صحفي متخصص في القانون، رئيس مركز البلاد للدراسات و الإعلام
عيد في حضرة السلطان!
الجمعة, 01 سبتمبر, 2017 - 09:05 مساءً
على امتداد طريق صرواح بمأرب كان جموع المصلين يتوافدون زرافات واحادا يرتدون حلل العزة ونياشين الفخر والفرح في آن، وكان الأطفال يسابقون أشعة الشمس في جمال حضورهم ولمعات ابتساماتهم البريئة والفرح يتطاير من قسمات وجوههم في مشهد بديع سيتذكره التاريخ بأحرف نورانية وستخلده الاجيال باعتزاز كبير.
وحين وصل سلطان العرادة كانت الشمس قد ارتفعت قيد رمح، وكانت مأرب تتصدر بلا منافس، النواة الحقيقية والحضن الدافئ والحصن الحصين للجمهورية والشرعية والدولة والمجتمع في آن، لقد صلينا العيد في حضرة محافظها السلطان وأبناءها العظماء وجموع من كل بقاع الوطن وكنا آمنين مطمئنين نتذكر القضية الوطنية بتفاصيلها، وفينا من الزهو والشموخ والفرح والاكبار للتضحيات ومشاركة اخوتنا هموهم في السجون او تحت وطأة الانقلابيين، نشعر بهم وعلى يقين أن ليل الانقلاب سينجلي عما قريب.
*
والعيد في مأرب تاريخ جديد للجمهورية، بكل تفاصيله ولحظاته، اخرجت جوالي والتقطت صورا ومقطع لثوان معدودة، قلت لصلاح الزحيفي أن المقطع بعد عشر سنوات سيكون وثيقة تاريخية بامتياز، صلاة الاعياد في مأرب تعني الكثير، هي صورة ناصعة للانجازات التي حققتها الجمهورية منذ البداية الأعظم واللحظة الأهم في تاريخنا عندما نصب المأربيون العظماء خيامهم في مطارح نخلا وصولا الى تضحياتهم الجسيمة والغزيرة مع اخوانهم من ابناء اليمن الاحرار وقد كان قلب الجمهورية وروحها ونبض جيشها الشهيد الكبير عبد الرب الشدادي رحمه الله، الى لحظتك الراهنة التي تبسط فيها سجادتك على الاسفلت مع آلاف من اخوتك وقد انتشر حراس الوطن الأمناء الأوفياء على اطراف المدينة وبين حواريها وخلف الصخور وفوق الاسوار في مشهد مهيب يستحقون ألف قبلة وتحية لجهودهم الجبارة في حفظ أمن الوطن والمواطن في حياض الجمهورية وسدها المنيع في مأرب التاريخ.
*
ما كنت أود أن اسهب هكذا؛ غير أن الحديث عن مأرب يجر بعضه بعضا، وكأن الحروف وخزات تأنيب لأن مأرب لم نوفيها حقها ولم تحظ منا باهتمام يليق بمأرب منبت الكرامة الدولة والجمهورية.
*
وحين تتحدث عن مأرب فالحق أحق أن يقال، لم تكن مأرب تتربع على عرش الجمهورية لولا تكاتف ابناءها العظماء وتضحياتهم الجليلة، وهنا تتحدث الأيام عن المحافظ الأمين والبطل الهمام والقائد الشجاع سلطان العرادة، لقد أبلى السلطان بلاءا حسنا حين تحمل مسؤوليته في لحظة فارقة وتصرف كأمين على الجمهورية ومنقذها في أخطر لحظة في تاريخ اليمن والمنطقة، حافظ على الدولة يوم احكم الانقلابيون سيطرتهم على كل مؤسسات الدولة ورموزها، عمدوا على شل الدولة وادواتها وقاداتها، وبقي سلطان وحده رجل الدولة الوحيد الذي خاض حربا حقيقية للحفاظ على نواة الدولة واخر اسوارها، قاتل ببسالة على كل الأصعدة، حافظ سلطان على الجمهورية ودفع ثمنا باهظا، كان فلذة كبده واحد من اليمنيين الذين سكبوا دماءهم دفاعا عن الجمهورية، غير أن تضحية سلطان العرادة كانت كبيرة بحجم هذه الانتصارات السياسية والعسكرية والديبلوماسية والتاريخية؛ سلطان العرادة قاد الدولة في لحظة فارقة وكان المسؤول الوحيد الذي يعرف ثقل الدور المناط به حينها وأثر قرارته على مصير البلد برمته بل والاقليم، ذات يوم عصيب طلب الناس من سلطان أن يفرج عن بعض أموال البنك في لحظة شحيحة، فأجابهم سلطان رجل الدولة الأمين: البنك المركزي مورد سيادي ولا يمكن أن نتصرف كمليشيا دون الأطر الرسمية، كان ذلك قبل نقل البنك الى عدن، ومثل ذلك حديثه عن الغاز ودفاعه بقوة عن استمرار ضخه لكل ابناء الوطن، باعتباره حق لليمنيين وقطعه عقاب للشعب وليس للانقلابيين!.
