×
آخر الأخبار
8 سنوات من الحصار.. أهالي جمعية الفرقة السكنية في صنعاء يشكون ظلم وفساد الحوثيين  الوحدة التنفيذية في مأرب: تصريحات الوكيل "محمود صالح" عارية عن الصحة ومغايرة للواقع الميداني الخارجية الأمريكية تناقش مع "مسقط" قضية موظفي سفارتها في صنعاء المحتجزين لدى الحوثيين  رئيس الوزراء يوجه بإلغاء أي إجراءات تستهدف نشاط نقابة الصحفيين اليمنيين "الغذاء العالمي" يعلن عن حاجته لـ1.5 مليار دولار لتمويل أنشطته في اليمن  منظمات حقوقية تدعو إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لحماية الأطفال في اليمن مراكز المعاقين في صنعاء تؤكد الاستمرار في الاضراب الشامل صحة غزة: مستشفيات القطاع ستتوقف عن العمل خلال 48 ساعة  بن دغر: لقاء الإصلاح واللواء الزبيدي خطوة إيجابية لمصالحة وطنية شاملة  وقفات حاشدة في مأرب وتعز تندد باستمرار جرائم الاحتلال بحق سكان غزة

الشهيد عمر الريدي وملامح الجيل الوطني

الإثنين, 27 يوليو, 2020 - 06:26 مساءً

لا يمكن لباحث أو مركز دراسات ما أن يتجاوز التحليل والدراسة للتنبؤ بمستقبل شعب ومجتمع ما دون التتبع لملامح جيل الشباب في ذلك المجتمع، بل هي أساس البحث والدراسة وهي من يحدد المستقبل لذلك المجتمع.
 
كان الجيل الوطني الذي تشكل في ثلاثينيات القرن الماضي متميزا ورائدا لكنه معدود بالعشرات فقط،  تم إعدام أغلب رموزه بعد فشل ثورة الدستور ٤٨م، وسجن وشرد العشرات من الباقين ليتحول إلى روحٍ ملهمة للضباط الأحرار الذين صنعوا فجر السادس والعشرين من سبتمبر عام ٦٢م التي ألهمت رواد النضال الوطني ضد المستعمر البريطاني في جنوب الوطن لتصنع ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام ٦٣م واستمرت المواجهة سبع سنوات بين فلول الإمامة والاستعمار والثوار شمالا وجنوبا أثخن فيها عشرات الرواد الأوائل للثورتين شهداء، لتتشكل نخبة من الجيل الثاني الذي أعقب جيل الرواد الأوائل نهاية الستينات وحتى نصف عقد السبعينيات،  نخبة تخطفتها تيارات القومية واليسارية والإسلامية المتصارعة في دمشق والقاهرة وبغداد وموسكو فغلب على جيل النخبة حينها التشدد في الانتماء لتلك التيارات،  مع ضعف شديد في الانتماء لليمن و الاعتزاز بهويته الحضارية،  فحضرت معهم تلك الحواضر إلى صنعاء وعدن وغابت صنعاء وعدن وما نعيشه اليوم هو امتداد طبيعي ونتيجة طردية لبذور الصراع بتلك الحقبة.
 
 توصف كل الأحزاب باليمن بالشمولية والاستحواذ على تفاوت نسبي بينها ومن أخطر انعكاسات الصراع بتلك المرحلة أن الأحزاب بنيت على تلك الأيدولوجيات المتصارعة وأنتجت هوية ضيقة بكل حزب ضاع في وجودها الانتماء الوطني، وغابت الهوية الوطنية الجامعة،  ليغلب على المجتمع اليمني خلال خمسة عقود مضت:  اللاستقرار والاضطراب، تكررت فيها الانقلابات واغتيل فيها رؤساء وقادة سياسيون وقبليون وقامت فيها حروب تقاطعت مع أحلام اليمنيين وتطلعاتهم للعيش في ظل دولة النظام والقانون شمالا وجنوبا قبل وبعد قيام الوحدة اليمنية،  ويعزى كل ذلك إلى الملامح الذي شكلت نخبة جيل ما بعد الرواد الأوائل.
 
