صحفي متخصص في الشوؤن الاقتصادية
"ثورة فبراير.. المفهوم والمستقبل"
الأحد, 11 فبراير, 2024 - 09:37 صباحاً
سألني أحدهم: لو عاد الزمان إلى ١١ فبراير ٢٠١١ هل ستشارك فيه من جديد؟
أجبته: نعم وهل أقبل أن أكون في مقاعد المتفرجين! فبراير أجمل فعل شاركت فيه طوال حياتي، وليس أفضل منه إلا مشاركتي في احتواء ارتداداته وشظاياه ثلاثة عشر عاما، منذ كان الورد يخترق الرصاص عام ٢٠١١ حتى يومنا هذا عام ٢٠٢٤.
فبراير ثورة نوعية تختلف عن كل ثورات اليمنيين كيفا ونوعا وأدوات، ولا تتشابه معها إلا في اللون الاحمر للورد الذي ناضلت به.
استعرض تاريخنا القريب والبعيد إن شئت، وسوف تميز لمعتها المضيئة وسط حمام الدم اليمني المسفوك في حروب لا نهائية وصراعات دامية من أجل الحكم والسيطرة.
سأقتبس من أستاذنا الفيلسوف جمال أنعم Jamal Anam هذه الأحرف، وهذا النور:
"الثورات تبدأ ولا تنتهي، والتغيير عمل متواصل وحضور مستمر. قدرنا أن نظل واقفين في الميدان.
لا عودة إلى مقاعد المتفرجين، هذا زمن المهمات الصعبة، زمن الثوار الذين يدركون حقيقة التحديات.
يصعُبُ الثائرُ المضحِّي ويقوَى
حين يدري أن المهمة صعبة..
نفثها البردوني لهباً في دماء الثائرين، كي لا تفتر عزائمهم وتخور قواهم، كلما تقدموا باتجاه الأصعب من الأدوار والمهام". (فبراير: ثورة لا تنكسر).
وسألني صديقي أيضا: لكن من ثرتم ضدهم أصبحوا الآن معكم في صف وطني واحد!
أجبته، نعم وذلك لأن هؤلاء أدركوا أن الثورة لم تكن موجهة ضدهم، ويعرفون سلفا أن الفعل الثوري الصادق محض انفعال موجه للحالة الكئيبة الصادمة، التي أخرجت المارد من قمقمه..
كما أن ثورتنا ليست متسلسلة بتسلسل الجين الوراثي من الآباء إلى الأحفاد، ولا مؤطرة بجهوية وجغرافيا القبيلة أو الاتجاهات..
ثورتنا كما يقول جمال أنعم "زمنٌ آخر يستهدف الإطاحة بكل المواريث، صانعة التخلف والاستبداد، وهذه مهمة نضالية مفتوحة على الأمد الطويل".
ثم لو لم يكن صفنا وطنيا لما التحق به أبناء شعبنا من كل مكان، وليس هؤلاء فقط؛ صحيح، هذا موقف سيحسب لهم؛ لربما قد يكون كثير منهم آثر الاكتفاء بالمشاهدة أيام كانت الثورة سلمية، لكنهم التحقوا بالمعركة الأصعب وقد صارت ذات شوكة ودم.. بل وقد أوصاهم الرئيس صالح - رحمه الله - نفسه بذلك.
"لكن احتفالكم بفبراير انتقام من صالح ونظامه" يقول صديقي!! أجبته: لا ليست كذلك، حتى في أيام زخم الثورة كنت لا أرفع يدي إذا سمعت دعاء بهلاك صالح أو غيره، ولا أقول آمين!! لقد خرجت إلى ساحة الثورة بنية إزاحة الرئيس من كرسي الحكم لا لإدخاله النار! وهو عمل يشبه تصويتي ضده في انتخابات الرئاسة الأخيرة.. هكذا كنت وشباب الثورة نفكر.. نحن في حلبة مغالبة ولسنا في منطقة الأعراف بين الجنة والنار..
سأقول شيئا آخر مهما: سقط منا ١٤٤٤ شهيدا و ٢٨ ألف جريح في ذلك العام، ببراءة أطفال غزة، سلميون بصدور عارية ولا يحملون السلاح! بعد استشهاد ولده "نزار" أعلن المحامي الكبير هائل سلام عفوه عن قاتل ولده، حتى لا يحتمي القاتل المباشر، من القصاص بالمزيد من الدماء!.
وجاءت المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية بمنح أركان النظام السابق حصانة برلمانية فلم يقف الشعب في طريق اعتراضها!
ثورة فبراير إحياء لذكرى نهضة شعب قرر أن ينطلق، ذكرى اليوم الذي أدركنا فيه معنى أن نقول: الشعب يريد! وليست ذكرى إسقاط فلان أو رحيله. هل يستطيع أحد منعي من القول لأولادي: هنا مكث والدكم في خيمة لمدة عامين، مفترشا الأرض وملتحفا الزمهرير وقيض السماء!.
يسرني كذلك أن أنقل لأولدي: أن الرئيس السابق أقر بحق أبناء وطنه في المطالبة بالتغيير، ولا حقا استجاب لهم وسلم الكرسي لرئيس لاحق، لكن حسابات السياسة اختلطت في الوسط، فأفضت إلى طوفان سلالي ركب موجة النقاء وانقلب على مخرجات حوار وطني دام عشرة أشهر وتسبب بكل هذا الاقتتال والدماء!.
وأنني الان - أقول لاولادي- في مترس واحد مع خصوم الأمس نقاتل أعداء أول أمس البعيد، الذين انبعثوا بعد ٥٢ عاما ليستلبوا منا ما راكمناه من حرية وإباء.
احتفلنا خمسة أعوام بفبراير والرئيس صالح حيا يرزق يا رجل! ولا أتذكر شيئا من ردات فعله، كالتي نراها اليوم من بعض الأطراف، والذين بدلا استثمارها، أو على الأقل ترك المياه تجري في مساربها الطبيعية؛ ذهبوا ليبحثوا عن الإحن والمنازعات وتحميل فبراير كل رزايا الدهر..
ألا يرون أن الوجوه التي كانت تصرخ في ٢٠ ساحة وميدان: سلمية سلمية؛ قد حملت سلاحها وافترشت قمم الجبال والأخاديد والمتارس لمواجهة آخر المحاولات السلالية التي جاءت لتدفن فبراير ومايو وأكتوبر وسبتمبر الخالد، وقدمت عشرات الآلاف من الشهداء والجرحى، وأنهم الآن - شاء الشيطان الرجيم أو أبى- في طريقهم لتحقيق النصر المؤبد بإذن واحد أحد..