العفش السياسي اليمني
الإثنين, 09 أكتوبر, 2017 - 01:31 مساءً
تحتاج المجتمعات البشرية إلى قيادة تدير شئونها بما يحقق كرامتها وعزتها ورفاهيتها، وبقدر ما تملكه القيادة من رؤية وطموح يكون قدر المجتمع ومكانته بين المجتمعات الأخرى.
لا يمكن أن يحدث التغيير فجأة أو يتنزل ملك من السماء لتحقيق العدل، أو نشر قيم الحرية والحفاظ على حقوق الإنسان.
خلدت ذاكرة العالم بمختلف فئاته وطوائفه ذكريات لقادة كانوا سبباً في تحولات جادة لمجتمعاتهم، كعمر بن الخطاب، وعثمان بن ارطغرل، وجورج واشنطن، ونابيلون بونابرت، وفرانسيس بيكون، وجيفارا وغيرهم.
اليمن بلد حضارة وتاريخها يمتد إلى أكثر من ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وقد تعاقب على حكمها أمراء وملوك، ولكن الذاكرة تحتفظ ببعض الملوك، كالتبع اليماني، وبلقيس ملكة سبأ، الذين رفعوا اسم اليمن عالياً، وبنوا حضارة عابرة للحدود.
تعاني ارض السعيدة اليوم من عاهات، وتنهش جسدها المُنهك الكثير من العلل والآفات لعل أبرزها: القيادة الحالية، وأطراف الصراع البارزة على الساحة.
لا يحتاج الأمر إلى عبقرية، وذكاء لاكتشاف أن الوجوه التي تتحكم بالمشهد اليمني اليوم أصبحت عبئاً على السعيدة، وصورة مشوهة تعكس العجز السياسي والقيادي -غير المألوف- عن أهل اليمن .
يحتاج اليمن إلى التخلص من العفش السياسي -إن صح لنا التعبير- ليبدأ عهد جديد يدير مرحلة تتجاوز عقليات العفش الحالي.
انتفض الكثير من اليمنيين ضد حكم صالح فخرج عن المشهد من الباب وعاد إليه من النافذة، ولفظ اليمنيون بيت حميد الدين في ستينيات القرن الماضي فعادوا بلباس بيت بدر الدين الحوثي في القرن الحالي، وفرّ هادي من الجنوب بعد احتدام الخلاف، وهاهو اليوم فار في المملكة بعد أن أدخل الجنوب والشمال في أتون الصراع والأزمة، وتقزّمت قوى اليسار في الماضي، وعادت اليوم لتُسوِّق نفسها من جديد، ووقفت العديد من القوى المحسوبة على التيارات الإسلامية ضد فكرة المدنية، وعاد الكثيرون منهم اليوم لينظروا لها ويتبنوا أفكارها.
الفساد السياسي بكل لافتاته الجديدة القديمة لم تعد موثوقة لبناء الدولة الحديثة التي تُعبّر عن طموح شباب اليمن.
هل يمكن لشركاء متشاكسين تحقيق حلم الشباب اليمنيين بدولة راعية للحقوق والحريات، لا ترفع شعارات اليسار ولا اليمين، خادمة للشعب وليست مستخدمة له، تقوم على تقديم الكفاءة، وتستفيد من جميع الخبرات، لا مكان فيها للعبودية، ولا لفرض الأجندة بالقوة ،ولا للوصاية الأجنبية، يأْمن الناس فيها على دينهم ، وأنفسهم، وأعراضهم، وأموالهم ،وتُحترم عقولهم، وتُقدر إسهاماتهم؟!!!!!
أصحاب الشرعية الدستورية، والشرعية الثورية اليوم لم يعودوا مؤهلين لإدارة المرحلة القادمة، واستمرارهم يعني مزيداً من التخلف، والصراع.
دول التحالف والعالم، الذين يدعمون أطراف الصراع بالمال والسلاح ،إن كانت لديهم نية جادة لإنقاذ اليمن، فالبداية تكون من تجاوز هذا العفش.
لتكن الكلمة الحاسمة للشعب العظيم -الذي تتغنى باسمه كل الأطراف-في تقرير مصيره، وترعى الأمم المتحدة استفتاء يقر شكل الدولة: اتحادية أو فيدرالية، إقليمين أو ستة، بل وحتى دولة أو دولتين بينهما صداقة وحسن جوار.
ليتفق اليمنيون على قانون لا يحقّ بموجبه لأي وجه قديم ضمن العفش السياسي الحالي بالظهور مجدداً أو بالمنافسة سياسياً، هذا القانون بموجبه -أيضاً- يتم حل كل الأحزاب السياسية لمدة عشر سنوات على الأقل، ولا يسمح بعدها إلا بتكوين حزبين قويين ينشآن بعيداً عن أي آيدلوجيات يمينية أو يسارية، وتكون وجهتهما هي اليمن أرضاً وشعباً.