×
آخر الأخبار
حكومة تصريف الأعمال السورية تُعلن عطلة ليومين للاحتفال بعيد الميلاد  الحكومة العراقية تدرسا طلب واشنطن اغلاق مكتب الحوثيين في بغداد مأرب تستقبل 221أسرة نازحة خلال نوفمبر الماضي  المنتخب الوطني يواجه نظيره السعودي   مصادر: مقتل "امرأة" وحفيديها في حي سعوان بصنعاء "القيادة الرئاسي" يوجّه بعودة جميع مؤسسات الدولة للعمل من عدن "الصحة العالمية": اليمن سجل أعلى معدل إصابة بالكوليرا عالميًا خلال العام الجاري "أمهات المختطفين" تقول إنّ 128 شخصًا على الأقل توفوا تحت التعذيب في سجون الحوثيين مقتل شاب برصاص مسلحين في أحد شوارع صنعاء مليشيا الحوثي تطلق سراح 2 من قتلة الشيخ "أبو شعر" وقبائل إب تتوعد بالتصعيد
بلال الطيب

صحفي يمني

  حِصَـار الجُـمهـوريـة (1)  

الأحد, 27 يناير, 2019 - 03:14 مساءً

بعيداً عن «العُقدة اليـَزنية»؛ كانت مَلحمة «السبعين يوماً» انتصاراً يمنياً خالصاً، وامتداداُ طبيعياً لتأكيد هويتنا الوطنية، وإعادة إعلام الناس بتفاصيلها، يُشكل تجذيراً للثورة، وتأصيلاً للوعي لدى الأجيال، حتى لا تُصادر تلك الروح الـوثابة من الذاكرة والوجـدان، ذَهب الجميع لمقـارعة الجحيم، وأثبتـوا بـ «أفواه البنادق»، أنَّ صنعاء «1968» غير صنعاء «1948»، فيما شعار «الجمهورية أو الموت» يأتي هادراً من خلف دخان الرصاص.
   
القضية اليمنية كانت حاضرة في مؤتمر القمة العربية بالخرطوم، الذي عُقد أواخر «أغسطس» من العام «1967»، بعد نكسة «حزيران»، وكان من قراراته تشكيل لجنة ثلاثية من العراق والمغرب والسودان، تشرف على وقف الإمدادات السعودية لـ «الملكيين»، وعلى انسحاب القوات المَصرية المساندة لـ «الجمهوريين»، وإجراء استفتاء شعبي يُقرر فيه اليمنيون النظام الذي يرتضونه، تُشكل على إثره حكومة ذات قاعدة عريضة، ومن جميع الأطراف.
   
لم يكن «الجمهوريون» و«الملكيون» راضون على تلك الاتفاقية، ففي «8 سبتمبر» من ذات العام أعلن الرئيس عبدالله السلال بأنه لن يلتزم بها، لأنه يعتبرها مثل اتفاقية «جدة 1965» السابق فشلها، وفي ذات اليوم أعلن من بيروت الأمير الحسن بن يحيى حميد الدين رئيس وزراء «الملكيين»، بأنهم لا يعتبرون أنفسهم طرفاً في تلك الاتفاقية، حتى ينسحب المصريون من الأراضي اليمنية.
  
موقف الرئيس السلال أحدث شرخاً في العلاقات «اليمنية - المصرية»، زاد اتساعه حين رفض مجيئ تلك اللجنة، وبمجرد وصولها إلى صنعاء «3 اكتوبر 1967» بطائرة وحماية مصرية، حرض الشارع عليها، فخرجت الجماهير غاضبة بمظاهرة عارمة من المستشفى «الجمهوري»، تعرضت المسيرة لحظة وصولها إلى مقر «القيادة المصرية» لإطلاق نار، أدى إلى سقوط مجموعة من المتظاهرين بين قتيل وجريح، تطور الأمر إلى اشتباكات بين قوات مصرية وقوات يمنية، قتل فيها حوالي «30» جندياً مصرياً، وقيل أكثر من ذلك.
  