كانت تلك مقدمة ضرورية لنعرج إلى موضوع المقال (الشهيد عمر الريدي و ملامح الجيل الوطني الذي ينتمي له) كم كان ذلك المقطع الذي ختم به الشهيد عمر حياته النضالية مؤثراً ومزلزلاً وكم هي تلك الردود التي أحدثها في قلوب غالبية اليمنيين بالداخل و الخارج، فهل كان عمر حالة فردية نادرة أم أنه ظاهرة اجتماعية تمثلت في الجيل الذي ينتمي له عمر رحمه الله.
 
شخصيا أؤكد ظاهرة جيل بأسره كان "عمر الريدي" صوتاً معبراً عنها في لحظات وداع للحياة الدنيا واستقبال الحياة الآخرة الخالدة، يفصل بينهما حروف شكلت جمل لها روح نفاذة،  حملت مضمون رسالي مؤثر و عميق،  وانتشرت على أوسع نطاق دون عناء من أحدٍ لنشرها،  بل كان لها قوة جذب لم نألفه من قبل لتخترق أروقة العقل وتأخذ بنياط القلب في وقتٍ واحد.
 
على الصعيد الشخصي كما عرفت الشهيد عمر رحمه الله منذ عقدين من الزمن: عرفت كذلك مجموعة من النبلاء الذين ودعناهم شهداء أبطال خلال الشهرين الأخيرين أمثال بسام العذري و أكرم العسكري والدكتور نبيل الهزمي والدكتور نعمان النقيب وقاسم الرميم ومئات الشهداء الذين عرفتهم شخصيا خلال عشر سنوات وأضعافهم ممن لم أعرف وعرفهم الناس رحمهم جميعا وآلاف من هؤلاء ما زالت ميادين النضال في الداخل والخارج تفخر بهم وتبشر بمستقبلٍ زاهٍ يصنعه حاضرهم العظيم.
 
في مجموعهم يمثلون جيلا رائدا لم تعرف اليمن مثله،  وليس من باب بث الأمل أكتب هذا الكلام،  بل من اعتقادي أنهم حقيقة واقعة،  و ما سواهم وهمٌ سيبدد، وزبدٌ سيذهب جفاءً.
 
على مدى خمسة أعوام وأنا أقرأ وأكتب عن ملامح هذا الجيل والذي نحدده بجيل فبراير،  إذ لم تكن ثورة الـ١١ من فبراير سوى إعلان ميلاده،  و ساحاتها منصة إشهار ليتصدر المشهد الوطني ويعبر عن روح اليمن و حضارته للعالم،  بعد أن كانت تصوره مشاريع التوريث و السلالة و الانفصال بالإرهاب و التخلف ليسهل لها قياده و التحكم بحاضره و مستقبله.
 
نعم عمر الريدي رحمه الله رمزية لهذا الجيل الوطني الرائد وشاهد على الحق الذي يحمله هذا الجيل،  وشاهد على عدالة القضية وحق هذا الجيل بالكرامة و حق شعبه بالحرية،  فما ملامح جيل فبراير الذي مثله عمر الريدي وآلاف الشهداء الأبرار والمختطفين الأحرار الذين شكلوا معادلة وطنية مثلت حائط صد أمام الإمامة والاستعمار و الاستبداد، إنها باختصار:
 

  • الوعي و الثقافة و التأهيل العلمي
هذه أبرز سمات و ملامح جيل فبراير الوعي والثقافة والتأهيل العلمي وهل كانت مجتمعات وأشخاص الجهل والتخلف إلا وقودا بلا ثمن لمشاريع الإمامة والاستعمار، الكثير من جيل فبراير أكملوا دراستهم الجامعية و التحقوا بمعاهد اللغات والتنمية البشرية ونال الآلاف منهم شهادات الماجستير والدكتوراة في مختلف التخصصات وارتادوا المنتديات الفكرية و الثقافية .
 
  • الانتماء لليمن و الاعتزاز بهويته الحضارية
غيب صوت الفنان أيوب طارش بشعر الفضول لأنه لم يكن مرغوبا لدى مشاريع التوريث و الحق الإلهي والانفصال،  لكن ساحات التغيير كانت مدرسة تتلمذ فيها جيل فبراير على معاني الوطنية وتمتمت شفاههم مقطوعاته الغنائية  لتنبض قلوبهم بحب اليمن وعشق الوطن،  كل يوم تتسع مساحة الانتشار للهوية الوطنية فقبل أن يهتم جيل فبراير بمعرفة أعداء اليمن التاريخيين المتمثل في الإمامة و الاستعمار،  يستنهضون ذاتهم الحضارية و يستلهمون أمجاد التاريخ و معالم الحضارات اليمنية لتصبح دافعا خلاقا لقواهم وعزائمهم في معركتهم المصيرية مع الإمامة والاستعمار انهم يواصلون جهودهم الجماعية المتواصلة لإحياء الذاكرة الوطنية التاريخية بدافعية كالريح التي تدفع شراع السفينة بسرعة كبيرة.
 
