×
آخر الأخبار
عمران.. العثور على جثة "مسلح حوثي" في "عبارة" تصريف مياه  وثيقة تكشف وفاة مريض بسبب تلف جهاز التخدير في أحد مستشفيات صنعاء صنعاء.. حريق "هائل" يلتهم مجمّعاً تجارياً في منطقة شملان صنعاء .. والد الطفلة جنات يواجه الإرهاب الحوثي ويتمسك بمطلب اعدام الجاني "نجاد" مليشيا الحوثي تضاعف عملية زراعة الألغام بمحافظة الحديدة حماس: لا صفقة تبادل دون وقف العدوان على غزة الارياني: مليشيا الحوثي حولت محافظة إب الى اقطاعية لعناصرها القادمين من صعدة​ وعمران​ رفض مجتمعي واسع لعملية تطييف مليشيا الحوثي المناهج الدراسية "تحالف حقوقي" يشدد على ضرورة حماية "الأطفال" من جميع أشكال العنف والانتهاكات "الأمريكي للعدالة" يدعو إلى حلول جذرية لمعاناة المعلمين في مناطق سيطرة الحوثيين

الطريق الشاق إلى المقبرة

الإثنين, 13 نوفمبر, 2017 - 05:56 مساءً


بعد سنة وشهرين من استشهاد أخي محمد، أمي وأبي يتمكنان من زيارة أخي الشهيد، ستتحطم حواجز التي حرمتنا من النظرة الأخيرة لأخي الذي يصغرني بخمس سنوات، لكنهما لن يريا صورته، وإنما ستطمئن الأفئدة القلقة بقراءة الفاتحة على القبر.
 
كنت قلقًا من الطريق، من مظان الرحلة التي ستستمر سبع ساعات مع أننا كنا نقطعها بربع ساعة قبل الحصار. خفت أن يستوقف الحوثيون أبي ويعتقلوه شأن الكثير من المسافرين. أبي لا يكذب كما أنه لا يحتال في الكلام. ويتعاطى العقاقير المضادة للاكتئاب من بعد حرب 94، سيعدد مآخذه على المليشيا إن أوقفوه. واحدة من سجاياه أنه لا يكتم شيء يضمره.
 
كان لأبي أصدقاء كثيرون، امتلك شعبية جارفة في وقت مضى، أسلوبه الأريحي اجتذب الكثيرين من مختلف الطبقات على ما أظن، نحن لا نملك شيئا ماديًا يدعو الكبار لصداقتنا، منزلنا الشعبي متواضع وطوله عشرة أمتار في عشرة وركنه العدني على وشك التداعي، أبي يجلس في هذا الركن تحديدًا يستمع القرآن من القنوات، يلوك القات ويدخن، ويسامح العالم وأصدقاءه.
 
مرة واحدة سمعته يلعن صديقًا له بسبب مضرب عطر، كان أبي مضطربًا، وقد ظل يستغفر حتى الصباح. من أصدقائه القيادي محمد قحطان المختطف لدى الحوثيين، كم يستظرف قحطان تلك الجملة التي قالها أبي في موقف صعب، كان أبي يقود السيارة ليلًا على جبال العدين الشاهقة، إلى جواره محمد قحطان، تعطلت السيارة في أعلى الجبل، كانوا كما لو أنهم معلقون بين السماء والأرض، إلتفت أبي تجاه قحطان وسأله: أين نحن يا أخي جبريل!؟
 
ومن أصدقاء أبي منصور صدام، الشيخ الذي عينه الحوثيون نائبًا للمحافظ الذي عينوه أيضًا، لقد كان أبي مصاحبًا حد النخاع لهذه الأسرة الإقطاعية ذات الوعي المنفتح في ذلك الوقت؛ السبعينيات. كان أقربهم إليه فيصل، كان أبي منفتحًا ويحب السينما، أوفى للصداقة، ذات يوم منعه أعيان البلاد من الذهاب مع هذه الأسرة لأنهم اشتراكيون، أطلقوا النار على أبي، لكنه استدار وذهب مع فيصل، فيصل في أيام حرب المناطق الوسطى لم يذهب مع الجبهة، بل كان مع أبي يعلمه كيف يشتمهم. وحين أُعدم شقيق فيصل بتهمة اغتيال محافظ تعز محمد علي عثمان على ما أظن، لم يعرف أبي كيف يواسي الأسرة الأسيفة، كانت الصداقة أسمى من سفاسف الصراع.. لا يترحم أبي على أحد مثل فيصل.
 