عادت «اللجنة الثلاثية» أدراجها، واكتفت بالمراقبة عن بُعد، ووصل من استهزاء رئيسها محمد محجوب، أن خاطب محسن العيني بالقول: «هل أنا رئيس وزراء السودان أم اليمن، وإني لا أتساءل ما هي هذه اليمن وماذا تساوي؟!!».
  
ترجع التمهيدات الأولى لحصار صنعاء، إلى شهر «أغسطس1967»، حيث قامت مجاميع  ملكية بقطع طريق «الحديدة ـ صنعاء»، تم تجميع قوات عسكرية وشعبية لمواجهتها، نجحت في طردها، لتبقى تلك القوات في تأمين ذلك الطريق، حتى بداية الحصار الفعلي.
   
قامت «القوة الثالثة» بحركة «5 نوفمبر 1967»، أعتبر البعض أنها جاءت تنفيذاً لقرارات وتوصيات مُؤتمر الخرطوم السالف الذكر، واجتمع لمواجهة ذلك قادة سياسيون وعسكريون، وبعض قادة التكتلات الحزبية، سُر «الملكيون» لتلك التباينات، وفسروه بـ «الانشقاق الخطير»، وبالفعل أجادوا استغلاله، ساعدهم في ذلك انسحاب القوات المصرية، ومعها كل أسلحتها ومعداتها، ومغادرة الخبراء «السوفيت»، وضعف الجيش الجمهوري، وعدم إمداده بالسلاح والذخائر.
  
أورد محسن العيني ـ رئيس الوزراء حينها ـ في احدى شهاداته أن جمال عبد الناصر قال له: «لا تشددوا فنحن في ظروف عصيبة، وكل شيء يتوقف على شعبكم وقواتكم المسلحة»، كما أورد أحد الثوار المفرج عنهم من المعتقلات المصرية، بموجب اتفاقية الخرطوم السابق ذكرها، أنَّ عبد الناصر التقاهم بالقاهرة، ونصحهم بمصالحة «الملكيين»، وحين رآهم أكثر حماساً، قال ناصحاً: «احمدوا الله على سلامة رؤوسكم، ماذا تعملون وأنتم بعدد الأصابع، بينما الجيش المصري بكل عدته وعدده لم يحقق الغرض المنشود».
  
يؤكد البعض، أن استعدادات «الملكيين» كانت قد بدأت من قبل، وذلك حين أكتفى المصريون بحماية مثلث «صنعاء- تعز- الحديدة»، بخطة عسكرية أحذت اسم «النفس الطويل»، وهي الخطة التي أعطت بيت «حميد الدين» ومرتزقتهم فرصة كبيرة لتركيز وتكثيف أنشطتهم بين صفوف القبائل، وذهب علي محمد هاشم نائب رئيس هيئة الأركان حينها أبعد من ذلك؛ واتهم القيادة المصرية بأنها لم تترك الجيش اليمني بعدده وأسلحته ونظامه، لأنها لم تكن لها نية جادة في بنائه، وأن أبناء هذا الشعب يعرفون هذه الحقيقة جيداً.
   
كان محمد بن الحسين المُحرك الفعلي للملكيين، فيما توارى محمد البدر، عقدوا مؤتمر «الخزائن»، ثم نقضوا اتفاقية وقف إطلاق النار التي وقعت في «5 أغسطس»، وجددت في «13 نوفمبر 1967» من ذات العام، وبدأت جحافلهم المتوحشة قفزاتها من أقصى الشمال، وبالمال والسلاح والترغيب والتخويف استطاعوا الدخول إلى مناطق عديدة، في البدء سقطت صعدة، وحوصرت حجة، ورويداً رويداً بدأ الضغط يقترب على صنعاء أكثر فأكثر.
  