 
  • الوسطية و الاعتدال و التوازن و الشمول
ارتبط نضالهم بمشاعر العبادة كما أن ساحات الثورة و الجهاد ليست سوى محاريب عبادة مقدسة، حياتهم متوازنة وفهمهم و ممارستهم للتدين بشمول ينفي عنهم التطرف ويبعدهم عن العنف.
 
  • العفاف والفضيلة
لا يوجد قانون نافذ ولا نظام قائم يمنع هذا الجيل من اقتراف الدنايا، وممارسة الخطايا،  سوى وازعهم الديني و أنفتهم وأصالتهم اليمنية،  عرفهم المجتمع بصلاح السيرة وحسن السلوك في حياتهم الاجتماعية والاسرية والشخصية.
 
  • التجديد و الإبداع و الطموح و التطلع للمستقبل
ولا يسع المجال لذكر بصماتهم ونذكر أنه رغم ما تعيشه اليمن من أحداث وحروب وخاصة بعد انقلاب ٢١ سبتمبر إلا أنهم ما زالوا يحصدون الجوائز والأوسمة العربية والدولية في مجال الفنون والتميز العلمي والمهني.
 
  • الحرية و الكرامة و المساواة
هذه ثلاثي سيمفونية النضال التي يقدم جيل فبراير الشهداء والجرحى والمختطفين على مدار الساعة في مواجهة الإمامة والاستعمار ولن يتنازل عنها أبدا فلا تجده بعد سنوات الاختطاف والإخفاء القسري إلا فارسا لا يشق له غبار في ميادين النزال.
 
  • العفو و التسامح و خدمة المجتمع
فهو لا يدفعه للنضال أحقاد لينتقم، بل يتنازل في حقه الشخصي كجيل مناضل تعرض للإيذاء من أطراف متعددة، ويسعى لتقديم الخدمات المختلفة لمجتمعه حتى في السجن، ولم يكن نبذ الشهيد عمر للأنانية و اهتمامه برفاق النضال بالسجن ليصل كرمه لزبانية السجن إلا سلوك يمارسه أحرار هذا الجيل بسجون الإمامة والاستعمار جميعا.
 
  • الثبات و البطولة و الفداء
مع طول أمد المعركة أو السجن أو النفي مازال جيل فبراير شامخا كشموخ الجبال الرواسي، مستعليا على كل الظروف، متحفزا لمواجهة التحديات، حتى يدحر الانقلاب وتقام الدولة الوطنية المنشودة متى ما أراد الله تعالى قريبا ان شاء الله.
 
  • قيادة جماعية واعدة
أخيرا تصقل الظروف والتحديات الراهنة قدرات ومهارات هذا الجيل الذي أصبح رديفا قياديا في كل المجالات وسيتقدم خطوة جماعية واحدة ليتصدر المشهد قريبا ويحقق ما قصر بالعشرات من رواد النضال الحاليين عن تحقيقه،  ربما لأنهم تجاوزوا سن العطاء وان صدقت نواياهم، فلكل دولة رجالها، يجب أن نثق في هذا الجيل ونفسح له المجال ليحقق بعنفوان دافعيته الراشدة ما عجز من قبلهم عن تحقيقه عن قصور أو تقصير،  مع تحلي هذا الجيل بالاحترام لمن سبقه من رواد النضال.
 
قد أكون أسهبت في الكلام لكن مقتضى الفكرة اقتضت إكمال الصورة لتأكيد أن ظاهرة الشهيد عمر الريدي رحمه الله ليست سوى رمزية لظاهرة جيل وطني كامل سيحقق العزة و الكرامة والتنمية الشاملة لشعب اليمن العظيم وإن غدا لناظره لقريب إن شاء الله.
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

عمار صالح التام