كنت أعود إلى تاريخ أبي القديم، خوفًا من عراقيل الطرقات وعقباتها، نائب المحافظ الذي عينه الحوثيون سيفعل شيئًا إن اعتقلوه. أمنت نصف المسافة، النصف الباقي كان بعد أن يصل أبي للمدينة، قلقت أيضًا أن يستوقفه أي طرف من أطراف المقاومة الشعبية، المتطرفون تحديدًا إذا ما كان هناك متطرفين، لأن أبي يدخن وليس على جنباته لحية.
 
فكرت؛ حمود المخلافي، قائد المقاومة الشعبية في تعز، هو أيضًا صديق قديم لأبي، رغم أن أبي لم يعد صديقًا لأحد من بعد 1995، صديقًا للذكريات فقط، وهو بالمناسبة ضد استخدام الأصدقاء في المنافع، وهذا ما انعكس على بيتنا، إذ لم نتمكن من بناء غرفة جوار المنزل لأن أبي لا يستطيع تكرار طلب السماح من قريبه. دوران احتياطات الطريق إلى القبر في رأسي، جعلتني أعود إلى الأصدقاء.. إذن ستفرج.
 
كان أبي قد استلف مالًا أكثر من مرة، واكتشفناه وقد وضع ملابسه داخل كيس بلاستيكي ليسافر الصباح، لكننا  نذكره كل مرة بخطورة الطريق فيعدل عن القرار، كان ينوي زيارة أخي محمد، زيارة المقبرة، وزيارة أبناء العزلة في المدينة، كان متلهفًا للخروج من السجن الذي نحن فيه ولو إلى قلب المدينة المحاصرة. وها هو يصل إلى القبر.
 
لم يزر أبي أحداً من أبناء العزلة، لا الطلاب الشجعان، ولا الشخصيات التي اشتهرت كقيادات داخل المقاومة في المدينة، قال بأنه استحى من زيارة الأحياء عدا عبدالله الطحان. وعبدالله هذا صاحب طاحون قديم في التحرير، ودكان لا بأس به، وهو أول معلم عرفناه نحن الريفيين في المدينة، كان يبيع البر والملح والسكر والزيت والسمن قديمًا، كان يسلفنا زمان وكل البلاد تذهب إليه، كان يموننا بما نريد وأبي كان وفيًا معه حتى مات صاحب السيارة التي كان يركنها هناك في التحرير فحولنا إلى تاجر قريب، ذكر أبي طيبة هذا الرجل، صبره وكرمه علينا، فزاره وهو الآن مبتهج كما لو أنه شخص آمن بكرامة ولي فزار قبة ضريح الولي. لم يعد عبدالله يبيع غير الملح.
 
كان أبي يذهب إلى المقبرة، يأكل في المطعم، ثم يرتاح في بيت جوارها دبابة. وكانت أمي في بيت خالي. زارت أمي المقبرة، شعرت بقدرتها على جذب روح أخي محمد، أكدت: «كنت سأخرجه من القبر».
 
بكت أمي بصمت، سمعت نحيب امرأة جوارها في المقبرة، ذهبت أمي لمواساتها: كلنا متساوون في الفقد.. حق الله. تلك المرأة كان جرحها أكبر، أكدت لأمي أن نصيبها ثان، ولدها ذو الخامسة عشر، وزوجها، وابن أخيها، افتقدتهم مرة واحدة في هذه الحرب.
 
مصيبة الآخر تهوّن من مصيبتك. سألت أبي عن المدينة حين عاد، رد لي: «جميلة.. ولكن يشتي له بيس»، صمت برهة وهو يشاهد أغنية لأيوب طارش مدمجة مع مناظر من المدينة، أردف «لكن أعوذ بالله من الطريق.. جبلنا تبة في الجبال التي قطعناها.. تفجع أكثر من نقاط المسلحين».
 
 
* نقلاً عن المصدر أونلاين
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

سلمان الحميدي