صحفي متخصص في القانون، رئيس مركز البلاد للدراسات و الإعلام
الشهيد حسام.. مهندس كيمياء النضال
الثلاثاء, 07 نوفمبر, 2017 - 03:25 مساءً
رسالة شهيرة تناقلتها أغلب وسائل التواصل الجديد، نشرها الكاتب والأديب الدكتور مروان الغفوري، ليلة الثالث والعشرين من سبتمبر الماضي، جددت الأمل في نفوس عشرات الآلاف ممن قرأها، وضبطت البوصلة لقلم الكثير ومن بينهم صاحب الصفحة ذاته؛ الدكتور مروان، وكانت مذيلة بحرفين (ح . ع)!!، عند تصفح المنشور إياه ستدرك حجم أثر الرسالة ووقع حروفها ومفعولها الساحر في عقول وأذهان المتفاعلين من نخب وقادة رأي، والغالبية كتبوا انطباعاتهم على الرسالة بحماس كبير ومعنويات عالية، لكنهم لم يكتشفوا رمز (ح.ع)!!
بعد ظهر أمس كنا في مقبرة الشهداء بمأرب، وكان من بين الثلاثة الشهداء الذين وارينا أجسادهم التراب حسام عبد الخالق السمدة، المهندس الكيميائي الشاب، صاحب الشفرة ذات الفاعلية العالية، التي حملت رمز (ح.ع) في رسائل متبادلة بينه وبين الكثير من قادة الرأي ومن أشهرهم الدكتور مروان الغفوري!
وصل حسام عبد الخالق، إلى مأرب قبل أشهر، قابلته لأول مرة وجها لوجه، كان مفعما بالأمل والنضال، وستتحدث عنه الأيام كواحد من أكثر شباب اليمن وعياً ونضجاً، التقينا مرات متباعدة هنا في مأرب، لكننا كنا على تواصل من قبل نحو أربع سنوات على وسائل التواصل، وقبيل فجر السبت أبلغني صديقه الحميم أن صديقنا شهيد!!
من على رأس جبل الصافح بالقرب من صنعاء خطّ حسام وصيته، بالنسبة لي فإنها من الوصايا المعدودة التي قرأتها مرات كثيرة، ولا تزال حروف حسام تقرع مسامع فؤادي، لستُ مبالغاً حين أقول أن وصية المهندس حسام بليغة وصادقة ومشحونة بالوعي وإدراك طبيعة المعركة، تكاد تقول أنهم قليلون من يدركون اللحظة التي نعيشها كما فهمها المهندس حسام.
بيني وبين حسام رسائل نوعية، لأنه شاب استثنائي، لم يتجاوز عمره الثامنة بعد العشرين حين غاب بالأمس الأول، لكن حياته مليئة بالنضال الأسطوري، نضال من نوع خاص، ويحتاج إلى قلم منصف يتوقف عند حكاية السيف معنى اسمه وربما أن السيف منح حسام الكثير من الصفات!
في يوم الخامس من مايو 2015م تزوج حسام وحده، زفه أصدقاءه دون والده، أرسل لي نص الرسالة التي بعث له بها أبيه الدكتور عبد الخالق السمدة أستاذ العلوم السياسية بجامعة صنعاء والناطق باسم الإصلاح، حضرت حروف والده حينما كان الحصار الإنقلابي الوحشي الإرهابي قد حال بين اجتماع شمل العائلة، كانت حروف حسام تنسكب دموعا في خدي، ذات ليلة كتب تناقشنا طويلاً، كان كالشاكي فيما يبدو غير أنه ما لبث أن عاد لينسج خيوط الأمل من جديد، أعاد صياغة الأوجاع التي عاشها عريسا بدون عائلته ومحبيه إلى محطة نضال خلدها في تاريخه.
قبل أيام رزق حسام بطفلة متوردة الخدين، أرسلوا للمهندس صورتها، كان في طريقه إلى جبل الصافح، هناك في مشارف العاصمة صنعاء، حيث كان يخلد إلى ذاته، ويناجي روحه المثقلة بفيض من النضال والوعي، تأمل في وجهها وكتب وصيته، وفي ثنايا الحروف قال: وأني سميتها نبض لتبقى نبض قلبي ما بقيت على قيد الحياة، وما في وصية حسام من حرف إلا ويستحق أن نقف عنده وقفات تأمل، لكن أهمها من وجهة نظري ثلاث كلمات، علموا نبض أن تقرأ ثم تقرأ ثم تقرأ!
إنه حسام، أحد مؤسسي مجموعة القراءة الشهيرة" اليمن تقرأ" على فيس بوك والتي تجاوز أعضاءها المائة والثلاثون ألفا، في وصيته يقول اشتروا لنبض مكتبة من راتبي، واهتموا بها لتقرأ!! يا لك من حسام يدرك أن المعركة التي انهزمنا عندها هي معركة الوعي، وأن الثغرة التي نؤتى منها هي العقل، وأن أهم الجبهات جبهة المعرفة!
أي نموذج أنت يا حسام، حين تخطط لابنتك ذات الأيام المعدودة، حين تخاطبها، وتؤكد لها أن القراءة عربون الحياة الحقيقية، وأنها حين تنهل من الكتب ستفخر أن أباها شهيد، وستدرك أن وطنا ضحى حسام بدمه في سبيله لهو وطن يستحق أثمن التضحيات!
لم نقرأ بما يكفي يا حسام، لندرك ما ترمي له لتكوين نبضا معرفيا، وعلميا وفكريا، وأنت تدرك أن المحصنة عقولهم يحصنون أوطانهم، وأن الباب الذي تأتي منه العواصف والرياح، هو المصراع المكسور، باب المعرفة الذي تحول إلى باب الخرافة!
لم نقرأ كما تريد لنبض أن تقرأ يا مهندس العقول، وقد رأيت بنفسك كيف تطيش سهامنا وتتقاذفنا الأحداث والوقائع، وتغرق نخب المجتمع في قضايا هامشية، لأن البوصلة تاهت يا حسام حين تاه الوعي وضعفت الذاكرة..
السلام عليك أيها الكاتب المهندس الثائر البطل..
السلام على نبض التي ستدرك قيمة تضحياتك، السلام على والديك وزوجتك ومحبيك، وعلى وطنك .. وطنك الذي سيصبح كما تريد يا حسام.
*نقلاً عن يمن شباب