أيقونة صمود ... حطمت عوامل اليأس .
الاربعاء, 08 مارس, 2023 - 10:19 مساءً
إنَّها المرأة اليمنية إذا خرجت من تحت أنقاض اليأس، رفعت عنها حُطامَ الوحدة، وحطّمت بإرادتها عوامل القهر فأصبحت أيقونة صمود و بناء ورمز عطاء وتاريخا مشرِّفًا يفتخر به.
كان لصمود المرأة النضالية في تعز صوراً عظيمة من خلال المواقف التي أثبتت مدى التحدي والإصرار التي تحلت بها ليكون سلاحها الفعال في تجاوز الظروف الصعبة التي مرت بها أثناء اقتحام مليشيات الحوثي (محافظة تعز) وقتها شكلت المرأة التعزية الجبهة الداخلية للحفاظ على تماسك أبناء المدينة فكانت الدافع الذي شجع الجميع على تخطي لحظات الخوف والسير بخطوات قوية وواثقة نحو خلق أبسط الفرص في تعويض ما فقدته المدينة إبان الوجود الحوثي للخروج من نفق الظلام الذي اوجدته مليشيات الحوثي للإيقاع بالمدينة وأحرارها.
فقد مثلت المرأة نموذجاً مميزاً أثبتت فاعليتها حين احيت تجاوبا فعالا للحاضنة الشعبية ساعدها في بث روح الأمل والبدئ بإصرار ليكمل الجميع دائرة الحماية على تعز بعد أن شكل أبطالها صفا أولا جعل من وجودهم سورا وسد منيعا في مقاومة تمدد الهجوم الحوثي .
كانت هي الصف الثاني خلفهم باذلة كل جهد في مساندة ودعم رجال المقاومة في جبهات القتال فسجلت أعظم حضور حين شكلت درعاً وقائي من الإيمان القوي أشعرت من حولها بضرورة الوقوف من جديد نوحد الجهود ليكون النصر نتيجة الجهود المتكافئة مع بعضها نحقق أروع البطولات ونقدم أقدس التضحيات من أجل الدفاع عن الدين والوطن وهويتة .
فكانت كل أم وكل زوجة وكل اخت وخاله.... الظهر المساند والعزيمة القوية لكل مقاوم خرج للدفاع عن المدينة وكانت الحارس المثالي للأسرة في غيابهم.
فكان وجود المرأة لا يقل أهمية عن وجود مقاومي المدينة ولا يخفى عن الجميع الدور الجبار الذي قامت به المرأة خلال أصعب الأيام التي مرت بها محافظة تعز في الأعوام الأولى للانقلاب وحرب مليشيات الحوثي .
حين خيم عليها ليالي الظلام وطالت ساعات الصمت إلا من أصوات الصواريخ والقذائف التي ما تركت مكاناً إلا طالته لتحول المدينة الحية بأهلها إلى مدينة أشباح خلت كل شوارعها وازقتها من أصوات الناس وضحكات الأطفال إلى صمت
مخيف ووجود حذر.
استهدفت المدارس والمستشفيات والجوامع وكل مكان يجتٓمع فيه، لتكون من أخطر الأماكن تجمعا.
وتمر الأيام وانتهى عام دراسي وبدأ عاماً جديداً في وضع بائس عن أي بادرة أمل لعودة الحياة كما كانت، وما زاد الوضع مأساة هو توقف العملية التعليمية وعم الشعور بفقد الأمل وعم اليأس وكأن كل شيئ انتهى.
وهنا كان لحضور المرأة التعزية دوره الفعال .
لتقول كلمتها محال أن تموت مدينتي أو أن تستسلم ، ومحال أن تتوقف عجلة الحياة فيها ويتوقف التعليم فيها، و مادمنا أحياء سنحي ما أراد الحوثي إماتته .
فبدأت أول مبادراتها في فتح البعض لمنازلهن وتحويلها إلى شبه مدرسة حوت صفوفا تعليمية للصغار، وكانت المفاجأة بالحضور الكبير للطلاب وبالرغبة القوية للعودة إلى أجواء الدراسة وغرف الصفوف الدراسية .
توالت المبادرات لتشكل حلا فاعلا للوضع الذي كانت تعيشه مدينة تعز .توافد الطلاب والطالبات لأقرب منزل أو مسجد تم افتتاح صفوفا تعليمية فيها وكان حضور المعلمات أمرا في غاية الهيبة وقت شكلن خليه واحدة في السير بعجلة التعليم نحو الأمام وتعويض الأطفال الذي مر عليهم الوقت للالتحاق بالصفوف الأولى أو لطلاب مرحلة النقل .
