الحوثيون وصراعات السلطة(3)
الإثنين, 12 مارس, 2018 - 06:15 مساءً
في أواخر 2012م انفردت صحيفة الجمهورية الرسمية الصادرة من مدينة تعز - وسط اليمن - بنشر حوار صحفي مع العلامة الزيدي ( الهادوي) محمد عبدالعظيم الحوثي, وتحدث بكلام كثير في ذات اللقاء, عن حقيقة خلافه مع جماعة الحوثي وتأكيده أنهم حاولوا الهيمنة على الحكم مستغلين المذهب الزيدي – واصفاً إياهم يعني الحوثيين – غير مأمونين عليه (المذهب)، كما وصفهم بالفساق والطغاة والمجرمين، وقال إن هناك علاقة بين الحوثيين والرئيس السابق علي عبدالله صالح ودعمه السخي للحوثيين(1) ، معتبراً صالح من أتباع عبدالملك الحوثي. وأضاف في تعليقه على الحوثيين بقوله: "ونرى أنهم فساق وبغاة ومجرمون، ويعتدون على دين الإسلام، تجنوا على الزيدية عموما وعلى أهل البيت خصوصا، لعدوانهم الدموي".
وسبق له أن اتهمهم بأنهم "جهلة وصغار السن"، وأنهم يتهمون رجال الدين الزيدية بالخنوع والعجز, واصفاً نفسه بأنه "منفتح" على جميع الآراء والكتب والمذاهب، متهما جماعة الحوثيين بالانغلاق وأن أتباعهم "بدو وأعراب يجيدون القتال"(2)
يظهر هنا عبدالعظيم الحوثي أنه على خلاف شديد مع جماعة الحوثيين، وهذا صحيح من حي المبدأ, غير أن الصحيح المختفي والذي لم يتم الانتباه له في أغلب الكتابات التي تناولت هذه الحادثة, أن الخلاف بين الطرفين كان على الولاية (السلطة) تحديداً, فكلاهما يعني جماعة الحوثيين وجماعة عبدالعظيم الحوثي, متفقون على نظرية ولاية البطنين وأن الحق في الحكم (الأمر) فيمن تناسل عن الحسن والحسين, وأنهم هم الورثاء الشرعيون لذلك الحق الإلهي, ولكنهم اختلفوا فيمن يمثله حالياً, فعبدالعظيم الحوثي يرى أنه اعلم من عبدالملك الحوثي بل ومن حسين بدر الحوثي, ويرى نفسه أولى بهذا الحق, كونه تنطبق عليه شروط الإمامة التي حددها المذهب, فيما الحوثيون لا يرونه كذلك. وبسبب قوة عبدالعظيم الحوثي وان قتاله أو اعلان الحرب عليه سوف يسبب فتنة ومشاكل عميقة داخل المذهب في صعدة وخارجها, فقد آثر الحوثيون السلامة معه وعدم استفزازه أو الرد على فتاويه التكفيرية بحقهم.(3)
وفي لقاء آخر لعبدالعظيم الحوثي ذاته مع صحيفة الأهالي 2010م، وأعاد موقع المصدر أونلاين نشره على الانترنت بتاريخ الخميس 9 ديسمبر/ كانون أول 2010م حول سؤال وجهه المحرر "ما هي نظرتكم لشرط البطنين في عقد البيعة للإمام؟ فأجاب عبدالعظيم الحوثي صراحة بقوله: "هذا عندنا شرط ضروري من أصول الدين ولن نتنازل عنه!!.."، وهو ما يؤكد ما نذهب إليه أنه لا فرق بين جماعة الحوثيين المسلحة وبين المنشقين عن الفكرة لسبب آخر مع بقاء ذات الهدف كما هو الحالف فيما سبق قوله هنا!!
