لماذا تخلف الحوثيون عن جنيف (3)؟
الثلاثاء, 11 سبتمبر, 2018 - 03:29 مساءً
ليس مجرد تخلف عن حضور المفاوضات، بل هو أكثر من رسالة تبعثها جماعة الحوثي، تريد القول من خلالها إنها غير متلهفة لهذه المفاوضات، وأنها أيضا غير مستعدة لتقديم أي تنازلات من خلالها..
ولا شيء فعلا قد يدفعها الى ذلك. فالتطورات العسكرية خلال العاميين الماضيين، منذ آخر مفاوضات في الكويت، ليست بذلك الحجم الذي قد يدفع الحوثيين لتغيير مواقفهم عما كانت عليه.
صحيح أن القوات الموالية للشرعية والتحالف قد حققت اختراقا مهما على الساحل الغربي، حتى اصبحت على مشارف مدينة الحديدة، بالإضافة الى الاختراقات المهمة على جبهة الحدود من جهة صعدة وحجة، الا أن هذه المتغيرات ليست بذلك الحجم والنوع لتحدث تغييرا على المسار السياسي.
وعلى العكس من ذلك، أصبحت المحافظات الشمالية، ذات الكثافة السكانية الكبيرة والتضاريس الجبلية الصعبة ومنها العاصمة صنعاء، حكرا على الحوثيين بعد تخلصهم من حليفهم صالح. فيما لا يزالون قادرون على ارسال صواريخهم الباليستية الى المملكة السعودية.
الحديث عن مفاوضات لبناء إجراءات الثقة، ابتداء، كما هو مقرر في جنيف الاخيرة، ليس مما يفضله الحوثيون أصلا. فهم في جنيف الأولى، وحتى في مفاوضات الكويت، كانوا يرفضون تجزئة التفاوض على مراحل؛ بدءً من اجراءات الثقة، كإطلاق المختطفين السياسيين الذين كانوا يطرحونهم- ولا يزالون- كورقة ضغط للحصول على اتفاق نهائي وشامل.
أما الحديث عن اعادة فتح مطار صنعاء، كمقابل من جهة التحالف والشرعية، فهو ليس مما يغري الحوثيين، خاصة وأن الرحلات ستخضع للتصريح والتفتيش من قبل التحالف، إلا أن يحصلوا على رحلات غير خاضعة للتفتيش، ومباشرة مع الاراضي العمانية، كما اشترطوا للحضور إلى جنيف. وهو أمر لن يقبل به التحالف. ووضعه من قبل الحوثيين كشرط، قبل الحضور، هو مؤشر من قبلهم لامتحان ارادة التحالف والشرعية، لما يمكن أن يقبلا به من خلال المفاوضات، وما لا يمكن القبول به.
كان يتوجب علينا ألا نتوقع الكثير من جنيف الأخيرة. فالحوثيون لن يسلموا شيئا من خلال المفاوضات، فيما لا يزالون قادرون على الاحتفاظ به عسكريا. ولا شيء قد يغريهم في المقابل، ولا حتى استيعابهم في العملية السياسية. فسقفهم السياسي واضح ومحدد، وهو حكم كل ما تطاله أيديهم بنظرية الولاية، التي يزعمون أنها حقا إلهيا لهم ولسلالتهم.
قد تتوصل إلى اتفاق سياسي مع من تتوفر معه أرضية مشتركة. غير أن ما بين النظام الجمهوري التعددي الذي تتبناه الشرعية، وبين الولاية السلالية للحوثي، لا شيء مشترك، إلا أن يكسر أحدهما الاخر عسكريا.
فما لا يمكنك أن تحققه بالقوة، لا يمكن تحقيقه بالسياسة والمفاوضات، لا سيما مع خصم كالحوثي، وهو الذي استمد كل وجوده من القوة والعنف، ولا شيء قد ينهي وجوده إلا القوة.