نحو مقاومة شعبية شاملة لاستعادة الدولة
الخميس, 15 مايو, 2025 - 08:13 مساءً
في التاريخ الإنساني الطويل، لا يكاد يخلو عصر من عصور الظلم والاستعباد من صوت مقاوم، ينهض في وجه الاستبداد، رافعاً راية الحرية والكرامة، فمقاومة القهر ليست مجرد رد فعل على انتهاك، بل حق إنساني أصيل، أقرته المواثيق الدولية، ودعمته مبادئ العدالة، وتُوِّج بتجارب شعوب حررت نفسها من الاستعباد والقمع.
عندما تُغلق النوافذ السياسية، وتتحول مؤسسات الدولة إلى أدوات قمع، يصبح صوت الشعب في الشارع هو الوسيلة الوحيدة لإنقاذ الوطن، الثورة ليست فوضى، بل فعل جماعي منظم نابع من الإيمان بحق الحياة والعدالة.
تستمر مليشيا الحوثي في ممارسة الانتهاكات الجسيمة ضد المدنيين في مناطق سيطرتها، من اختطافات واعتقالات تعسفية، واخفاءات قسرية، وابتزاز مالي لعائلات المختطفين، وفي سابقة تمثل انتهاكاً صريحاً للقانون اليمني والدولي، وتفرض مليشيا الحوثي جبايات جديدة جبايات قسرية بلا سند قانوني تحت ذرائع مثل "إعمار مطار صنعاء" أو "دعم الجبهات" ، هذه الإتاوات تُفرض دون أي رقابة أو مساءلة، ما يُعد شكلاً من أشكال النهب المنظم الذي تمارسه منذ عشر سنوات في الوقت الذي تنهب فيه المرتبات، وتستهدف رؤوس الأموال والتجار والشركات بالتضييق والجبايات، مما يضاعف من معاناة الناس الذين يعيشون أصلاً تحت خط الفقر، وتستنزف ما تبقى من قدرات الناس المعيشية.
تعاني البنية التحتية في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين من إهمال كارثي، بل وتعمد في التدمير أحياناً ضمن سياسة "الأرض المحروقة"، تتدهور خدمات الكهرباء والمياه والصحة والتعليم، دون أدنى مسؤولية من المليشيات، التي توجه الموارد العامة نحو خدمة أجنداتها الطائفية.
باتت الحريات في اليمن شبه معدومة، إذ أغلقت المليشيات مئات المنظمات المدنية والمؤسسات الإنسانية، وضيّقت على الفعاليات الثقافية، وكمّمت الأفواه الإعلامية، وفرضت رقابة مشددة على الإنترنت، الأخطر من ذلك هو السعي لفرض مناهج تعليمية طائفية تُفرّغ التعليم من مضمونه الوطني، وتُعيد تشكيل وعي الأجيال لخدمة المشروع الحوثي العقائدي.
المقاومة حق مشروع تكفله القوانين الدولية، تنص المادة الأولى من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية على حق الشعوب في تقرير مصيرها بحرية، بما في ذلك الحق في السعي نحو التحرر من الحكم العنصري أو أي نظام استبدادي، كما تؤكد المادة 20 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حرية التجمع السلمي، ورفض أي شكل من أشكال القهر أو الكراهية السياسية أو العنصرية.
انطلاقاً من هذا الإطار القانوني، تصبح المقاومة فعلاً شرعياً، متى ما واجه الشعب أنظمة لا تعترف بكرامته، وتنتهك حقوقه، وتصادر حرياته الأساسية. فالسكوت عن الظلم لا يضمن السلام، بل يؤجل الانفجار.
من أبرز الأمثلة الملهمة في التاريخ المعاصر، تجربة شعب جنوب أفريقيا في مقاومة نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) لعقود طويلة، فرضت الأقلية البيضاء نظاماً عنصرياً يقصي الأغلبية السوداء من أبسط حقوقها السياسية والمدنية، مانعاً إياها من التعليم، المشاركة السياسية، وحتى التنقل بحرية.
لكن تلك الأغلبية لم تستسلم، قادت نضالاً طويلاً، في مقدمتهم الزعيم نيلسون مانديلا، الذي قضى 27 عامًا في السجن بسبب نضاله السلمي والسياسي، وعلى الرغم من القمع الوحشي، لم تنطفئ شعلة المقاومة، حتى جاء عام 1994، حين أُجريت أول انتخابات ديمقراطية حرة، وانتصرت فيها إرادة الشعب، ليصبح مانديلا أول رئيس أسود للبلاد، ويبدأ عصر جديد من المصالحة والعدالة.