وما ذهب إليه هناك عبدالعظيم الحوثي كان يؤمن به الدكتور المرتضى المحطوري والذي تعامل مع الحوثيين من الزاوية السياسية فقط فيما الأحق بالإمامة وخلافة الناس لم يكن يؤمن ببيت الحوثي ولا بمن انبثق عنهم, وسوف تزيد الخلاف بين الطرفين داخل البيت الهاشمي, سوف يوضع حداً فاصلاً لذلك الخلاف باغتيال المحطوري في 20 مارس/ اذار 2015م, فيما لم تكشف نتائج التحقيق في استهدافه واغتياله داخل مسجده بمركز بدر وسط صنعاء أثناء خطبة الجمعة منذ ذلك التوقيت وحتى اليوم.!!
فتوى الزيدية ضد الحوثي
تعد فتوى فقهاء الزيدية ضد التمرد الذي قاده حسين بدر الدين الحوثي في صعدة 2004م ، واحدة من أشهر الفتاوى والتي تناقلها الكثير بشيء من الحفاوة والتأييد, وبُني عليها مواقف عدة, ونزعم في هذه السطور أن الذين علقوا عليها آمالاً واسعة قد فاتهم أن هذه الفتاوى كان لها سياق خاص, ولتقريب الفكرة نستطيع أن نقول أن شيئا من التقية قد صاحب هذه الفتوى الشهيرة, وهي أن صالح قد انتزعها منهم بطريقة أو بأخرى, وفي أحسن الظن يمكن القول أن صالح قد استطاع إقناع علماء الزيدية ( الجارودية) القريبين منهم في صنعاء ومحافظات قريبة من خطورة الحوثي على المذهب, وأنه يسعى الى تجاوزهم مباشرة, فخرجت تلك الفتوى كما أعلنت في اللقاء الذي جمع صالح بعدد من المراجع الزيدية (الجارودية) بتاريخ الـ 3 يوليو/ تموز 2004م, أي بعد قرابة ثلاثة أسابيع فقط من قيام الحرب الأولى ضد الحوثيين, ثم ستخرج الوثيقة الشهيرة 2012م بما ينسف تلك الفتوى ويكشف الأمر على حقيقته.(4)
ويجدر بنا أن ننقل تعليق للكاتب السياسي ناصر يحيى حول هذه الفتوى في مقاله نشرت له في صحيفة المصدر في الـ 1 ابريل/ نيسان 2013م، أشار يحيى الى أن الفتوى تكشف حقيقة الدوافع التي وقفت وراء فتوى فقهاء الزيدية ضد حسين الحوثي وتضمنت ما يلي:
- اتهام حسين الحوثي بالتحذير من قراءة كتب أئمة العترة وكتب علماء المسلمين، وعلى وجه الخصوص كتب أصول الدين وأصول الفقه.
- اتهام الحوثي بتضليل أئمة أهل البيت من لدن أمير المؤمنين علي عليه السلام ومرورا بأئمة أهل البيت وإلى عصرنا هذا، والتي يتهجم فيها على علماء الإسلام عموما، وعلى علماء الزيدية خصوصا.
- التحذير من ضلالات الحوثي وأتباعه، وأقواله المبطنة بالضلالات التي تنافي الآيات القرآنية الواردة بالثناء على أهل البيت المطهرين، وتنافي حديث الثقلين المتواتر.
- عدم الاعتزاز بأقواله وأفعاله التي لا تمت إلى أهل البيت والمذهب الزيدي بصلة.
- لا يجوز الإصغاء إلى البدع والضلالات ولا التأييد لها، ولا الرضا بها.
