الشهيد عمر الريدي وملامح الجيل الوطني
الإثنين, 27 يوليو, 2020 - 06:26 مساءً
لا يمكن لباحث أو مركز دراسات ما أن يتجاوز التحليل والدراسة للتنبؤ بمستقبل شعب ومجتمع ما دون التتبع لملامح جيل الشباب في ذلك المجتمع، بل هي أساس البحث والدراسة وهي من يحدد المستقبل لذلك المجتمع.
كان الجيل الوطني الذي تشكل في ثلاثينيات القرن الماضي متميزا ورائدا لكنه معدود بالعشرات فقط، تم إعدام أغلب رموزه بعد فشل ثورة الدستور ٤٨م، وسجن وشرد العشرات من الباقين ليتحول إلى روحٍ ملهمة للضباط الأحرار الذين صنعوا فجر السادس والعشرين من سبتمبر عام ٦٢م التي ألهمت رواد النضال الوطني ضد المستعمر البريطاني في جنوب الوطن لتصنع ثورة الرابع عشر من أكتوبر عام ٦٣م واستمرت المواجهة سبع سنوات بين فلول الإمامة والاستعمار والثوار شمالا وجنوبا أثخن فيها عشرات الرواد الأوائل للثورتين شهداء، لتتشكل نخبة من الجيل الثاني الذي أعقب جيل الرواد الأوائل نهاية الستينات وحتى نصف عقد السبعينيات، نخبة تخطفتها تيارات القومية واليسارية والإسلامية المتصارعة في دمشق والقاهرة وبغداد وموسكو فغلب على جيل النخبة حينها التشدد في الانتماء لتلك التيارات، مع ضعف شديد في الانتماء لليمن و الاعتزاز بهويته الحضارية، فحضرت معهم تلك الحواضر إلى صنعاء وعدن وغابت صنعاء وعدن وما نعيشه اليوم هو امتداد طبيعي ونتيجة طردية لبذور الصراع بتلك الحقبة.
توصف كل الأحزاب باليمن بالشمولية والاستحواذ على تفاوت نسبي بينها ومن أخطر انعكاسات الصراع بتلك المرحلة أن الأحزاب بنيت على تلك الأيدولوجيات المتصارعة وأنتجت هوية ضيقة بكل حزب ضاع في وجودها الانتماء الوطني، وغابت الهوية الوطنية الجامعة، ليغلب على المجتمع اليمني خلال خمسة عقود مضت: اللاستقرار والاضطراب، تكررت فيها الانقلابات واغتيل فيها رؤساء وقادة سياسيون وقبليون وقامت فيها حروب تقاطعت مع أحلام اليمنيين وتطلعاتهم للعيش في ظل دولة النظام والقانون شمالا وجنوبا قبل وبعد قيام الوحدة اليمنية، ويعزى كل ذلك إلى الملامح الذي شكلت نخبة جيل ما بعد الرواد الأوائل.
كانت تلك مقدمة ضرورية لنعرج إلى موضوع المقال (الشهيد عمر الريدي و ملامح الجيل الوطني الذي ينتمي له) كم كان ذلك المقطع الذي ختم به الشهيد عمر حياته النضالية مؤثراً ومزلزلاً وكم هي تلك الردود التي أحدثها في قلوب غالبية اليمنيين بالداخل و الخارج، فهل كان عمر حالة فردية نادرة أم أنه ظاهرة اجتماعية تمثلت في الجيل الذي ينتمي له عمر رحمه الله.
شخصيا أؤكد ظاهرة جيل بأسره كان "عمر الريدي" صوتاً معبراً عنها في لحظات وداع للحياة الدنيا واستقبال الحياة الآخرة الخالدة، يفصل بينهما حروف شكلت جمل لها روح نفاذة، حملت مضمون رسالي مؤثر و عميق، وانتشرت على أوسع نطاق دون عناء من أحدٍ لنشرها، بل كان لها قوة جذب لم نألفه من قبل لتخترق أروقة العقل وتأخذ بنياط القلب في وقتٍ واحد.
على الصعيد الشخصي كما عرفت الشهيد عمر رحمه الله منذ عقدين من الزمن: عرفت كذلك مجموعة من النبلاء الذين ودعناهم شهداء أبطال خلال الشهرين الأخيرين أمثال بسام العذري و أكرم العسكري والدكتور نبيل الهزمي والدكتور نعمان النقيب وقاسم الرميم ومئات الشهداء الذين عرفتهم شخصيا خلال عشر سنوات وأضعافهم ممن لم أعرف وعرفهم الناس رحمهم جميعا وآلاف من هؤلاء ما زالت ميادين النضال في الداخل والخارج تفخر بهم وتبشر بمستقبلٍ زاهٍ يصنعه حاضرهم العظيم.
في مجموعهم يمثلون جيلا رائدا لم تعرف اليمن مثله، وليس من باب بث الأمل أكتب هذا الكلام، بل من اعتقادي أنهم حقيقة واقعة، و ما سواهم وهمٌ سيبدد، وزبدٌ سيذهب جفاءً.
على مدى خمسة أعوام وأنا أقرأ وأكتب عن ملامح هذا الجيل والذي نحدده بجيل فبراير، إذ لم تكن ثورة الـ١١ من فبراير سوى إعلان ميلاده، و ساحاتها منصة إشهار ليتصدر المشهد الوطني ويعبر عن روح اليمن و حضارته للعالم، بعد أن كانت تصوره مشاريع التوريث و السلالة و الانفصال بالإرهاب و التخلف ليسهل لها قياده و التحكم بحاضره و مستقبله.
نعم عمر الريدي رحمه الله رمزية لهذا الجيل الوطني الرائد وشاهد على الحق الذي يحمله هذا الجيل، وشاهد على عدالة القضية وحق هذا الجيل بالكرامة و حق شعبه بالحرية، فما ملامح جيل فبراير الذي مثله عمر الريدي وآلاف الشهداء الأبرار والمختطفين الأحرار الذين شكلوا معادلة وطنية مثلت حائط صد أمام الإمامة والاستعمار و الاستبداد، إنها باختصار:
- الوعي و الثقافة و التأهيل العلمي
- الانتماء لليمن و الاعتزاز بهويته الحضارية
- الوسطية و الاعتدال و التوازن و الشمول
- العفاف والفضيلة
- التجديد و الإبداع و الطموح و التطلع للمستقبل
- الحرية و الكرامة و المساواة
- العفو و التسامح و خدمة المجتمع
- الثبات و البطولة و الفداء
- قيادة جماعية واعدة
قد أكون أسهبت في الكلام لكن مقتضى الفكرة اقتضت إكمال الصورة لتأكيد أن ظاهرة الشهيد عمر الريدي رحمه الله ليست سوى رمزية لظاهرة جيل وطني كامل سيحقق العزة و الكرامة والتنمية الشاملة لشعب اليمن العظيم وإن غدا لناظره لقريب إن شاء الله.