بين عيدين
الأحد, 11 أكتوبر, 2020 - 10:44 مساءً
الرابع عشر من أكتوبر هو أولى ثمار 26 من سبتمبر، موجته وإعصارُه، فجره وأقدارُه، هو ذاك الوهج الذي لا تنطفئ شعلته، ولا تخفت أنواره، ولا يَبلى مع مرور الزمن وكثرة التكرار.
لأنه فجرٌ أسفر بعد ظلام، وصبحٌ شعّ بعد غسق، وغيث هطل بعد جدب، وزرع تفتح واخضر، بعد ذبول واصفرار، لم يكن المستعمر أشد بشاعةً الإمامة، لكنها الحرية تفجرت من بين صخور النفوس الأبية، كنهر في أحضان فجر، طال غيابُه، بعد ليل زادت آهاته واحزانه وأتعابُه؟
لم تكن المسافة طويلة ولم يتأخر المارد الثوري عن موعده، فكانت الفرحة فرحتين وكان العيد عيدين.. إنه اليمن تفجرت أعياده السبتمبرية والأكتوبرية كما تتفجر ينابيع الأنهار من بين الصخور والاحجار، تحرك سيلُه، وأغدق غيلُه، بعد جفاف الحياة، وطول المعاناة.
لقد كان المارد الثوري يصدح بأغاني أيوب من على ساحة التحرير بصنعاء وحتى ساحة العروض في عدن، هذا هو اليمن الميمون كان على موعد فجر أكتوبر المجيد.. ومن بين جمر الصبر دقت ساعة الصفر، بعد أن بلغ الكتابُ أجلَه، كان الظلم قد بلغ ذروته، وكان الأحرار قد كتبوا نهايته، ومن خلف أستار الأقدار كان الفجر يرقب شمس الحرية وهي خلف الدجى تترقب طلوعَه:
أتدرين يا شمس ماذا جرى
سلبنا الدجى فجرنا المختبي
إنه الإعصار الثوري في أوج قوته، الذي عصف بالطغاة والظالمين، وكسر أغلال المدّعين والجلادين:
شعب تفلّت من أغلال قاهره
حرا فأجفل عنه الظلمُ والظلَمُ
السبتمبريون كانوا يعيشون الحلم الجمهوري بعد كوابيس الإمامة، والثوريون في جنوب الوطن كانوا يشعلون أضواءه بعد قتامة ويزيحون أستاره، بعد طول انتظاره...لم يكن بركاناً عابر، ولم يضعوا بعدُ عصاةَ المسافر، بل أشعلوها براكيناً تكتسح الطغاة وتلتهمهم..
هنا البراكين هبت من مضاجعها
تطغى وتكتسح الطاغي وتلتهمُ
إن فجر الثورة، الذي أطلّ من جبال نقم وعيبان قد لاحت بروقه من على جبال شمسان وردفان، كان حادي الثورة بصنعاء وصداه في عدن، تترنم به الشفاه وتغني له القلوب، على وقع موسيقا ثورية وصباحات جمهورية تقاسم اليمنيون ترانيم النغم بين أيوب والمرشدي، وبين الآنسي وفيصل علوي، ومن على جسر التضحيات، تجاوزوا الصعاب والعقبات.. كان البرع وكانت الرقصات، بعد أن لملموا كبرياء الجراح، وأوجاع السنوات، لقد كسروا خُشم الطغيان، وأذابوا جليد الأحزان، وهل هناك أغلى من الوطن الذي سكبوا دماءهم من أجله، حتى ارتوت تربته الطاهرة:
كم شهيد من ثرى قبر يُطلّ
ليرى ما قد سقا بالدم غرسه
ويرى جيلاً رشيداً لا يَضل
للفدا الضخم قد هيأ نفسَه
ويرى الهامات منّا كيف تعلو
في ضحى اليوم الذي أطلع شمسَه
ومن على قمم الجبال كانت راية النصر ترفرف وتغني لليمن الجمهوري..
رددي أيّتها الدنيا نشيدي ردديه وأعيدي وأعيدي
واذكري في فرحتي كل شهيد
وامنحيه حللا من ضوء عيدي
يا بلادي نحن ابناء وأحفاد رجالك
سوف نحمي كل ما بين يدينا من جلالك
وسيبقى خالد الضوء على كل المسالك
وسيبقى نبضُ قلبي يمنيا
لن ترى الدنيا على أرضي وصيّا