ومن الواضح أن هذه الاتهامات وتوقتيها نوع من استباحة دماء الحوثيين بصورة غير مباشرة وإن لم يكن أصحابها يقصدون ذلك المعنى تحديدا؛ لكن هل هناك أكثر تحريضا من اتهام علماء المذهب الزيدي لإنسان في بيئة زيدية بأنه ضلل علي بن أبي طالب وأئمة أهل البيت؟ الغريب أن بعض هؤلاء الفقهاء عادوا بعد اندلاع الحرب ليقولوا ما يناقض فتواهم، وبحجة أن أفكار الحوثي مجرد اجتهاد شأن العلماء (!) الذين لهم أقوال تخالف أقوال البعض الآخر منهم، لا يخطئ أحد منهم أحدا أو يخرجه من دين أو ملة (هكذا وكأن الناس قد نسوا فتوى التضليل والتبديع السابقة). انتهى كلام ناصر يحيى..
وهنا: لم تكن تلك الفتوى إلا طريقاً نحو المشروعية في استمرار الحرب ضد الحوثيين المتمردين حينها, وسنجد في حقيقة الأمر أن صالح عندما خرج عليهم لم يكن من أجل الحفاظ على الجمهورية وإنما حفاظاً على السلطة التي يتزعمها لعقدين ونصف, فبعد عودته من الولايات المتحدة الأمريكية اندلعت الحرب في صعدة ضد التمرد الحوثي مباشرة حسب خطاب الإعلام الرسمي الذي كان يطلع عليه التمرد الحوثي والمتمرد حسين الحوثي, ويذهب مراقبون أن معلومات استخباراتية حصل عليها صالح اثناء زيارته لواشنطن تفيد بأن حسين بدر الدين الحوثي يجهز جيشاً وقوة جديدة للانقضاض على الدولة واستعادة الإمامة, وبقدر ما كانت تلك المعلومات مفزعة لصالح, إلا أنه حاول أن يستفيد من الحرب هناك ويحولها ضد خصومه السياسيين المناوئين له وخاصة فيما يخص مشروع التوريث.
الوثيقة الفكرية الحوثية
ويمكن هنا أن ننقل ما جاء في صحيفة الأهالي من تعليق على الوثيقة والتي وقع عليها عبدالملك الحوثي وعدد من مراجع المذهب الزيدي ( الجارودي), وهي الوثيقة التي ستكشف عن المرحلة الجديدة, ورغم خطورتها إلا أن الشارع اليمني تجاوزها ولم يلتفت للمخاطر التي تحمله تلك الوثيقة والتي كانت عبارة عن خطوة صريحة استهداف الجمهورية وتقويض العملية السياسية.
"الوثيقة لم تكتب على عُجالة، فقد كُلف بصياغتها لجنة متخصصة، ولم تُنشر غلطة، فقد وزعت على الأتباع، ثم على الأنصار، ثم على عامة الناس بطباعة فاخرة!! كما أنها ليست مزورة ولا مكذوبة عليه، فقد مهرها بتوقيعه وشهد عليها شاهد من أهله، وليست مجرد مناورة سياسية يمكن أن يغير رأيه فيها، ولكنها وثيقة دينية بدأها بذكر أصول الدين، وختمها بالتأكيد على أنها عقيدتهم، وأن ما سواها يُرَد إليها!! (صفحة/9) وهذا يعني أنما في الوثيقة جزء من عقيدته التي يسعى لفرضها ولو بـ"الجهاد" الذي يمارسه اليوم ضد المسلمين في صعدة وحجة والجوف وعمران، فأصحاب الوثيقة لن يترددوا في تجميع القاصرين من الأطفال، ومن يقدرون على استخفافهم من قاصري الفهم، ومحدودي المعرفة، الذين لا يترددون في طاعتهم وامتثال أمرهم".
لقد كانت الوثيقة تأكيدا واضحا على أن الفتوى التي صدرت 2004م لم تكن سوى مراوغة ونزول عند رغبة علي عبدالله صالح حينها, في المطالبة بفتوى تعيد الحوثي الى بيت الطاعة, فيما الأمر تغير بعد ذلك خلال اقل من سبع سنوات فقط ليعود المذهب الى الموقع الحقيقي الذي كان عبدالعظيم الحوثي اكثر صراحة من الجميع في التأكيد على أحقية المذهب في حكم اليمن من دون الناس.