الأخبار
- تقارير وتحليلات
تحولات الحرس الجمهوري إلى الحرس الثوري (2 -2)
العاصمة أونلاين - د. عمر ردمان/ خاص
الجمعة, 08 سبتمبر, 2017 - 05:28 مساءً
ظل قادة المشروع السياسي الإمامي في صنعاء يرقبون المعطيات الجديدة التي أسهمت بشكل مباشر في البدء بالترتيبات والتجهيزات لتفعيل مسمّى (قوات الحرس الجمهوري) وإنشاء وحدات عسكرية جديدة تحت لافتته، وهي الترتيبات التي بدأها صالح مع مستشارين أمريكيين وأردنيين وعراقيين ليتولى زمام قيادتها النجل الأكبر لصالح الذي انهى دراسته العسكرية في أمريكا في بداية العام 1997م.
كان قادة مشروع الإمامة المنظّم (الهاشمية السياسية) تدرك رغبة الطرف الدولي الأمريكي خصوصاً في تشكُّل قوات عسكرية جديدة تمدها بالخبرات والاستشارات والتسليح وتشارك في اختيار قادتها وفق معاييرها التي تحقق من خلالها الوصاية غير المباشرة عليها، كما كان قادة الهاشمية السياسية يدركون كذلك رغبة صالح في تهيئة عوامل القوة لنجله تمهيداً لتوريثه الحكم أسوة بعدة زعماء ورؤساء عرب في ذلك الوقت، كما كانوا يدركون طبيعة التباينات داخل بيت الحكم إزاء قضية التوريث؛ فسارعوا بعرض أنفسهم على المخلوع صالح عبر اللواء يحيى المتوكل – وزير الداخلية الأسبق- والأمين العام للمؤتمر الشعبي العام الحاكم، وبرّروا له أن "الوهابية" _ويقصدون بها السنّة- قد تغلغلوا في مفاصل وحدات الجيش وخصوصاً تلك الوحدات العسكرية التابعة لعلي محسن الأحمر وأن ذلك يشكل خطراً على صالح وعلى مستقبل نجله الشاب وهو الخطر الذي لا يمكن مجابهته إلا بإفساح الطريق أمام التيارات الفكرية "الشيعية" ليكون لها تواجد وحضور فاعل في التشكيلات العسكرية الناشئة "الحرس الجمهوري" لإحداث عملية توازن في ميزان القوى تخدم نظام صالح وتحافظ عليه من التأرجح وتدعم توجهات التوريث مقابل تمكينها من المشاركة الفاعلة في إدارة الدولة، كما عززوا من قناعة صالح بأن الايدلوجيا السنيّة "الوهابية" لا يمكن مواجهتها عند الحاجة إلا بايدلوجيا مضادة؛ وتعهدت تلك القيادات الهاشمية بأنها وعناصرها وجماهيرها سيظلون الحليف الاستراتيجي لصالح ولابنه أحمد حيث سيمثلون بالنسبة له الداعم الشعبي المؤدلج بمقابل الداعم الشعبي والقبلي للإسلاميين وللجنرال علي محسن الأحمر باعتباره العقبة الأكثر صعوبة أمام مشروع توريث الحكم لنجل صالح.
بموازاة ذلك العرض تحركت قيادات مشروع الهاشمية السياسية ونشطت في زيارة السياسيين الأمريكيين والبريطانيين المتواجدين بسفارات بلدانهم في صنعاء لتسويق نفس الفكرة، وتصوير خصومهم السياسيين (الإصلاح) أنهم فرع لجماعات العنف والإرهاب، ومحاولة خلق قناعة لدى صنّاع القرار بضرورة إتاحة الفرصة للفكر الزيدي (الشيعي) بالانتشار والتوسع كضامن فكري ومجتمعي لعدم تحول اليمن مرتعاً للتنظيمات الإرهابية، وفي نفس السياق ظل عدد من قيادات الداخل وقيادات الخارج يتنقلون من مؤسسة دولية إلى أخرى لتعزيز القناعة الدولية بأن الفكر (الزيدي) في اليمن يمتلك خصوصية يمنية مفصولة عن مشاريع التشيّع المناهضة للسياسات الغربية في المنطقة، وأنه ليس عدواً لأي من الأطراف الخارجية بقدر ما هو عدو تقليدي للتطرف السني "الوهابي والإخواني"، وأن قياداتهم وعناصرهم حتى ولو امتلكت القوة أو تواجدت في مؤسسات الجيش والأمن فهي بمثابة عصاً غليظة في يد السياسة الدولية تؤدب بها خصومها وقت الطلب.
