الكائن القـليل
الإثنين, 23 أغسطس, 2021 - 08:57 مساءً
يقدرون لك القليل فإذا استقللته استكثروه عليك وإذا أكثرت الشكوى فأنت قليل رضا، قليل إيمان -وربما- قليل أدب.
كن كثير الفقر، كثير الصبر، كثير الصمت، والقناعة كنز الفانين ومع القليل تقل البركة، تقل الحركة، تقل الصحة، يقل العمل والأمل والطموح يكثر الوجع، يقل العمر تقل المسافة إلى القبر.
ولكي تكون قليلاً عليك بذل الكثير من الجهد والطاقة في سبيل التكيف، في سبيل البقاء، متوازناً على حد الإقلال، عليك أن تضغط روحك فيما تيسر، قنعها بالفتات، أرضِها بالعدم، احشد لهاالمواريث المبررة.
عش بلا رِغاب، لا تحلم، لا تنشد أكثر مما قسم لك الجور، جورك أنت على نفسك قبل جور الواقع.
حين تجبن عن طلب الحياة وتضعف عن مغالبة صعابها، حين ترضخ للطغيان المتمدد على حساب كينونتك وأشواق روحك وضرورات جسدك فكل ما ستفعله: الانسحاب إلى داخلك، محاربتك ذاتك، قمعك رغائبك، تخلصك من كل المشاعر والأفكار المناهضة والرافضة المستثيرة فيك بواعث التمرد.
للفقر سكينة تكره المقلقات سيما حين يراه الفقير قدره.
عليك الحفاظ على سلام الفقير متصالحاً مع مذلات الفاقة، قانعاً بكونك قليلاً حد التلاشي والانمحاء وحد أن يسخط عليك همك الذي رضيت به كما يزفر المثل "..رضينا بالهم والهم مش راضي بينا".
لكي تكون قليلاً يلزمك الكثير من الفلسفة الميتة، الكثير من زيت الحكمة، الكثير من القرقرة المستأنسة، ممارسة الجوع بكياسة، إسكات الحاجات بالمحاجات، بالأمثلة المطبوخة على نار الأزمنة بالأشعار والشعارات المكرسة للعدم كفضيلة وعلامة قبول.
وثمة خزانة متخمة بالمثاليات المزهدة أترك لكم نبشها بزهادة شبعان.
في المجتمع القليل، يقل الإنسان، يقل الامن، تقل الحرية، العدالة ، تقل المطالب، يكثر الفساد، يكثر الإمتنان، تكثر الفوارق، تتكاثر الحشرات، يكثر البكاء، يفرح الفقراء بزبد الأكاذيب ينام الفقر في القلب.
ثمة صرخة "جواهرية" تنزل مطارق على رؤوس النوام على ضمأ وجوع، تنويمة الجياع" نامي جياع الشعب نامي وفيها:
نامي على زبد الوعود
يداف في عسل الكلام
وتنوري قرص الرغيف
كدورة البدر التمــــــام
نامي إلى يوم النشور
ويــــوم يؤذن بالقيــــام
الزهد لا يكون فيما لا تملك ولا تقدر عليه، لنسمي العجز باسمه والإكثار من حديث التزهد في المجتمع القليل دعوة للانسحاب من الحياة، مكاثرة للموات وحين يسقط الإنسان كقيمة تسقط كل القيم.
الجنة حلمٌ كبير، رافعة للكبار، نعيم لا يحد يبدأ بالتحقق داخل الروح العظيمة في صورة حياة معنوية غنية ومادية متساوقة متوازنة تقرب المثال وينجز فيها الإيمان تعابيره السامية.
الجنة حياة تبدأ آثارها بالانعكاس على واقع أهلها في صورة متحققة كثيفة الحضور.
كن كثير الروح مسكوناً بغنى الكون حراً يأبى العيش كجرذ مذعور شاكياً باكياً متوسلاً منكس الرأس وإن شئت روحاً رحبة تستثير كوامن العظمة فيك يكفيك هذا البيت الكثير لجد في الشعر قديم الصعلكة يصور ما قد ترغب في أن تكونه:
قليل التشكي للهموم تصيبه
كثير الهوى، شتى النوى والمسالك
كن كثيراً كما أرادك الله، لا تضيق بك الخيارات إلا عندما تكون قليل الثقة بما أنت عليه وبما هو لك.
أنت الموظف القليل حضورك يساوي القليل الذي تعطاه لأن خوفك أكثر منك، لأن طموحك قليل بالغ الضحالة، تخاف فوات الفتات، تريد القليل الدائم الذي لا ينقطع كما لو أنه أنت، كما لو أنه قدرك، حظك من الحياة لأنه عجزك الكثير.
كم أنا كثير التعب..ما أقلني....