قصة صمود أسطورية في وجه الحوثيين
الإثنين, 09 مارس, 2020 - 08:12 مساءً
في عام 935 هجرية كانت كافة المدن والمناطق اليمنية تتساقط بأيدي المطهر بن شرف الدين عقب إسقاط الدولة الطاهرية بتحالف الإمام شرف الدين مع المماليك كما تتساقط أوراق الخريف، ولم يبق من اليمن إلا مدينة زبيد على ضعفها.
في تلك الفترة كانت البنادق قد بدأت بالظهور وكذلك المدفعية الجديدة كسلاح ناري لأول مرة يدخل الخدمة العسكرية في التاريخ مع دولة المماليك والتي كان لها عامل الحسم الأكبر في إسقاط الدولة الطاهرية التي لم يكن جيشها متسلحا إلا بالنبل والرمح والسيف فقط، ولم يعرفوا البندقية بعد.
خرج المماليك من اليمن وتم إبادة جيشهم على يد قبائل المناطق الوسطى في حبيش وغيرها ولم ينج منهم سوى الصائح المخبر عنهم.
عند خروجهم من صنعاء عام 924 هجرية كانوا قد سلموا تلك الأسلحة لشرف الدين وابنه المطهر ومليشياته فأوغلوا في البلاد طولا وعرضا سفكا للدماء ونهبا للأموال واحتلالا للمدن وتدميرا لمعالمها ومدارسها العلمية والثقافية، كما يفعل الحوثيون اليوم، حتى وصل المطهر إلى عدن ودمر المدارس الرسولية العلمية التي كانت تسمى بالمنصوريات (منصورة عدن نسبة للملك المنصور عمر بن علي رسول مؤسس الدولة الرسولية).
وفي تعز ارتكب المطهر مجزرة وحشية كبيرة في يوم واحد لفرض (حي على خير العمل) على أهلها بالقوة المفرطة راح ضحيتها خمسة آلاف مواطن، واسقط تعز وكان يومها (ابو علي الحاكم) علي الشويع قائد جيش المطهر.
فر من فر من تعز ولحج إلى زبيد، ولجأوا إلى أمير القلعة والمدينة واسمه الأمير أحمد الناخوذة (الناخوذة: يعني ربان السفينة).
طرح الفارون من بطش المطهر من تعز ولحج على الناخوذة فكرة المقاومة، وكان جيش المطهر قد يمم وجهة زبيد لإسقاطها كما فعلوا ببقية المدن، وكان قوامه عشرين ألف مقاتل متسلحين بالبندقية والمدفعية.
بقي أمير زبيد حيرانا بين المقاومة والتسليم فكل ما معه سوى 1200 مقاوم بالأسلحة البيضاء العادية ومنهم 300 فارس فقط.
فكر وفكر وقدر وقرروا المقاومة بمن حضر منهم لكن فارق التسليح والتجييش مهول جدا ومقاومتها يعني انتحارا محققا بمقاييس اليوم.
حينما تكون هناك قيادة متسلحة بالإيمان بعدالة قضيتها ومشروعها لا تعدم الوسيلة ولا تنام حتى تبذل وسعها ومستطاعها، واهتدوا إلى فكرة المباغتة والتخطيط.
كان المطهر قد امر قائد جيشه الشويع بعدم البدء بالهجوم حتى يأتيه الأمر والمخطط بذلك، لكن الشويع اغتر بما معه وقرر الهجوم على آخر معاقل اليمن.
كانت تلك الأسلحة المهولة لجيش المطهر تحملها الجمال، والجيش فوق الخيول وبعضهم راجلين، وكان هناك نهر في مدينة زبيد حول قلعتها فاهتدى الناخوذة إلى صرف النهر نحو الأراضي الطينية المحيطة بالقلعة ليلا حتى أغرقها بالماء ولم يصبح الصباح حتى كانت الأرض كلها مروية ومتشبعة بالماء.
قرر الشويع الهجوم ودخلت الخيول والجمال والفرسان تلك الاراضي فغارت قوائم الجميع في الطين ومن في القلعة يرقبون عن كثب حتى حانت لهم الفرصة فانقضوا على ذلك الجيش قتلا ذريعا بأسلحتهم العادية فرموهم بالسهام وخرجوا من القلعة يحصدون رؤوسهم حصدا ولم يبق إلا الشويع بنفر قليل ممن معه وفروا هاربين، وانتصر المقاومون أصحاب الأرض نصرا مؤزرا، وبقيت كمدا وغيظا في نفس المطهر يتحين الفرصة للانتقام.
دارت عجلة الزمن إلى الأمام، وبعد اربعين عاما حين صار المطهر إماما خلفا لأبيه حاول إعادة الكرة مرة أخرى وكان قائد جيشه هذه المرة علي بن علي الشويع؛ أي إبن القائد السابق، لكن هذه المرة كان على بقايا جيش الأتراك المنهزم وذلك عام 970 هجرية، وكما تساقطت المدن اليمنية سابقا أمام جيش المطهر انهزم الأتراك وتساقطت المدن مرة أخرى ولم تبق إلا زبيد كعاصمة للأتراك ومحطة رحالهم دخولا لليمن أو خروجا منها.
بقي حوالي 300 جندي من الأتراك وقليل من عرب تهامة وصل الكل لحوالي 700 مقاتل.
ارسل المطهر جيشا أيضا مكونا من عشرين ألف مقاتل كما يذكر المؤرخون، وتبايع المقاومون على الموت، ولكن هذه المرة كان المقاتلون متسلحين بالبنادق وليس معهم إلا مدفعا واحدا صغيرا.
أحاط جيش علي بن علي الشويع بالقلعة وبدأت الحرب، وصال الجميع وجال، وبمعجزة انهزم جيش المطهر مرة أخرى وانتصرت زبيد وانتهت دولة الإمام شرف الدين ولم يستطع جيشه إخضاع زبيد على ضعفها، ولم تدخل جيوش الإمامة زبيد طيلة أكثر من مائة عام حتى زمن المتوكل إسماعيل بعد عام 1045 هجرية وذلك بعد خروج الأتراك من اليمن الخروج الأول.
نسوق هذه الأمثلة، وغيرها كثيرا، للدلالة على أن الثلة القليلة المؤمنة بمشروعها وقضيتها وعدالتها مهما تكالب عليها الأعداء والمحن، ومهما كانت الخيانات والملمات فإن الله يفتح على يديها ويكتب لها النصر كما كتبه للمؤمنين في بدر.
المهم الثبات على الحق والمبدأ، والثبات في ارض المعركة؛ لأن ارتباك لحظة في أرض المعركة تقود إلى هزيمة نكراء، والله العليم يقول في محكم كتابه: (يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون)، وكما قيل: إنما النصر صبر ساعة.
اليوم من يتخوف على مارب أو تعز فليذكر بداية معاركها مع الحوثة، وكيف صبر 200 مقاوم في تعز يتناوب الخمسة منهم على البندقية الواحدة حتى دحروا تلك المليشيات المعززة بأكثر من 12 لواء عسكريا كان صالح قد عزز بهم جبهة تعز فانهزموا بفضل الله.
المهم: الثبات، وتعزيز الصف وتنقيته من الخيانات والمندسين في صفوفهم وبذل الوسع والسبب، والنتيجة ستكون نصراً مؤزراً بإذن الله.
المهم أن لا تكون هناك هزيمة نفسية من الداخل تحبط المقاتلين أو أصحاب المشروعية الحقيقية المدافعين عن الأرض والعرض وليس بعد ذلك من هزيمة بل الفتح الأكبر إن شاء الله.