صنعاء وبذور التشيع
السبت, 26 يونيو, 2021 - 11:44 مساءً
ثمة أمر يكاد يفوت كثيرين وهو أن بذور التشيع بدأت في قلب صنعاء داخل بيئة الأبناء وانتشرت منها إلى همدان و التي كانت قد دخلت في حلف مع الفرس قبل الإسلام وهمدان من القبائل التي واجهت الفرس في البدايات لكنها ما لبثت أن شعرت بالإنهاك ثم ولتعويض ضعف صلتهم بالسلطة المركزية لجأ الفرس بقيادة باذان للبحث عن حليف محلي قوي فكانت همدان ويعرف هذا الحلف بحلف الفرس وهمدان ويرد ضمن الوثائق السياسية اليمنية للقاضي محمد علي الأكوع ومثل حاشد وبكيل زعيماها انذاك ويذكران باسميهما في الحلف وهذا التحالف جعل همدان تقف في مواجهة كل القبائل اليمنية وكانت معركة" الرزم " من نتائج ذلك الحلف على الأرجح .
ولقد دخلت همدان في مصاهرة مع الأبناء تجاوزت الشرط الذي وضعه ملك الفرس على سيف بن ذي يزن بعد الخراج مقابل دعمه وهو ان يتزوج الفرس من اليمنيين في حين يمنع تزويج اليمنيين منهم والثابت أن مصاهرات حدثت بينهم وهمدان فيما بعد متجاوزة ذلك الشرط إذ يروي الرازي في كتابه تاريخ صنعاء أن أحد وجهاء الأبناء -يذكر اسمه في كتابه -خطب ابنته احد الأبناء وكان ثريا لكنه لم يكن مرضي السلوك وتقدم لها شاب فقير من همدان من أل لعوة وقد استشار الأب وهب بن منبه فأشار عليه بتزويجها الشاب من أل لعوه لحكمة ذكرها الرازي يمكن العودة إليها في الكتاب وهو ما يدل أنهم كانوا قد دخلوا مع همدان في علاقة مصاهرة حقيقية .
وفيما يخص التأثيرات الشيعية فقد بدأ الأمر أولا بوصول الحرورية أصحاب حروراء وهم الروافض وإذا تجاوزنا هذه الحركة الرافضة إلى الحضرمي الأعور وكان اباضيا دخل صنعاء في منتصف القرن الثاني للهجرة وارتكب مجازر ثم يأتي العنصر الأهم وهو إرسال ابن طباطبا الجد أبنه إبراهيم العلوي والذي سمي بالجزار إلى صنعاء والذي وصلها في نهاية القرن الثاني للهجرة لكنه سرعان ما اخرج منها ونحن إذ نذكر بدايات دخول الرسي إلى صعدة المرة الأولى في العام ٢٨٢ ننسى دخول إبراهيم العلوي الجزار قبل أكثر من ٨٥سنة من دخوله .
ثم تبقى إشارة أراها مهمة وهي انك تجد في كتاب الرازي ترجمة لأحد شيوخ الأبناء يشير إليه على انه جد أولاد الشيعي ويقيني انه جد أبي عبدالله الشيعي والذي أرسله أبو الحسن منصور بن حوشب داعيا لأبي عبيد الله المهدي في بلاد المغرب وهو الذي مهد لقيام الدولة الفاطمية هناك كما نعرف وأضيف أمرين يكرسان فرضية أن بيئة الأبناء في صنعاء كانت مهاد التشيع بشقيه العلوي والاسماعيلي وهي من أسباب انتشارهما وسط همدان والتي شكلت الحاضنة الأم للفصيلين .
وما أود إضافته هنا يتعلق أولا بالأمير عبد الله بن قحطان بن يعفر وهو ابن معاذة بنت علي بن الفضل فكما هو ثابت أن اسعد بن يعفر حين دخل المذيخرة في ٣٠٣هـ كان لعلي بن الفضل بنتان ويقال ثلاث وولد اسمه الفأفاء. لعيب في نطقه .خلف والده بعد مقتله وكانت اكبر بناته معاذة زوجها اسعد لابن عمه قحطان والأخرى لأحد قادته من بعدان .
معاذة هذه ولدت لقحطان الأمير عبدالله وقد عمر طويلا وكان حكم آل يعفر وهم سنة شافعية قد تراجع في منتصف القرن الرابع للهجرة لكن عبدالله هذا استعاد الكثير مما كانوا قد فقدوه فقد استعاد صنعاء والتي سلمت إليه من بني حاتم حينها ثم استعاد زبيد وتعز ومخلاف جعفر. والملفت أن عبدالله هذا منع الخطبة للخليفة العباسي واقر الخطبة للمعز لدين الله الفاطمي وفيما يشبه الحنين لميراث جده لأمه علي بن الفضل قام بحماية الإسماعليين ورعاهم وقد كانوا دخلوا دائرة الاستتار بعد عقود من مطاردة ابن عبد الحميد والزيدية والحكام المحليين لهم وفي عهد عبدالله بن قحطان هذا شهدوا فترة رخاء عاودوا خلالها الظهور والنشاط الأمر الأخر المتعلق بشيوع التشيع في البيئة الصنعانية بقسميه العلوي والفاطمي.
يمكن الإشارة إليه من خلال قرينة هامة للغاية وهي تحول القائد التركي برد سار والذي خلف إسماعيل بن طغتكين في صنعاء في أواخر القرن السادس تحوله للإسماعيلية وقد كانت فترة ولايته على صنعاء من أسوأ الفترات وعدوه من أسوأ قادة الأيوبيين عموما.
ويؤكد تحوله للإسماعلية في صنعاء أثناء توليه لها بقاء بؤرة اسماعلية نشطة في قلب صنعاء استمرت في الدعوة بعد انتهاء الدولة الصليحية بموت السيدة في ٥٣٢هـ ثم انتهاء حكم آل زريع في الجنوب ومناطق من الشمال على يد توران شاه الأيوبي الذي وصل زبيد سنة ٥٦٩وشنق عبدالنبي ابن مهدي ثم اتجه صوب عدن وسيطرعليها وواصل جيشه الزحف إلى أكثر مناطق اليمن.