فكانت البداية من الصفر لتكون مبادراتهن من أصعب التحديات التي واجهتها، رغم صعوبة التنقل بسبب القصف المستمر على المدينة, ورغم انعدام رواتب في ظروف غابت فيها كل مؤسسات الدولة إلا عن وجود خافت لبعض من قدم يد العون لهم في مواصلة نجاح مبادراتهن التي بدأت بسيطة وانتهت بشهائد معتمدة وارتقاء كثيرا من الطلاب لمراحل دراسية لاحقة.
وقتها لم يكن الدوام الدراسي كما هو معروف بل تم تحديد ساعات الدراسة وتقليلها تحسبا لأي وضع طارئ فكان يبدأ اليوم الدراسي من الساعة التاسعة صباحا وحتى الساعة الثانية عشر ظهراً للأولاد.
ومن الساعة الثانية عشر حتى الساعة الثانية مساءً للفتيات، مع مراقبة الوضع الخطر .وتم حينها تعليم الطلاب الإجراءات الأزمة للسلامة إن وقع قصف مفاجيء..
وفعلا واجهتنا أيام توقفت فيه الدراسة لكن ما توقفت همم وعزائم الطلاب وآباؤهم .
وهكذا سارت عجلة التعليم وبكل تنسيق وإن كان بسيطا وجد حسن تجاوب أولياء الأمور والمعلمين والطلاب ، ووفق ذلك التنسيق بدأ السير معا لدحر كابوس الخوف الذي سيطر على المدينة وقتئذ.
بدأنا من المنازل والمساجد الآمنة من القصف وانطلقنا نضيئ الدروب ونبعث الأمل لأبنائنا الطلاب حين اقلقهم الوضع الذي بسببه أغلقت المدارس .
وانتهى العام الأول مكللا بالنجاح والتحدي والإصرار وبعد دحر المليشيات الحوثية من داخل المدينة عادت بعض المدارس وفتحت أبوابها رغم ما كانت عليه من فوضى وآثار القصف الممنهج .
لكن لم يكن النقص الذي مررنا به أمراً عائقاً عن تحقيق أنجح الخطوات في لحاق الوقت وتعويض ما فات من الوقت حين توقفت و تعرقلت عملية التعليم، بل رأيناها من أخف الصعوبات مقارنة بما كنا عليه من ازدحام الطلاب في أماكن ضيقه، الخوف من القفص على كل مبادرة فتحت في أغلب مناطق المدينة .
وقتها أحسسنا بان الذي انجزناه نصراً كبيراً حين استطعنا معا تخطي أصعب الظروف و أوجدنا قوة الأمل في عمق الحاضنة شعبية التي ساهمت في إنجاح ما قمنا به من مبادرات استدركنا بها ما مر علينا، فحين توحدت عزائمنا وقوي إصرارنا في رفضنا توقف العملية التعليمية كانت للنتائج شعوراً خاصاً بالنصر الذي حققه كل معلم ومعلمه وطالب وطالبة وأولياء أمورهم كلا باسمه .
وهنا نفتخر حين نعترف بالجهد الجبار الذي بذلته المرأة التعزية، وما قدمته من إنجازات في هذا المجال، وفي مجالات أخرى ما غابت عنها المرأة
بل كان لها الحضور المميز الذي خفف عن المدينة أوجاعها.
لم تقتصر مبادراتها حول إنقاذ العملية التعليمية.
بل تجاوزتها لأعمال إنسانية أكثر أثراً، أوجدته الظروف الذي كانت عليه المدينة، فكانت الأقرب لكل أم أو زوجة أو أخت أو بنت فقدت والدها أو زوجها أو أخيها ...واستهم وخففت عنهم ما ألم بهم من الفاجعة والقهر على من فقدوه وقضى شهيدا .
فكل عملها الإنساني بحصر وجمع كافة بيانات أسر الشهداء والجرحى ومعرفة ما تحتاجه تلك الأسر لسد حاجتهم وتعويضهم القليل من الاهتمام .
وهكذا أينما اتجهت وجدت للمرأة دورها الإنساني ودورها في مقاومة كل ظروف الحرب التي ما سلم منها أحد صغير أو كبير امرأة أو رجل مدني أومقاوم ، فكانت الحضور المكافئ لحضور رجال المقاومة والجيش في حماية المدينة .
إن الآثار العميقة التي أحدِثتها الحرب من حيث كونها زلزالًا ضرب أركان المجتمع، وأصاب الشعب في مقاتِلِه النفسيّة والفكريّة إلا أنّ ظاهرة غياب مسؤولي المحافظة تركوها لقمة سائغة لمليشيات الحوثي الإرهابية كان لها أضرارها الاجتماعية مما زاد المشهد تعقيدًا.
لكن شاءت قدرة الله أن يستدرك وضعها بأصدق رجالها ونسائها ليكونوا حراسا للمدينة يحمونها ويحموا عقيدتهم وحريتهم وكرامتهم، من عبث إجرام مليشيات الحوثي الإرهابية.