وفي القارة الآسيوية، تجلت تجربة أخرى رائدة في الهند، حين قاومت حركة "الساتياغراها" (التمسك بالحق) التي أطلقها غاندي بمثابة ثورة أخلاقية قبل أن تكون سياسية، شارك فيها الملايين من الهنود الذين قاموا كل أشكال الظلم ورفضوا الانصياع لها، وفي عام 1947، وبعد سنوات من النضال والتضحيات، أعلن استقلال الهند، لتُسطّر بذلك واحدة من أنقى حركات التحرر في العالم، وهناك أمثلة كثيرة للتحرر من الطائفية والعنصرية التي قامت بها المجتمعات.
الحق في المقاومة اليوم، ضرورة لا خيار أمام المليشيات الطائفية الاستبدادية التي تمارس القمع، وتحتكر السلطة، وتنتهك حقوق الإنسان بأشكال متعددة، في هذا السياق، تبرز أهمية إحياء ثقافة المقاومة الشعبية، ورفع الصوت الحقوقي ضد كل أشكال القهر والظلم.
إن كل مواطن يتعرض للتمييز أو الإقصاء أو الاعتقال التعسفي، والتجويع الممنهج هو ضحية يُفترض أن يجد دعماً من مجتمعه ومن المؤسسات الحقوقية، فالتحرر يبدأ من الإيمان بالكرامة، ويتجذر بالفعل الجماعي، ويكتمل بالعدالة.
كما أن الصمت عن الانتهاكات، أو التطبيع مع القهر، هو مشاركة غير مباشرة في إدامة الظلم، وعلى العكس، فإن الوقوف في صف الحقيقة، وإن كان مكلفاً، هو الطريق الوحيد لبناء مستقبل لا مكان فيه للطغيان.
لا يمكن استعادة كرامة الإنسان اليمني دون مقاومة واعية وشاملة للمشروع الحوثي، وخطره على الحاضر والمستقبل.
ان مشروع مليشيا الحوثي لا يقوم فقط على الاستبداد، بل على طمس الهوية الوطنية وتكريس ما يسمى بـ"الحق الإلهي في الحكم"، ونظرية الولاية وهي أيديولوجية تتناقض مع جوهر الدولة المدنية والمواطنة المتساوية، تتنافى مع الدستور اليمني والقوانين النافذة، ولا يمكن أن تكون هناك دولة حقيقية في اليمن يتحقق فيها الأمن والاستقرار بهذه الطريقة القمعية والطائفية، وعلى كل يمني حر أن يعي أن التغيير لا يأتي من الخارج، بل يُصنع بإرادة الداخل، بالوعي والمقاومة والصوت العالي في وجه الطغيان.
التاريخ يُظهر أن الشعوب تنهض حين تُغلق في وجهها كل السبل السلمية للتغيير، وفي مناطق سيطرة مليشيا الحوثي، تحولت أجهزة الدولة إلى أدوات قمع، واختُزل القرار الوطني في جماعة طائفية، ما يجعل الشارع هو الفضاء الوحيد للتعبير عن الإرادة الشعبية.
الحرية لا تُمنح بل تُنتزع، والنضال بكافة مستوياته أقوى من أي مليشيات أو عصابة غاشمة، وفي زمن تزداد فيه انتهاكات حقوق الإنسان، تصبح المقاومة بكافة أشكالها ليست فقط حقاً، بل واجباً تاريخياً وأخلاقياً.
كل يمني اليوم، هو أمام مفترق، إما القبول بالعبودية الطائفية، أو السير في طريق التحرر رغم الصعوبات، والتاريخ لن يرحم من اختار الصمت، ولا من تواطأ مع القهر، أما الذين ينهضون - ولو بالكلمة - فهم الذين يكتبون فجر الحرية.
*مدير مكتب حقوق الإنسان بأمانة العاصمة
اقرأ ايضاً
آخر الأخبار
كاريكاتير

الأكثر قراءة
العاصمة اليوم

تقرير حقوقي صادر عن مركز العاصمة الإعلامي
الأحد, 13 أغسطس, 2017

ندوة مركز العاصمة الإعلامي
الأحد, 13 أغسطس, 2017

المرأة في صنعاء لا حرمة لها.. مركز العاصمة الإعلامي يرصد ...
الخميس, 01 يناير, 1970

مركز العاصمة الإعلامي يشهر دراسة بحثية عن استراتيجية إيران ...
الخميس, 01 يناير, 1970
