شباب فبراير في مهمة الوفاء لسبتمبر
الإثنين, 16 ديسمبر, 2019 - 08:21 مساءً
العزيزة توكل كرمان من خلال مؤسستها الدولية، تحتفي اليوم بصوت الوطن الشجي وباعث اشواق اليمانيين وحادي نضالهم، ايوب طارش الذي منح اليمن أنشودة الجمهورية وغنى لجيشها ولواءها الخفاق وشموخها القحطاني وعراقتها ولقلوب العذارى والعاشقين والمفارقين وأكف الفلاحين السمراء وجباههم اللامعة ارشيفا مدهشا لا يمله السامعون.
ايوب، الصوت الجهوري الجمهوري الذي ابدع وهو يهتف: دمت يا سبتمبر التحرير، نعم ما انجبت لنا بنت كربٍ .. توأمان ايلولنا واللواء.
ايوب الذي عاير احفاد من يبيعون اوطانهم واكتفوا بالنوق والجمال رددها صريحة كما لم يقولها غيره من قبل:
إنني منه على الدهر ولن ** أترك الكعبة أحمي إبلي.
هو ذاته الذي خاطب الشمس من معبدها بحزن وحرقة وكأنه يتنبأ باليمن التي كرمته اليوم:
قولي لمارب متى سده يضم السيول !!
هاهو السد ضم السيول يا ايوب، ومارب التي احببتها تقاطرت اليها اليمن سيولا ورجالا كالجبال بشكل لم تشهده في تاريخها منذ سيل العرم.
انجز ايوب في خالداته التي كتبها الفضول وعثمان ابو ماهر المخلافي وعلي بن علي صبره، ما يجعله ظاهرة يمانية نادرة التكرار، وللاسف الشديد لم ينل امثاله من العمالقة القدر المستحق من التكريم والانصاف.
عقب ثورة سبتمبر المجيدة شهدت الساحة الثقافية اليمنية - والاغنية الوطنية تحديدا - حراكا مبهرا وغزارة نوعية فائقة، الحقبة الذهبية التي كان عمالقتها علي بن علي الانسي ومحمد مرشد ناجي وعلي عبدالله السمة وغيرهم من الراحلين الكبار ولا زال بيننا من هذا الجيل العظيم العمالقة الثلاثة ايوب طارش، أحمد السنيدار، عبدالرحمن الحداد.
المؤسف ان السنوات التي اعقبت الوحدة شهدت خذلانا او تجاهلا من المؤسسات السياسية والثقافية الرسمية اذ انشغل الحاكمون بترتيب توريث الجمهورية لاطفالهم، وتناسوا مثقفيها وفنانيها ومؤسسيها الكبار، بل تركوهم ضحية الحاجة والخذلان حتى شعروا بالغربة التي اصابت النظام الجمهوري ذاته جوهرا وشكلا ومؤسسات.
قبل اسبوعين زرت في القاهرة الفنان الكبير احمد السنيدار، رايت فيه سبتمبر الزاهي وعقود النضال الجميلة لم يخبو ألقها فيه رغم تقادم السنين، هنا نرى بوضوح جناية المشاريع الغبية على البلاد ورموزها، مثل هؤلاء يستحقون التخليد والتكريم وليس النسيان.
صالح سحلول، بندق الجمهورية وشاعرها الشعبي المخلص، مات مغبونا بعد ايام فقط من عودة الامامة الى صنعاء في 2014م لم نجد حتى من يبكيه كما يجب، وكانت للاسف هذه طريقة تعامل مؤسسة ودولة الرئيس الراحل صالح تجاه من كانوا سببا في ولادة جمهورية اصبح رئيسا لها.
لكن ثلة شبابية مخلصة من احفاد سبتمبر، نذروا انفسهم للوفاء والانتماء لثورتهم الاعظم في التاريخ ولرجالاتها واقيالها ومثقفيها فأعادوا سبتمبر الى الواجهة كما يليق بها وبمهندسيها الافذاذ، والمؤكد القول ان الكم والنوع الابرز في هذه النخبة الوفية هم من شباب ثورة فبراير المغدورة.
في سنوات التيه، خسرت اليمن مؤرخها وحاديها العبقري، حارس البن في وادي سبأ وقاريء المسند، مطهر بن علي الارياني فضجت لرحيله اليمن وشيعته اشواق اليمانيون ودموعهم باستلهام تاريخه ووصاياه وقحطانياته الباذخة.
ارتجت اليمن - وفاء ونخوة لا دموع ثكالى او نياحة مدفوعة الثمن- حين ترجل الفرسان الكبار من رواد سبتمبر ونخبة عهدها المشرق مثل احمد قاسم دماج ومحمد حسن دماج وعبدالسلام العنسي وعبدالكريم الارياني، وتجاه سبتمبر وثورتها الخالدة وجمهوريتها الحلم، لا زال اليمنيون منذ 4 سنوات يعيشون فعاليات احتفاء مستمرة، ويشعل شباب اليمن الجديد شعلتها لمدة شهر او يزيد من كل عام وفي كل قلب وجبل، بعد ان احالها الحاكمون حوالي 20 عاما مجرد فعالية يتيمة في يوم الذكرى او اوبريت يرسم مسارها ويتحكم بفعالياتها عباس الديلمي ورجال المملكة الصالحية الموهومة والمرتقبة.
اليوم، ونحن نشهد ميلاد يمننا المرتقب فإننا نضع تاريخنا المشرق في حدقات العيون، نحتفي بأيوب، ونغني مع السنيدار والمرشدي والسمة ونتحفظ قصائد الفضول والبردوني وصبرة والعواضي، نحمل جرمل القردعي ونهدي اكاليل الورد والحب امام مقامات لبوزة والسلال وعبدالمغني، نبحث عن مآثر قحطان الشعبي وسالمين والثلايا ومحمد احمد النعمان والدعيس وعلي عنتر وحسين عشال، ونفتش عن كنوز وامجاد اليمن في مدونات ومخطوطات القضاة الافذاذ الشهيد الزبيري ومحمد الاكوع وشقيقه اسماعيل وعبدالرحمن الارياني وصولا الى الارتواء من منهل المؤسسين الاوائل: نشوان بن سعيد الحميري والحسن بن يعقوب الهمداني واقيال اليمن وتبابعتها الكبار.
فليعلم ابناء السلالة الجدد الذين يكتبون بايديهم اخر انفاس الامامة الدخيلة ان هذا الوعي اليماني له ما قبله ومابعده، ولن يموت شعب يدمع ويبتسم حين يسمع:
لن ترى الدنيا على ارضي وصيا.
اشهدي ايتها الدنيا اشهدي .. لا انا زيدي ولا انا شافعي
* - والحقيقة ان ثمة وجع كبير وسط هذا البهاء، لن يزول الا بأن نحتفل بهذا الزخم في دارنا الكبير صنعاء الجريحة، المدينة التي تبكي دما بفعل السفهاء الرعاع.
نعم يا نفايات التاريخ، نعترف لكم انكم اوجعتمونا كثيرا ونجحتم في سلب ابتسامتنا وتوزيع احلامنا في الاقطار والمنافي، لكن كل وجع يزول وقريبا ستشرق شمسنا معتلية عيبان ونقم، تمتد اشعتها على كل اليمن فتموت كل الجراثيم.
راجع انا يا بلادي يا ديار الهنا
يا جنتي يا ملاذي يا امنا الغالية.