سبتمبر وملحمة المجد والألم
السبت, 09 سبتمبر, 2017 - 08:46 مساءً
ملحمة شعرية، نظمها حارس الهوية اليمنية مطهر الإرياني رحمه الله عام 1967م، والصراع الجمهوري الإمامي على أشده يومها، من البحر الوافر، ردا عل? دامغة الدوامغ التي نظمها أحمد محمد الشامي وزير خارجية البدر، وأحد دهاقنة الإمامة آنذاك، وقد فخر فيها بأجداده الهاشمية، مزدريا تاريخ اليمن وحضارته، وأذاعها من لندن. ومطلعها:
أتمضي في سبيل الأولينا فتمدح تارة وتذم حينا؟.
وكانت ردا عل? دامغة لسان اليمن الهمداني التي نظمها في القرن الرابع الهجري، متغنيا فيها بمجد اليمن وتاريخه، وتنوف عن ستمئة بيت، آخر تحقيق لها من قبل الدكتور مقبل التام عامر الأحمدي، أستاذ الأدب بجامعة صنعاء. ومطلعها:
ألا يا دار لولا تنطقينا فإنا سائلون ومخبرونا.
وجاءت يومها في إطار الصراع بين العدنانية والقحطانية والذي ابتدأ بقصيدة الكميت بن زيد الأسدي "المذهبة" نهاية العصر الأموي في ثلاثمئة بيت، وكانت سببا من أسباب سقوط حكم بني أمية بعد ثورة اليمانية عل? مروان بن محمد الذي انضم إل? جانب فريقها. ومطلعها:
ألا حييت عنا يا مدينا وهل قوم تقول مسلمينا؟
والقصة مبسوطة في مروج الذهب للمسعودي بكافة تفاصيلها. وقد تبن? الرد عليها الشاعر دعبل بن علي الخزاعي، منتصرا لخؤولته اليمانية. في قصيدة بنفس الوزن والقافية، ومطلعها:
أقلي من ملامك يا ضعينا. كفاك اللوم مر الأربعينا.
وتتالت الملاحم والدوامغ تتر? بعدها، من نفس البحر ونفس الروي. منها قصيدة أبي الذلفاء الحسن ابن زيد التي سماها الدامغة، ردا عل? دعبل الخزاعي، ومطلعها:
أما تنفك متبولا حزينا. تحب البيض تعصي العاذلينا؟
وفي القرن السابع الهجري كانت دامغة مسلم بن العليف من 62 بيتا التي يسميها البعض العليفية، مدحا لعدنان وذما لقحطان، ومطلعها:
ما عبت مذ كنت للأحباب مظنونا ولا بثثت من الأسرار مكنونا.
وعارضه الشاعر علي بن سليمان الأسلمي بقصيدة سماها دامغة الدوامغ، منتصرا لقحطان عل? عدنان، ومطلعها:
فخارنا بسيوف الهند تكفينا عن فخركم آل عدنان ويغنينا.
وعارض هذه القصيدة الهادي بن إبراهيم الوزير بقصيدة من 170 بيتا، سماها: دامغة دامغة الدامغة. ومطلعها:
فخارنا برسول الله يكفينا. عن كل فخر وأن الأنبياء فينا. وتتالت الدوامغ والنقائض بعدها، وآخرها كما أشرت ملحمة المجد والألم للشاعر مطهر الإرياني، ومطلعها:
أيا وطني جعلت هواك دينا وعشت عل? شعائره أمينا.
وهي من أروع وأبرع وأزك? ما نظمه يراع ودبجه فكر في موضوعها. وقد قرأتها مرارا وتكرارا منذ سنوات، خاصة في شهر سبتمبر من كل عام، فتكاد تكون ورده وحزبه السنوي..!
ولمكانتها من نفسي، ومن ثورة سبتمبر أولا وأخيرا، فقد اقترحت سابقا عل? أكثر من زميل وصديق من الإعلاميين تسجيلها وبثها إذاعيا وتلفزيونيا بقراءة صحيحة نحويا ولغويا وعروضيا، وفي نفسي يقين أني لن أظفر بالقارئ المثالي لها، لسببين: الأول: لقلة من يجيدون القراءة بالفصح? دون أخطاء تصحبهم، وإن كانوا من المذيعين الكبار..!
الآخر: لأن النسخة الأصل نفسها تعتريها بعض الأخطاء النحوية والإملائية التي جرجرت معها بعض الأخطاء العروضية بطبيعة الحال. وأجزم أن النسخة بصيغتها الأخيرة قبل الطبع لم تخضع لمراجعة الشاعر نفسه، فمطهر الإرياني حجة في اللغة والنحو والعروض، ولا يمكن بحال من الاحوال أن يتغاض? عن تلك الأخطاء في كتابه. وقد كان لي شرف الجلوس معه كثيرا بمنزله، وأيضا تسجيل بعض الحوارات الصحفية معه. ما أود أن أشير إليه هنا أني لم أجد لمقترحي صد?، لأن أغلب من حدثتهم عنها يجهلون موضوعها وتاريخها للأسف، والمرء عدو ما يجهل، رغم أنهم من النخبة المثقفة..!
ولذا فقد قمت بتسجيلها، في ثلاثة مقاطع، مجتهدا في تجاوز تلك الأخطاء ما أمكن. ولا أخفي القارئ أن في نفسي شيئا من ذلك؛ لأن بعض كلمات الملحمة مطموسة، وبعضها يحتمل أكثر من معن?.