحول هذه الطرق، أوضح أنها “تتم عن طريق تقديم طلب استيراد المستوردين بشكل غير رسمي عبر وكلاء (سماسرة)، يتبعون رئيس الهيئة بغرض تحويل موافقة طلب استيراد جاهزة إلى اللجنة الفنية لتوافق عليها ويتم إكسابها الصفة القانونية لا أكثر”.
ولكي يواصل المستورد إجراءاته ومعاملاته في الهيئة، قال “يتم تحويل موافقة طلب الاستيراد إلى مقرر اللجنة الفنية يدعى اسماعيل الكحلاني”.
وأضاف أن “المستورد يستمر في متابعة الكحلاني، أسبوعاً تلو أخر؛ بغرض استكمال معاملته، وخوفاً من انتهاء المدة القانونية المحددة بشهرين (60 يوماً)، ولكن دون جدوى”.
وهنا قال: “يصاب المستورد باليأس، حيث يستمر الكحلاني في الكذب والمراوغة والمماطلة بكل برود”، مضيفًا أنه “يجيد إتقان أساليب المراوغة والتسويف”، وللأسف قال إن “رئيس الهيئة يعتبرها من مميزات الكحلاني”.
وأمام هذا الواقع “يقوم المستورد بإبلاغ رئيس الهيئة شفوياً بمراوغة ومماطلة الكحلاني”. موضحًا أن “المستوردين ليس بمقدورهم تقديم شكوى خطية ضده؛ لعلمهم أن هذا سيلغي طلبهم نهائياً من قبل رئيس الهيئة والكحلاني”.
وبعد أن يصل المستورد إلى “حالة من اليأس والاحباط؛ بسبب المنافسة بين مستوردي الأدوية وحرص المستورد على بقاء عمله، وكون المدة للموافقة النهائية قاربت على الانتهاء، فليس أمامه إلا دفع الجزية لعصابة الحوثي”.
وفي هذه الحالة، قتل: “يتم إجبار المستورد على دفع مبلغ يصل 3000 دولار بغرض إتمام معاملاته، ويتم تسليمها إلى رئيس الهيئة، وبسرية تامة”.
وأكّد المصدر أن “عشرات الموافقات الشهرية للعديد من مستوردي الأدوية يتم فيها إجبارهم على دفع نحو 3000 دولار”، وقال إن هذا “يعتبر أحد أهم أبواب الجبايات التي تجني من وراءه الجماعة أموالًا طائلة”.
تهريب وجبايات
وحول تهريب الأدوية، أكد المشرف العلمي أن “جماعة الحوثي تنتهج سياسة تسهل تهريب الأدوية إلى المناطق الخاضعة لسيطرتها شريطة دفع المهربين للأموال، بغض النظر عن نوع ومأمونية هذه الأدوية المهربة”.
وأضاف أن هذه الإجراءات “تقوم بشرعنتها عبر قياداتها في وزارة الصحة” الخاضعة لسيطرتها بصنعاء.
وأكّد أن الجماعة “عملت على إغراق السوق الدوائي بآلاف الأصناف المهربة والمزورة دونما أي رقابة حقيقية من قبل الهيئة العليا للأدوية”، معبرًا عن أسفه لأن الهيئة “تحولت إلى هيئة لشرعنة التهريب وتسهيله”.
المختص العلمي، تحديث أيضًا عن “قوانين ولوائح جديدة تفرضها سلطة جماعة الحوثي المسيطرة على الهيئة على مستوردي الأدوية؛ بغرض تجديد تراخيصهم في فترات متقاربة بغرض إجبارهم على دفع الأموال في كل مرّة.
بالإضافة إلى ذلك، قال إنها “تفرض شروطاً جديدة على المستوردين الذين لم يستوردوا أصناف جديدة رغبة في إجبارهم على دفع الأموال”.
وقال إن “الجماعة تستمر في تنفيذ سياسة السيطرة وقوننتها لسرقة أموال الناس ضاربة عرض الحائط بكل القوانين واللوائح”.
وأضاف أن الجماعة تقوم بتطوير أنظمتها الالكترونية في المؤسسات الإيرادية بغرض استغلالها في جمع الأموال. وقال: “مؤخرًا دشنت بوابتها الالكترونية في هيئة الأدوية، وأمهلت المستوردين 30 يوماً لتصحيح وضعهم القانوني ما لم فإنها ستقوم بإلغاء تسجيلهم، وغرضها الوحيد إجبار المستوردين على دفع أموال”.
المصدر | بران برس