كان قادة المشروع السياسي للهاشمية في اليمن يقرأ جيداً التفاعلات الدولية ويعرف التوجهات الغربية في ذلك الوقت المتمثلة في رؤية (الشرق الأوسط الجديد) والذي يعني مما يعنيه إعادة تشكيل المنطقة على أسس ايدلوجية، وإعادة توزيع النفوذ والقوة وفق تقسيمات "سنة" و"شيعة" ما يعني بالضرورة إتاحة الفرصة أمام إيران ومشاريعها في المنطقة بالتوسع والانتشار وتلميع دورها (المناهض) و(المقاوم) و(الممانع) للقوى الكبرى في العالم، وتحجيم ومحاربة القوى السنية دولاً أو جماعات بهدف خلق توازن سياسي وعسكري واجتماعي يخدم المصالح الدولية في المنطقة وعلى رأسها القضية المحورية في الشرق الأوسط "إسرائيل"؛ لذلك كله فقد أدرك قادة مشروع الإمامة في اليمن بأن الظروف باتت ملائمة لتسويق أنفسهم لدى القوى الدولية وتعزيز قوتهم في الداخل اليمني بامتطاء نظام صالح السياسي والعسكري لخدمة تلك الأهداف المعلنة ظاهراً لكن الهدف الحقيقي هو تعزيز مشروعها الخاص المتعلق باستعادة دولة الأئمة كحق ديني وتاريخي سلبته منهم ثورة السادس والعشرين من سبتمبر في عام 1962م.
بدأ صالح بالفعل بترتيب أوراق اللعبة لتوريث الحكم لنجله أحمد وتهيئة العوامل المؤثرة في تحقيق هذه الغاية فكانت هنالك خمس أولويات أمام صالح:
الأولى: تسليم نجله أحمد قيادة قوات الحرس الجمهوري التي تشكلت للتو بإمكانات حديثة ومتطورة مقارنة ببقية وحدات الجيش اليمني، والتي تم اختيار أغلب قادتها بناءً على معايير عدم قربهم من الإسلاميين (الإصلاح) هم أو أي أحد من أقاربهم بل وبحسب ابتعاد بعضهم عن التدين برمته، وكذلك بناءً على خلفية انتمائهم للايدلوجيا الزيدية (الشيعية) ومن مناطق النفوذ التقليدي للمذهب في الأعم الأغلب.
والثانية: إزاحة كل من يقف أمام مشروع التوريث من داخل الأسرة الحاكمة حيث تمت تصفية عدد من الضباط والقادة في ظروف غامضة كمقتل القائد العسكري محمد اسماعيل ابوحوريه وعدد من مساعديه في تحطم طائرته العسكرية بعد أن رفض تسليم موقع أحد ألويته العسكرية اللواء الثامن صاعقة لنجل صالح، الذي يعد موقعاً استراتيجياً يطل على العاصمة صنعاء وعلى دار الرئاسة ومؤسسات الحكم المهمة، وهو الموقع الحالي لمعسكر القوات الخاصة الذي استلمه نجل صالح بعد مقتل القائد محمد اسماعيل. وكذلك مقتل نجل شقيقه علي صالح الأحمر الذي كان يمتلك من الصفات الفطرية والقيادية ومن المؤهلات ما يجعله منافساً يشكل خطراً أمام نجل صالح.
والثالثة: صنع حلفاء جدد من القبائل المحيطة بصنعاء حيث سعى لتقليص نفوذ قبائل حاشد وبكيل في الدولة التي أصبحت أكثر قرباً من الإصلاح، واكتفى منها باختيار شخصيات قبلية محددة وتعزيز العلاقة الشخصية بها عبر المصاهرة وعبر تقديم التسهيلات التجارية في قطاعات النفط وعبر تكوين شبكة مصالح بينها وبين نظامه، أما اعتماده الكلي فقد اتجه جنوباً نحو قبائل ذمار (وهي التي توصف تاريخياً بكرسي الزيدية) وخصوصاً قبائل الحدا وعنس وآنس الذين فتح أمامهم أبواب الدولة ومؤسساتها العسكرية والأمنية عبر تحالف جديد اراده بديلاً عن التحالف القائم بين الدولة وبين قبيلة حاشد الممتد منذ بداية ثورة سبتمبر في العام 1962م.
والرابعة: إضعاف القوى العسكرية التي لم يتمكن من القضاء عليها وعلى رأسها قوات الفرقة الأولى مدرع التي كان يقودها الجنرال علي محسن الأحمر الذي ظلّت تقارير صالح الأمنية المرفوعة لأجهزة الاستخبارات الدولية تعمل بوتيرة عالية لاتهامه بعلاقة مع جماعات متطرفة بعد أن كان صالح قد كلفه بإدارة ملف التيارات الإسلامية السياسية في إطار ترتيب بيت حكمه الداخلي وتنظيم علاقته بشرائح المجتمع، لكن مشروع التوريث الذي عشعش في رأس صالح قد جرده من كل قيمه وأخلاقه وساقه للطعن في رجاله بكل السبل ناكراً لجهودهم في توطيد أركان نظامه في عدة منعطفات لمجرد وقوفهم ضد مشروع التوريث، وقد سعى صالح لإضعاف دور تلك القوة العسكرية (وحدات الفرقة الأولى مدرع) على عدة مسارات: مسار تشويه قيادتها وتصنيفهم على تيار الإسلاميين، ومسار عدم تسليحها منذ عام 2000م وتسليم كل صفقات الأسلحة منذ ذلك التاريخ لقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة التي يقودها نجل صالح، ومسار استهلاك قوتها وسلاحها القديم والشحيح في عدة حروب داخلية وخلق توترات قبلية ملتهبة في مناطق تمركزها.
