أنا أم!
الخميس, 07 مايو, 2020 - 01:15 صباحاً
أنا أم!
أنا أمهم.. تملكتني عاطفة نحوهم..
أن هذه الفئة المظلومة من قبل جماعة سلالية فاشية مسلحة ،لاتعرف إلا لغة السلاح ،وجدت نفسي أطرق أبواب السجون للبحث عنهم كل يوم، حتى أنه كانت تمر أيام على التوالي وأنا أجوب شوارع صنعاء المنكوبة بحثا عنهم ، كانت هذه هي بداية رحلتي مع 10 صحفيين لايربطني بهم سواء علاقة أمومة خالصة ،بل أن اغلبهم لم التقي بهم إلا في السجن ،ولم أكن أعرفهم من قبل .
يوم اختطافهم كنت أعمل مع هيئة الدفاع عن المعتقلين وعدد من المحاميين اليمنيين في العاصمة صنعاء ،وصلني الخبر أن الحوثيين اختطفوا تسعة صحفيين من فندق وسط صنعاء الليلة الماضية و كانت تلك ليلة التاسع من يونيو 2015م ،وصلني الخبر كالصاعقة ،على الفور اتجهت مع بعض المحاميين إلى قسم شرطة الأحمر بالحصبة حيث يتواجد أبنائي .
لم يسمحولنا كهيئة دفاع أن نقابلهم، لكن بعد محاولات كثير ووساطات سمح لي أزور "أكرم الوليدي" لمدة دقائق وأدخلت لهم الطعام والشراب ،وكان أغلبهم طلاب عزاب لاتتواجد أسرهم في العاصمة صنعاء ،بينما من تتواجد أسرهم بصنعاء يرافقونني في الذهاب إليهم.
في اليوم الثالث بدأت رحلة البحث الطويلة ..
عندما ذهبت لهم بطعام الصبوح ولم اجدهم في قسم الأحمر، ظللنا نبحث عنهم شهور، وكانت هذه أول فترات الاخفاء القسري ، كانت تصلني بعض المعلومات أن الصحفيين في سجن البحث الجنائي، وكنت أذهب غالب الأيام إلى هناك ، وصلتني أخبار أنهم متواجدين بالسجن الخلفي التابع لإدارة مكافحة الإرهاب، عندها تيقنت أنهم هناك وكنت أذهب كل يوم ، ومرت قرابة أربعة أشهر وتمكنت من زيارة "إبني أكرم " هناك مرة واحدة ثم تم إخفاؤهم للمرة الثانية.
وفي ذات يوم اتصل بي "عبدالخالق عمران" يخبرني أنه يحتاج إلى مصاريف فذهبت بمبلغ من المال واشترطت على العسكري أن يتصل بي إبني اذا استلم المبلغ مالم سأعود وأخذ ما اعطيته ، وفي اليوم التالي اتصل بي "عبد الخالق" وأخبرني أنه استلم المبلغ المرسل وسالته في أي سجن هو لكنه لم يجبني وأغلق الاتصال.
وبعد شهر قررت الذهاب إلى سجن احتياطي الثورة ،ومعي إحدى الناشطات ، وصلنا هناك ودخلنا سألنا عليهم لكن لم نجدهم، استمريت بالبحث ..وفي ذات مرة قررت أن أذهب الى هناك أيام متتالية وأن أظل هناك طوال اليوم فذهبت صباح اليوم التالي ، وظللت عند بوابة سجن احتياطي الثورة طوال اليوم وهكذا على نفس الحال حتى اليوم الرابع تعاطف معي أحد العساكر ودلني على المشرف ،وعرفني عليه من بعيد انتظرته حتى خرج من المبنى ،وذهبت له ورميت له "الشال " وقلت له "بجاه الله أريد رؤية ولدي " وبعد كلام طويل قال :اسمحو لها تشوف ولدها خمس دقائق فقط !!؟؟.
دخلت الصالة أخرجوا لي رجل كأنه كهل تسعيني !!؟؟
وحاولت اتعرف على ملامحه..
عرفت أنه ولدي الشاب "عبد الخالق عمران" !!
يده مكسورة وعليها اربطة من الشاش ..
وله لحية كثة وطويلة وغير مرتبة ، وشعره غير مرتب وطويل!!
ثيابه رثة ملامحه منهكة وكأنه عائد من القرون الوسطى!!