*
ليس الحديث هنا عن شخص محافظ مأرب الكريم، فهو باعتقادي -ويشاركني الكثير من الزملاء- ربما المسؤول الذي يمكنك الكتابة عنه دون أن يلحقك لوم، الكتابة عن سلطان العرادة طريق آمن في هكذا لحظة تاريخية صعبة تمر بها بلادنا تجعلك تفكر ألف مرة في الحديث عن الاشخاص، غير أنك لن تجد لحظة تردد مطلقا لو نويت الحديث عن السلطان، لكني هنا لا اكتب عن شخص سلطان ولا عن دوره وتضحياته وانجازاته العظيمة التي قدمها لهذا الشعب العظيم وللأمة اليمنية دولة وحكومة، تلك مهمة شاقة -أعني الكتابة- لا أمتلك تفاصيلها، لكني احاول الحديث عن مأرب بصورتها الراهنة في حضرت سلطان.
**
قبل ايام كنا في أروقة هيئة مستشفى مأرب، كان الزميل الراحل محمد الياسري رحمه الله يتلوى من الوجع، وكنا في طابور كثيف بين جريح ومقعد ومرضى أمراض خطيرة، حاولت اجتياز الصفوف والاستئذان من المرضى المنتظرين بعضهم منذ اسبوع وبعضهم لأيام ليدخلوا عند أحد اطباء المخ والاعصاب استشاري محترف يشهد له الجميع، غير أن زحاما خانقا في وضع انساني بالغ الصعوبة لا تستطيع أن تتمالك نفسك أمام حجم المعاناة التي تكومت في ألم كبير ومستمر!!
آلاف الجرحى وآلاف المرضى يتوافدون على هيئة مستشفى مأرب، لكن طاقمه الطبي وكادره المحدود وإمكانياته الشحيحة جدا جدا تبقى لغز يحير الجميع وسؤال كبير مفتوح ينتظر جوابا عاجلا!!
لقد زار مسؤولون في الشرعية هيئة مستشفى مأرب ويعلمون حجم العبء الذي تقوم به هذه المنشأة الطبية الأضخم حضورا في هذا البلد في هذه المرحلة، لقد وعدوا وعودا ولكنها لم ترى النور حتى اللحظة، فلماذا لا تقوم الحكومة بدورة تجاه هيئة مستشفى مأرب باستقبال كادر يغطي الحاجة الانسانية الهائلة هنا في مأرب، فهذا أقل واجب يمكن أن يرد للسلطان ولمأرب.
*
ذات يوم انتشر ابطال الأمن الاشاوس في أزقة الحواري واسواقها، بعد تيقنهم من وجود خلية تابعة للانقلابيين كانت تنوي تنفيذ عمليات ارهابية ، جلست مع أحد الابطال منهم بعدها وكنت تشعر بالدهشة والمعجزة لما قاموا به من عملية بطولية مقارنة بالامكانات الشحية أو قل المنعدمة حينها، ولك أن تتخيل رجال أمن وشرطة يقومون بمهمة خطرة في مواجهة عصابة محترفة ولا يمتلك أحدهم سوى خدمة "اتصل بي" على شبكة جي اس ام العامة!! اي انجاز يمكن الحديث عنه لهكذا فدائيون بهكذا امكانيات!
كان ذلك قبل عام، لست أدري هل توفرت أجهزة الاتصالات اللاسلكي الكافية لأجهزة الأمن في مأرب بعد أم لا؟
لكن المؤكد أن الأجهزة الأمنية في مأرب بكل تفاصيلها تعتبر الأولى من حيث الاداء والرسمية واحترام القوانين وتنفيذ مهام وواجبات مؤسسات الدولة وهي في ذات الوقت تظل في آخر اهتمامات الحكومة الشرعية!! مفارقة كبيرة يجب أن تعالج كأقل واجب وابسط رد جميل يمكن أن يحظى به سلطان العرادة.
**
كل مكاتب المحافظة التنفيذية في مأرب تضاعفت مسؤوليتها عشرة أضعاف وأكثر لو علمت أن الخدمات كانت تغطي طاقة استيعابية لا تتجاوز المائة وخمسون ألف مواطن، هي ذاتها تعمل على تغطية حاجة نحو مليوني مواطن حسب تقديرات السلطة المحلية في مأرب، فهل من العدل أن تظل موازنة السلطة المحلية هي ذاتها التي كانت في عهد نظام المخلوع بينما هي المحافظة الأكثر تبعات ونفقات وواجبات بعد أن بقيت تقاتل وحدها سدا منيعا وحصنا حصينا لمشروع اليمن الأزلي وحريته ودولته وتاريخه ومستقبله!
*
ما يجب علينا رفع الصوت به هو الضغط على قيادة الشرعية بضرورة الوفاء لهذه المحافظة الشامخة العظيمة ومحافظها الأمين سلطان العرادة، إذ لا يجوز أن يبقى اهتمام الحكومة بهذه المحافظة في آخر الاهتمامات، ولا يمكن أن تظن الحكومة أنها قد وضعت حجر أساس لجامعة اقليم سبأ بأنها قد فعلت شيئا لمأرب!!
مأرب بحاجة للجنة حكومية ذات خبرة ومسؤولية تقيم احتياجاتها الآن بحجم حضورها ودورها وما تستحقه وتعويضها عن فترة الحرمان الاجرامي الذي عمده نظام المخلوع عقابا لمواقف ابناءها العظماء، حانت اللحظة أن تكرم مأرب وأن يرد لها بعض الجميل في حضرت السلطان.
كل عام وأنتم بألف خير.