تركيا تنتشل الصومال واليمن تغرق في الصوملة
الخميس, 08 مارس, 2018 - 06:45 مساءً
قبل أيام قرأت خبراً مفاده سفر عشرات اليمنيين إلى جمهورية الصومال من أجل الاغتراب والبحث عن فرص جديدة للعمل , في بداية الأمر ظننت أن الخبر مزحة عابرة , لكن بعد التحري تأكدت فعلا أن هناك المئات من المغتربين اليمنيين سافروا خلال الأشهر الماضية للعمل هناك. لم تعد الرياض ولا الدوحة ولا أبوظبي مقصدا وحيدا لليمنيين للبحث عن أرزاقهم وتحسين أوضاعهم, لقد دخلت الصومال على الخط, وشقت لنفسها طريقا إلى قلوب اليمنيين , لعلمها أن ثمة شعب مناضل يمضي بصمت يرغب بالعيش كريما في زمن كسرت فيه كرامة "الأنقياء". بدون أي مقدمات أصبحت الصومال هدفا جديدا للغربة , وتحولت مقديشو وبوساسو و كيسمايو وبورمه إضافة إلى بقية المدن الصومالية مقصدا جديدا للمغتربين اليمنيين , ينسج فيها عمال اليمن إبداعهم , وينهض فيها مستثمرون أخرون فروا من اليمن ببقايا أموالهم التي سطت عليها مليشيات الخراب والموت سواء في شمال اليمن أو جنوبه . ناهيك عن وجود مخيمات إيواء لنازحين يمنيين تضم الالف منهم, وتقدم لهم معونات ومساعدات ,ويحضون ببعض الخدمات تمنحها مؤسسات دولية بالتعاون مع الحكومة الصومالية , وتلك الأيام نداولها بين الناس. الصومال تشهد اليوم نهضة صامته وعملا دؤوبا في كل مرافقها ومؤسساتها على يد قياداتها الوطنية التي ترغب في الحياة بعد أن تجرعت ويلات الحرب , وبدأت الحياة تدب في مفاصل الدولة الصاعدة , في ظل إشراف ومباركة من أحد الجهات الدولية التي لا تريد جزاء ولا شكورا , ولا طمعا فيها ولا في موانيها ولا في ثرواتها , حتى وأن كانت ذهبا ويورانيومَ. دخل الاتراك المشهد الصومالي في قمة التوتر والصراع بين الخصوم , وتناحر الدويلات الصومالية وبدأت وساطات الخير والأمل تعمل على تضميد الجراح الداخلية , وبناء أولي الأوليات في هذه الدولة المنهكة التي قصمت ظهرها الحروب طوال أكثر من أكثر من 27 عاما و العرب وكل جيرانها والعالم يتابعون تلاشي واحتراق هذه الدولة بكل برود وكأن شيئا لا يعنيهم , سوى كيف السطو على ثرواتهم وموانيهم . بدأ الأتراك بالعمل مع العديد من الفصائل الصومالية لإخماد لغة الحديد والنار والكراهية وإضاءة لغة الحوار والأمل وقد كان لهم ذلك . الصومال اليوم بدأت بالتعافي وبدأ النشاط يدبُ في أوصالها وبات المستثمرون يتدفقون صوبها بكل هدوءٍ بعيداً عن كاميرات الإعلام وضجيج القنوات. شيدت تركيا أحد أكبر القواعد العسكرية في القرن الأفريقي وبدأت في تأسيس جيش وطني صومالي وقامت بدعمه وتأهيله من أجل بناء وصيانة مكاسب الشعب الصومالي , وعملت على بناء أسس النهضة وفي مقدمتها المدارس والجامعات والمساجد. وسعت بقوة إلى رفد الصومال بالعملة الصعبة فتحولت تركيا إلى الجسر الأول في تصدير المنتجات الصومالية وفي مقدمتها المنتجات الزراعية والصيد والماشية , وبدأت العملة الصعبة تدفق على خزينة الحكومة الصومالية بشكل كبير , ناهيك عن الفوائد التي بدأت تعود على المواطنين الصوماليين. لقد وجد الصوماليون طعم الحياة بمذاق أخر, بعد سنوات من الضياع في الحرب والدمار والعيش في بحار الكراهية والصراعات , وجدوا ذلك يوم أن عثروا على وسيط نزيه أغلقت لهم كل ملفات الحرب والخراب , وأيقنوا أن هناك وطن يتسع للجميع. قبل أكثر من أسبوع ألغى الصومال عقدا مجحفا بحق اقتصاده القومي , وعقد شراكة حول أشهر موانيها البحرية إلى مقبرة للحاويات ,وتغييب دورة ومكانته, ,كما حصل ويحصل مع اليمن وجيبوتي "تحررت قريبا" وعشرات الموانئ التي "تورطت" باتفاقيات مماثلة. قبل أيام وقعت الصومال عقدا جديدا ومشرفا لإحياء دور موانيها البحرية مع أحد الشركات العالمية المتخصصة في إدارة الموانئ التي مقرها في سانغفورة. وعلى الجهة الأخرى من شرق الصومال التي بدأت تنطلق نحو الحياة والعالم , مازالت اليمن تقبع في مستنقع الخلافات والحسابات الخاصة , والتصفيات السياسية والجسدية , لأن ثمة "آثمون " كبار مازالوا يلعبون بالمشهد السياسي والعسكري , وتحولت الحرب في قاموسهم القذر إلى مصدر للاسترزاق والثراء , هكذا بدأت التقارير الدولية تتحدث عن المشهد اليمني. كل هذا الألم الذي يعشيه اليمنيون مصدره حقد رجل قال له اليمنيون يوما " إرحل " فأقسم أن يحيل اليمن إلى صومال أخر , ويوم أن دخلنا الصوملة غادر هو الحياة بمشهد يحمل كل معاني الصوملة , في حين غادر الصومال حكومة وشعبا كهوفه المظلمة ,وظل اليمنيون حتى اللحظة تائهون في كهفوف الحرب والضياع. المخرج الوحيد للقضاء على كل هذا المشهد الدموي في اليمني هو التسريع بالقضاء على كل مشاريع كهنة الكهوف واستثمارات الإمامة الحاقدة, وإخماد أنفاس الإنقلاب , وإعادة الشرعية وأحياء مؤسسات الدولة ,فهي الضامن الوحيد لإعادة الحياة إلى أوصال الوطن ورسم الابتسامة على محيا كل مواطني الجمهورية اليمنية ومناضلي الثورة والجمهورية , ولا نامت أعين الجبناء .