غريفيث.. كن إنساناً لساعة واحدة
السبت, 18 أبريل, 2020 - 05:22 مساءً
إنه صوته، كنت متأكدا من أن كورونا سينجز مهمة إنسانية في صنعاء بإطلاق سراح السجناء المدنيين الذين اختطفتهم المليشيات الحوثية وزجت بهم في معتقلاتها السرية والمعلومة، وكان لابد أن يكون الصحفيون العشرة ، المختطفون منذ يونيو حزيران 2015 في قائمة الدفعة الأولى لطلقاء كورونا .
الساعة الثالثة عصرا من مساء 29 مارس آذار الماضي تلقيت اتصالا هاتفياً من شقيقي الصحفي المختطف توفيق المنصوري، كان صوته يشبهه تماماً. لا شيء يشبه شقيقي توفيق أكثر من صوته الهادئ والرصين.
لمرات معدودة وخاطفة سمحت المليشيات الحوثية في صنعاء لشقيقي بمهاتفتنا خلال خمس سنوات من اختطافه. في مهاتفاته السابقة والتي كان زمنها أقل من دقيقة لكل مكالمة كان صوته لا يشبهه ، صوت شاحب يحبو من ظلام بعيد ، ولايشبه شقيقي فأنا أعرفهما جيداً.
وحدث ذلك حتى في المهاتفة الخاطفة التي أخبرني فيها قبل سنوات بأن المليشيات الحوثية قررت إطلاق سراحه مع بقية زملائه الصحفيين المختطفين ، ومع ماحملته تلك البشارة من محفزات تفاؤل إلا أنني تحاشيت الإفصاح بالخبر السار لأي من أفراد العائلة، بمن فيهم عائلة شقيقي المختطف التي تسكن معنا ذات المنزل ، زوجته وأطفاله الثلاثة نوران وثائر وتوكل.
لم أكن حينها متأكداً، كما لم يكن ثمة كورونا يمنحني تأكيداً تدعيمياً وهو يطلق سراح أغلب السجناء في العالم ويدفع بالعالم لتذكر هذه الشعوب المنسية خلف القضبان ، أضف إلى ذلك أنني لمست في خبر الإفراج الذي نقله إلي شقيقي المختطف أنه هو نفسه لم يكن متأكداً من صحة كلامه .
هذه المرة، مساء 29مارس آذار ، تناهى الخبر السعيد واضحا بذات الرصانة والهدوء على الرغم من أن مدته هي أيضاً أقل من دقيقة. لكن بوسع المرء أن يقول كل شيء في هذه الهنيهة الوجيزة حالما كان متأكداً من صحة كلامه، المنطوق بصوته الشخصي الذي يشبهه.
"القاضي أكد لنا أنه لا يوجد ما يستدعي احتجازنا وقريب جداً سيُطلق سراحنا"، " قال شقيقي توفيق الذي يعاني من مرض القلب وضيق تنفس وتورم البروستات وقد استعاد صوته الحقيقي بعد خمس سنوات في غياهب السجون والحرمان من زيارات الأقارب له والمكالمات الهاتفية وأبسط حقوقه المكفولة في القوانين الإنسانية الدولية والمواثيق الحقوقية العالمية .
طلبت منه إعادة عبارة الحرية والحياة ، فاتحاً مكبر الصوت على مسامع العائلة التي احتلقت حولي ، كان ثائر ونوران وتوكل مع زوجة شقيقي المختطف وأبي وامي الارهف سمعاً ، بحيث كادت صناجات آذانهم تلتصق بهاتفي رغم مكبر الصوت ومزايا الحداثة التكنولوجية لهاتفي ، وبدأ الجميع متأكداً من تأكيد القاضي المؤكد ببصمة صوت شقيقي الخاصة ، ثم إن كورونا ليس سيئا الى الحد الذي يبدو عليه المبعوث الأممي مارتن غريفيث إلى اليمن في تغاضيه المخجل عن قضية الصحفيين المختطفين وتجاهله القاتل لجريمة القرارات الحوثية باستباحة حياة أربعة صحفيين ، في إحاطته الأخيرة إلى مجلس الأمن.
تمارس المليشيات الحوثية لعبة مقززة في اللهو بمشاعر أسر الصحفيين المختطفين وتعذيب نفسياتهم ، تأتي أوامر الاعدام الحوثية عقب أيام من اتصال شقيقي وبقية المختطفين بذويهم ، وهنا في جريمة قتل مشاعر الأسر والتلاعب بعواطفها يحضر غريفيث الفاشل على مدى عامين في مهمته بيدقاً يحتل مربع الجندي الحارس على الرقعة السوداء حيث المليشيات الحوثية خلف ظهره.
لم يقل شيئا عن الصحفيين ، بينما كل العالم يتداعى من اجل انقاذهم ، وبينما يمارس فيروس كورونا القاتل والشرس دوراً إنسانيا في سبيل اطلاق سراح السجناء، يصمت غريفيث عن قول الحقيقة المحايدة التي يمكن لها أن تقدم للعالم دليلاً على أن الإنسان أفضل من الفيروس.
غريفيث .. صمتك يقتلنا ويقتل زملائنا المختطفين. كن إنساناً ولو لساعة واحدة، تلك التي تدلي فيها بإحباطاتك الرومانسية وفنتازيا تهويماتك المكرورة الى مجلس الأمن.
لقد كان مخجلاً لكل البشر وانت تعرب عن امتنانك لزعيم المليشيات الحوثية عبد الملك الحوثي وتذكره بالاسم وهو الذي استباح بأمر معلن على الملأ دماء الصحفيين وأهدر دماءهم لمليشياته الجاهلية .
كم كنت لا إنسانياً وانت تتجاهل قضية الصحفيين المختطفين واوامر القتل الحوثية ، وسيكون الأمر عاراً عليك أبد التاريخ وانت الذي تتردد على صنعاء حيث الصحفيون المختطفون اكثر من بيتك.
مارتن غريفيث!
وانت تحدق في المرآة تذكر جيداً مارتن غريفيث المبعوث الدولي للمليشيات الحوثية إلى الأمم المتحدة ، ولاتنس أن تبصق بملء فمك.