الأسلحة الناعمة
الجمعة, 21 سبتمبر, 2018 - 05:17 مساءً
كم أتمنى أن أحظى بالهزيمة هذه المرة، كم أتمنى أن يقول الحوثيون لي ذات يوم في المستقبل: أسأت الظن بنا وكنا عند حسن الظنون.
يا ليت أنني اكتشف في الأخير أني كنت مخطئا في حقهم وأنهم بالفعل جاءوا من رحم سبتمبر وأكتوبر وفبراير، كنت أردد هذه الخواطر عشية الواحد والعشرين من سبتمبر، وكنت ابحث عن هذه الهزيمة الشخصية لأنها الوجه الآخر لنجاة الوطن وخروجه من حالة التيه.
ولأنها الملاذ الأخير الذي تتمناه من عدوك قبل أن تشهر السلاح في وجهه تريد استعادة حقك المنهوب وتدفع ثمن حسن ظنونك الخائبة، تلك اللحظة الدرامية التي يكررها التاريخ وأنت تأتي خصمك في لحظة استجداء ولم يبق لديك ترف الخيارات.
وتعلم يقيناً مرارة الخيارين لك وله وللجميع من حولك، غير انه قلص دائرة الاختيار الى خيار أوحد، وساقك مجبراً نحو خيار الضرورة.
كانت اليمن مثخنة بالجراح وكانت ثورة فبراير هي المبضع الذي استخدمه الشعب لتصحيح المسار، ورافق الثورة تقلبات على كل الأصعدة الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية وكانت اليمن بحاجه إلى جهد استثنائي لإنعاش هذا القلب الذي تصارع دقاته التوقف في تلك اللحظة التاريخية المليئة بالثقوب جاء الحوثيون.
ورافق سلوكهم وتحركاتهم بروباغندا تبشيرية وأصوات ثقافية وسياسية عديدة لها وزنها وجمهورها تقول كلاما كثيرا على شاكلة "أعطوهم فرصتهم"، "هذه حركه جماهيرية ثوريه، "هذه ثوره جاءت امتدادا لأهدافنا الكبرى التي خرجنا من اجلها في فبراير"، "هم يريدون أهدافا معينه تقف في طريق التمدن والنهضة اليمنية".
هذه الأصوات شكلت درعا ثقافيا منح لتحركات الحوثي مشروعيته أو على الأقل نقل تحركات الحوثيين من التصنيف بأنه كارثة أو قبح أو مكر بتاريخ اليمنيين إلى دائرة الخطأ الذي يمكن علاجه ككل الأخطاء التي احتملتها اليمن فيما مضى.
وفي تجميل الكوارث والتهوين من شأنها تقبع أحد تجليات الخيانة، كانت كل المقدمات والسياقات تنبأ إلى هذه الخاتمة الكارثية، المنطق والتاريخ ومنطق الصراع والمؤشرات والخلفيات والبحث في الجذور والأعماق كل ذلك كان يقرع أجراس الخطر.
وكانت الأصوات المنافحة تجادل وتصطف بتعمد أو سذاجة وكنت أقول في نفسي: يا ليت حدسي وعقلي المولع بالمنطق والتحليل يخفق هذه المرة، كان انتصاري في الجدال وصدق توقعاتي يعني ببساطه: إن اليمنيين في تلك اللحظة يشربون كؤوس الكارثة.
وكنت أحس وأنا المولع بالجدل هذه المرة أني إن خنت تفكيري في لحظه سذاجة أكون حينها قد وفرت أكثر الظروف التي تحتاجها مشاريع الهدم لكي تسير صوب أهدافها ..وهذا ما لا أتمناه، تصنع النخبة لأي مشروع سياسي حظه من القبول أو الاستنكار، الجماهير الكادحة المستنفذة سطحيه في الغالب وتفر من التحليل والتفكير العميق.
والنخبة هي عامل التسويق الأبرز والأقوى لتوفير الحاضن المجتمعي وتهيئة الرأي العام للقبول بأي قادم جديد.
فعلتها أصوات تنتمي إلى النخبة المصرية في تهيئة الأجواء والجماهير للقبول بانقلاب 3 يوليو وفعلت دورها نسختها من النخبة اليمنية في تجميل الكارثة القادمة من العصبة السلالية أو على الأقل في التهوين من خطورتها.
علينا أن نتذكر هذا دائماً، نحن الذين خرجنا ذات نعانق أحلامنا، ووقعنا في فخ السذاجة وانتصرت ظنونا وكانت الكارثة.