اتفاق التقارب السعودي الإيراني وتأثيره على الملف اليمني
السبت, 11 مارس, 2023 - 06:31 مساءً
بدا اتفاق إعادة العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران مفاجئاً لكثير من المتابعين، وكان العنصر الأكثر مفاجأة هو توقيع هذا الاتفاق في بيجين وبرعاية صينية التي بات حضورها يتزايد في المنطقة على حساب الولايات المتحدة.
فشل محاولات التقارب السابقة أسهم في جعل هذا الإعلان مفاجئاً خصوصاً أن ملفات كثيرة عالقة بين الجانبين وبؤر ملتهبة جعلت الصراع بين الطرفين في أكثر من ساحة في الشرق الأوسط ومن أهم ساحات الصراع اليمن، وهذا موضوع حديثنا في هذه المساحة.
ومن خلال إلقاء نظرة على الحراك الأخير في الملف اليمني فإن التواصل القائم بين المملكة العربية والسعودية والحوثيين منذ فترة ليست بالقصيرة ظل يراوح مكانه رغم اقترابه غير مرة من نقطة النهاية ونشر وسائل إعلام تسريبات عن وصول التفاهمات بين السعودية والحوثيين في مسقط إلى نقطة النهاية.
ما الذي جعل التفاهمات أكثر من مرة تفشل بعد قطع شوط فيها وتقديم السعودية ومن خلال الحكومة الشرعية محفزات ومكاسب كثيرة للحوثيين وفي مقدمتها فتح المجال أمام تدفق سفن المشتقات النفطية إلى ميناء الحديدة وهو الذي مكن الحوثيين من جني مليارات الريالات من عائداتها، وعودة الرحلات التجارية إلى مطار صنعاء بشكل مباشر إلى وجهة واحدة على الأقل دون أن يقدم الحوثيون أي تنازلات؟
وكان المكسب الوحيد للطرف الآخر هو تثبيت هدنة استمرت منذ أكثر من عشرة أشهر، والإبقاء على قناة التواصل فعالة.
حسب متابعة لمجريات التواصل السعودي الحوثي في العاصمة العمانية مسقط فإنه لم يكن هناك أسباب وجيهة لتعثر التفاهمات في كل مرة خاصة أن التفاهمات تمنح الحوثيين ميزات كثيرة، وأن الممانعة الإيرانية ربما كانت السبب الأبرز الذي حال دون التوصل إلى اتفاقات، وارتهان الحوثيين لدورهم المرسوم كأداة إيرانية خالصة.
تحرص إيران على بقاء وصقل مخالبها في المنطقة، وتشعر أن وجود المليشيات الشيعية المسلحة هو أهم نقاط قوتها والتي يمكنها من خلالهم تحقيق مكاسب لتكون قوة إقليمية ذات تأثير طاغي.
وبناءً على ما سبق فإن الحوثيين باعتبارهم واحدة من أذرعة إيران المحيطة بالمملكة العربية السعودية كقوة إقليمية فاعلة ومؤثرة في المنطقة، يبدون الأكثر إخلاصاً للنظام الإيراني ويتصرف قادة الجماعة كتلاميذ مخلصين للولي الفقيه ويبدون استعدادهم وتحفزهم لأداء أي أدوار توكل إليهم، وبالتالي فإن إرادة إيران في إبقاء ملف اليمن كواحدة من التفاصيل في حقيبتها قد جعلها تدفع باتجاه تأجيل التوصل إلى أي اتفاق (حوثي – سعودي)، رغم إبقاء ممثلي الجماعة حاضرين على طاولة النقاش، كي يكون أي تقدم في هذا الملف تالياً لإعادة علاقاتها مع السعودية لترسل بعد ذلك تلاميذها طائعين لإبرام اتفاقات وتفاهمات مع حرصها على أن يحققوا مكاسب تعزز من حضورهم المحلي والإقليمي.
ومع التأكيد على أن إعادة العلاقات بين السعودية وإيران يأتي ضمن رغبة السعودية في إغلاق ملفات قديمة والاتجاه نحو المستقبل والتحول إلى قوة اقتصادية كبرى ضمن رؤية 2030 التي تترجم جموح وتحفز أميرها الشاب، فإن إغلاق ملف الحرب في اليمن واحدة من المفردات الأكثر حضوراً في النقاشات السعودية الإيرانية لأن المفاوض السعودي يدرك يقيناً بأن مفاتيح التفاهم مع مليشيا الحوثي في حقيبة المفاوض الإيراني، ولأن السعودية ترغب في إغلاق هذا الملف الذي طال أمده.
هل إنهاء الحرب في اليمن يمكن أن يتم بضغطة زر بمجرد إنجاز تفاهم سعودي إيراني؟! بالتأكيد لا، وإنما يمكن القول إن هذا التفاهم سيتيح للسعودية الإمساك بمقبض إغلاق هذا الباب الذي تعتقد أنه سبب لها صداعاً وشغلها عن ملفات كثيرة، وإن كنت مقتنعاً أن هذا الهدوء سيكون بشكل مؤقت وقد يأتي المستقبل بجولات صراع أخرى مالم تنتزع المخالب.
وهنا يبدو مهماً التأكيد على أن الحرب في اليمن أكثر تعقيداً من مجرد كونها صراع نفوذ بين السعودية وإيران وإن كان هذا الجانب حاضراً. وبالتالي فإن الصراع في اليمن قد يأخذ منحى آخر بالنظر إلى طبيعة وبنية الجماعة الحوثية الرافضة لحق الشعب في اختيار من يحكمه واعتقادها بتفوقها الجيني وقدرتها على استنساخ التجربة الإيرانية في اليمن (قائد الثورة – المرشد الأعلى) مستندة إلى عقيدة (الولاية والحق الإلهي) وانفتاح شهيتها على السيطرة بالقوة حتى ظنت أن بإمكانها ابتلاع اليمن وتغيير هويته ليكون مجرد حوزة شيعية والشعب مجرد "حشد شعبي" يردد وراءها الصرخة، ويقدم ماله وروحه فداءً لـ"علم الهدى" ومشروعه الطائفي!
وجل ما قد يعمله هذا الاتفاق أن يحد من الحضور الإقليمي في تفاصيل الصراع ليصبح أكثر محلية حتى يتمكن أحد الأطراف من السيطرة المسلحة على كل أرجاء اليمن، مع أن جماعة الحوثي في حال شعورها بعدم القدرة على ابتلاع اللقمة كاملة قد تقبل بفكرة التقسيم أو إبقاء الكانتونات ولو مرحلياً حتى تلتقط أنفاسها لتعاود الكرَّة.
أما التقارب السعودي الإيراني فرغم إمكانية نجاحه حالياً ولو بشكل جزئي تهدف إىران من خلاله لخفض مستوى التوتر والتفرغ لملفات داخلية ومحاولة التفرغ لإصلاح ما يمكن إصلاحه في الجانب الاقتصادي، إلا أنه لن يدوم لفترة طويلة فإيران لديها أطماع توسعية تجعلها تمضي في سياسة تصدير الثورة وصناعة وتسمين الجماعات الشيعية الموالية لها فهي تدرك أن قوتها الإقليمية لا تعتمد على حضورها الثقافي أو الاقتصادي وإنما على حجم الأذرع الخشنة والمخالب التي تبنيها وتروضها لتصبح جزءً من بنية النظام الإيراني ذاته بل وجبهته المتقدمة.