والخامسة: الإنهاء التدريجي لشراكته مع الإسلاميين الممتدة منذ أحداث المناطق الوسطى ضد المد الشيوعي في ثمانيات القرن المنصرم، وللشراكة مع حزب الإصلاح سواءً في التجربة السياسية بعد ظهور التعددية السياسية أو في حرب الدولة ضد الانفصال في العام 1994م، أو الشراكة الوزارية فترة الائتلاف الحكومي واستبدال هذا التحالف وتلك الشراكة بالحلفاء الجدد من القوى الايدلوجية المضادة وعلى رأسها ما بات يسمى بالزيدية (الشيعية) التي مد جسور التواصل معها وقدم لها الدعم المالي من خزينة الدولة لتمويل تنظيماتها وأنشطتها ، كتنظيم الشباب المؤمن (الشيعي) الذي كان قد سبق واعتمد ميزانيته من خزينة الدولة قبل أكثر من خمس سنوات من تاريخ فتح المناصب العسكرية في ألوية الحرس الجمهوري لقيادتهم وتحديداً في العام 1992م تاريخ نشأة التنظيم الشيعي في نسخته الفكرية قبل أن يتم تحوله لاحقاً لتنظيم مسلح بقيادة حسين الحوثي بعد العام 2000م، وقد عقد المخلوع صالح شراكة حقيقية مع تلك القوى في الجيش والأمن مقابل تعهدها بأن تظل الداعم الايدلوجي لحكم صالح، والمشرّع الشعبي المؤيد لانتقال الحكم إلى نجل صالح.
بكل الأحوال فقد أسهمت كل تلك العوامل في تعزيز نفوذ مشروع الهاشمية السياسية الطامح لاستعادة حكم الأئمة عبر امتطاء نظام صالح ومؤسساته العسكرية والأمنية والمدنية لتحقيق غايتهم الخاصة في سحب بساط الحكم تدريجياً من كل (مغتصبيه) بما فيهم المخلوع صالح، وقد مثلت الشخصيات الهاشمية والزيدية (الشيعية) من مجموع القيادات العسكرية لقوات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة وقوات الأمن المركزي نسبة غالبة، ومعظمها ينتمي للقبائل والمحافظات المحسوبة على الزيدية، ولقد جنت الهاشمية السياسية (مشروع الإمامة المنظم) ثمار ذلك الجهد والتواجد في مفاصل قوات الحرس الجمهوري الذي تحوّل عملياً لقوات الحرس الثوري (الإيراني) وأداة من أدوات مشروع تصدير الثورة الخمينية إلى المنطقة وتحقيق أهدافها؛ جنت ثمار ذلك الجهد حين شاركت بفاعلية في تنفيذ الانقلاب العسكري في العام 2014م مرتديةً ثوب الحوثي وحاملةً لشعاراته؛ تنفيذاً لرغبة صالح في الانتقام من خصومه وفي الوقت نفسه تحقيقاً لمشروعها الخاص تحت توجيهات قياداتها الهاشمية المسؤولة عن مشروع الإمامة واستعادة الحكم وفي إطار السياسة العامة لمشروع إيران في المنطقة،
ويكفي في هذا الإشارة إلى أن معظم القادة الميدانيين للحوثيين هم في الأساس قادة في الحرس الجمهوري أمثال يوسف الفيشي، وابو علي الحاكم، ويوسف المداني وغيرهم الكثير من قيادات الحركة الحوثية المعروفة بانتمائها للجماعة الحوثية ناهيك عن أغلب القادة العسكريين في مختلف تشكيلات القوات المحسوبة على صالح التي تعمل بصمت والتي باتت اليوم تسيطر سيطرة كاملة على مناطق نفوذ الانقلابيين بما فيها العاصمة صنعاء، وهي نفسها تلك القيادات والأفراد التي ما زالت تقاتل في مختلف الجبهات بمقدرات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة بتوجيهات غرف عمليات قادتها الفعليين قادة مشروع استعادة الحكم السلالي، أما المخلوع صالح الذي يظهر كل يوم أمام الإعلام أضعف من اليوم الذي سبقه فلقد ظهر عاجزاً عن صنع شيء بعد محاصرته واغتيال مساعديه ومقربيه وإصابة نجله صلاح، ولم يعد بمقدوره سوى الاستعراض ببعض أنصاره المخذولين الذين استطاع جمعهم في ميدان السبعين في ظهور باهت يبدو أنه الأخير.
*اضغط على الرابط لقراءة الموضوع السابق: تحولات الحرس الجمهوري إلى الحرس الثوري (1 -2)