عدن.. والعبث بالحلم
السبت, 21 أكتوبر, 2017 - 11:36 صباحاً
ثمة شعور يؤرقني، شعور اغتيال الحلم والطموح، رغم أني واعيا جدا لما يجري، قلقا على أرضي التي تستباح، بمسميات عدة.
لم استطيع الصمت وعدم المبالاة، ضميري لا ينام أتعبني أجهد روحي، مقدرتي هي الكتابة وسلاحي هو القلم، عبرت عن مكنوناتي، محاولا دق ناقوس الخطر، مشيرا لمكامن الخلل، محذرا من أصحاب المصالح وراكبي أمواج المراحل والمنعطفات، سمعت أصوتا تتهم وتكفر وترمي قذارتها على وفي مسمعي ومسمع كل من يعارضها، كل عقلاني يرى بمنظار المنطق والعقل المسيطر على العواطف والنزعات، يرمون بكل تهم العالم من الخيانة للعمالة..الخ.
شحنوا المجتمع بخطاب عنيف متوحش يخاطب ثاراتهم أحقادهم ضغائنهم بل يبث فيهم سموم الكراهية ضد الآخر خارج نطاق التسامح والتصالح، مجتمع فيه الشراكة جريمة، والتوافق كفر، والسياسة وأدواتها مؤامرة، لا شراكة في البناء ولا في العمل السياسي، مزقوا المقاومة، وشتتوا الجهود، فاوجدوا بين الإخوة فجوة وقطيعة تهدد غرق السفينة التي قيدوا ربانها، وحركة طاقمها، تفرغوا للحشد والتصعيد دون بوادر إصلاح ما يمكن إصلاحه من شروخ ونقاط ترهل وهوان، ومحاربة الجرذان التي تنخر في جسد هذه السفينة والحيتان التي تحطم هيكلها، لا رحموا ولا تركوا رحمة الله تنزل على الوطن.
الفوضى ترعبني، تهدد السلم الاجتماعي، بيئة تسرح وتمرح فيها خفافيش الظلام لتنهش في المجتمع وتصطاد الخيرين، إنه مسلسل الاغتيالات، جعلني أشبة بكائن محاصر بين الحقيقة والخيال، بين التسريبات والإشاعات، التي تجد ببغاوات ترددها، بينما مكاتبهم تكتظ بملفات ينتظر الشعب نتائجها، من هو المستفيد من غياب النيابة والقضاء؟ ليبقى المجتمع مذعورا ومسطولاً يتأوه، اصمت قبل أن يزورك زوار الفجر!
لن اصمت وسأظل اكرر كلامي عن الثورة والحرية والعدالة والمواطنة، عن تحرر الذات من الاستبداد والتمايز والتفاخر بالنسب والقبيلة، الثورة ثقافة توحد الناس ضد الظلم أينما كانوا وحيثما هم، الثورة قيم وأخلاقيات. الثورة اصطفاف وطني وإنساني لا حدود جغرافيا وثقافية لها، تحقق الهدف النبيل بما تستطيع إليه سبيلا، ترفض العنصرية والمناطقية والطائفية.
أردوا تغييب هذه الثقافة الثورية، فمسخوا الذهنية شككوها بالهوية، جرموا المشروع الوطني وكفروا الفيدرالية ومخرجات الحوار، مشروعهم و وطنيتهم يجب أن تسود، مسخ الإنسان من هويته وحضنه الوطني ليبحث في الإرث التراث الذي صار تاريخا ليعود الناس للتفاخر بالنسب والقبيلة، وعادوا ليتمايزون؛ بل ذهب البعض للبحث في جيناته وجذوره عن أصلا يجمعه بقبيلة ما تأوية، غلبته نوازع الانتقام، وسيطرت عليه الأحقاد والضغائن وثقافة الكراهية، فتماهى الكثير مع هذا السلوك، ولم تسلم منه المدينة.
برزت ثقافة الازدراء بالآخر وتعمم السوء، وهذا ما سهل وشرع عملية تجريف المجتمع من أدواته السياسية والثقافية، فلا نفرق بين البناء والهدم والتعمير والتخريب، نحمل أفكار ومعاول الهدم ونعتقد أننا نبني، نتشظى ونخرب بفخر، ثقافة كهذه تنشأ إلا عندما يكون الواقع مُزري، كنوع من التعبير عن مكنوناتنا، هكذا نقدم أنفسنا للآخرين، كم منا سقط أمام الرأي العام وكم منا تعرى..
مسرحيات هزلية سمجة لها جمهورها الذي يصفق بحرارة، للقائد الفذ العسكري المغوار، نصنع طغاتنا بتفكيرنا الطوباوي الجاهلي، وها هو مسلسل الموت يعود ليغتال شيوخ المساجد وشباب مدني طامح لمستقبل زاهر يغتال الحياة والحرية والمواطنة ومخرجات الحوار التي تتيح التحول السلس لتقرير المصير وفق صندوق انتخابات يحدد بدقة إرادة الجماهير بشكل وجوهر الحكم والنظام السياسي.
العقلية هي ذاتها التي ترفض التغير، وترى أنها وصيه على الآخرين، بتلك المخيلة القديمة التي تزداد رسوخاً بقوة الطغيان والسيطرة المطلقة لوأد مواهب التحرر وإمكانات التقدم لشعب قبل أن يبلغ سن الرشد ضمانا لاستمرار سلطانه المطلق.
المصدر (يمن مونيتور)