سلمت علية بعد أن سمعت صوته ينادي أهلا !!
يا أماه كيف حالك..
يا أماه أنا والشباب بخير..
يا أماة أماه..
أما أنا فقد عجزت عن الكلام ، ولم تسعفني إلا دموعي..
أيعقل أن الذي أمامي هو الشاب "عبدالخالق عمران"!!؟؟
ماذا صنع بهم حتى يتجرع هذا الصنوف من العذاب ؟؟
وانتهت الـ5 دقائق دون أن أفيق من صدمتي لهول ما رأيت!!
خرجت وكأن جبل نقم قد سقط على رأسي ،وعليّ أن أحمله مجبرة حتى أوصل خبر لأهاليهم أنهم أحياء ، نعم أحياء فقط يتنفسون!!
لكنهم ليسوا بخير ..أنهم يتجرعون العذاب ليل نهار ،هذا ما سردته لي ملامح إبني "عبد الخالق".
استجمعت قوي وذهبت لأسرة "عبد الخالق وتوفيق" وأخبرتهم أني وجدت مكانهم أنهم في سجن احتياطي الثورة وبلغت كل الأهالي الموجودين بصنعاء أن يذهبوا لزيارتهم.
بينما نحن نبحث عن تسعة صحفيين إذا بنا نسمع بخبر اختطاف زميلهم العاشر "صلاح القاعدي" فتضاعفت عليّ الهموم وبحثت عن صلاح وزملائة عندما كنت أنا وبعض أعضاء هيئة الدفاع عن المعتقلين نبحث عنه ،وصلنا علم بأنه في قسم الجديري ،وأن من في القسم يسمعون أصوات تعذيب يقال أنها لواحد إعلامي يتعذب، وعندما ضغطنا على مشرفي القسم وطالبنا بزيارته تم نقله إلى جهة أخرى واخفوه قسرا اكثر من سبعة شهور ، بعدها عرفنا أنه في سجن احتياطي هبرة، وهناك اجتمع بزملائه في زنزانة واحدة.
مرت شهور قليلة وتم اخفاؤهم للمرة الثالثة ، وعدت أبحث عنهم من جديد وذهبت إلى عدد من السجون من ضمنها سحن "احتياطي هبرة " كنت أذهب مع بعض الأهالي وأدخل اسأل أقاربهم هل سمعتم عن فلان وفلان ولم أجد نتيجة ، وفي يوم من الأيام ذهبت مع إحدى الأمهات وبينما نحن خارجات من المكان المخصص لزيارة هو الدور الأول لسجن هبرة كان تحتنا دور أرضي نوافذه صغيرة جدا ، تلفت يمين ويسار وجدت الخارج خالي من الأمنيين ،ودنوت برأسي الي الشباك الصغير وناديت بأسمائهم " يا أولادي هل تعرفوا -عبد الخالق عمران وأ
كرم الوليدي " إذا بهم يصيحون نحن هنا يا أماه نحن هنا يا أماه..
بكيت وأخبروني أن توفيق مريض لايستطيع الحراك .
بقدر الألم انتابني فرح أن كشفت مكانهم ، أخبرت أهاليهم أبناؤكم في سجن "احتياطي هبرة" وبعد ضغط من الأهالي سمح بزيارتهم ،وعندما اعلنوا الإضراب تم أخفاؤهم للمرة الرابعة لمدة ثلاثة أشهر، وانقطعت عني أخبارهم لم أعد استطع زيارتهم، لكنهم أبنائي الأبطال الذي لايفتر قلبي عن ذكرهم والدعاء لهم.
بينما أنا انتظر الفرج لهم والإفراج عنهم خصوصا في تداعيات العالم كله بإخلاء السجون خوفا من الوباء العالمي فايروس "كوفيد-19" سمعت خبرا انتزع قلبي من بين أضلعي فأربعة من أبنائي الصحفيين يواجهون القتل إعداما من قبل قاضي حوثي يفتقد لإنسانيتة.
أنا كأم تعاني الخوف والقلق المستمر من أن تفرط تلك العصابات المسلحة بأرواح أبنائي.
أنني أناشد كل أحرار العالم من الصحفيين والحقوقين والناشطين والمحاميين والقضاة إلى السعي في إنقاذ الصحفيين في سجون الحوثيين بصنعاء فحياتهم في خطر.
أنا أم!!