تكفل بـوضع خطة الهجوم، التي أسميت بـ «الجنادل»، عدد من كبار القادة العسكريين الأجانب، كان يطلق عليهم «المغامرون في حرب اليمن»، وعلى رأسهم الجنرال اليهودي الأمريكي بروس كندي مستشار الإمام البدر، والخبير
 
البريطاني ديفيد سمايلي، والميجر بنكلي، وبيلي ماكلين، والفرنسي بوب دينار، صاحب شعار: «وكانت هنا جمهورية»، ولهذا الأخير تصريح صحفي أعترف فيه أن اسرائيل دعمت القوات الملكية بأسلحة نوعية، أنزلت لهم عبر المظلات.
   
صحيفة «سلاح الجو الإسرائيلي» أكدت ذلك؛ نقلاً عن طيارين إسرائيليين شاركوا في تلك العملية، التي أعطيت اسم «صلصة»، ونشرت وثائق سرية عنها، وصوراً لبعض الطيارين الإسرائيليين، وبعض من أسمتهم موالين للبدر، وبحوزتهم ذاك السلاح، ومن مفارقات القدر أن الرئيس السابق علي عبدالله صالح قام بتكريم هذا المرتزق الكبير، ومنحه وساماً من الدرجة الأولى.
  
تلخص هدف «الجنادل» في السيطرة على صنعاء من خلال حرب سريعة وخاطفة لا تتعدى الأيام الأربعة، تُمهد بقطع طرق الإمداد والتموين، والانقضاض السريع على المواقع العسكرية، والضرب الشديد بالمدفعية الثقيلة، ومن ثم الهجوم من أربع جهات، محور شرقي بقيادة قاسم مُنصر، وغربي بقيادة احمد بن الحسين، وشمالي بقيادة علي بن إبراهيم، وجنوبي بقيادة ناجي الغادر، ومع كل محور عدد من الخبراء الأجانب، للتعامل مع الأسلحة المُعقدة، التي لا يعرف الملكيون استخدامها، فيما كانت جميع هذه المحاور تحت قيادة وإشراف محمد بن الحسين الذي استقر في حدة لمدة «40» يوماً.
  
تم حشد حوالي «70,000» من رجال القبائل، و«10,000» جندي نظامي، إلى جانب قوات عسكرية تجمعت من «بلجيكا، وفرنسا، وأمريكا، وإيران، وإسرائيل، وجنوب أفريقيا»، وحوالي «300» ضابط من المرتزقة الأجانب، فيما تكفلت المملكة العربية السعودية بدفع «300» مليون دولار، ومن بيروت صرح ناطق جمهوري، بأن السعودية مستمرة بدعمها لـ «الملكيين»، على الرغم من تحقيق انسحاب القوات المصرية، حسب اتفاقيتي جدة والخرطوم.
 
كما قامت بريطانيا بتسليح حوالي «20,000» من أبناء القبائل، وأذاع راديو لندن حينها أن «الملكيين»  زودوا بأكبر صفقة سلاح، قدرت قيمتها بـ «400» مليون جنيه استرليني، بالإضافة إلى المئات من سيارات «الوانيتات» السريعة، الامريكية الصنع.
   
كانت التجمعات الجمهورية مُفككة الأوصال، ما أن اقترب الخطر حتى أخذت تتقارب وتتجانس، لم يُترك للثرثرة السياسية مجالاً، وعلى الفور فُتحت المخازن، ووزعت الذخائر، وبدأ التدريب الميداني في ساحات المدارس، والمعسكرات، كما تحركت النخب السياسية تؤكد الرغبة في السلام، وتطلب العون من أصدقاء الجمهورية، وتُشهد العالم على عدالة القضية.
   
لعبت الدبلوماسية اليمنية دوراً لا يستهان به، خاصة وأن سقوط صنعاء كان متوقعاً، وحين دخل حسن مكي وزير الخارجية، في نقاش حاد مع محمد محجوب رئيس «اللجنة الثلاثية»، رد عليه الأخير: «يا ابني الله يصلحك أنت لا تزال شاباً أما نحن فمهمتنا هي العمل على إنقاذ الأرواح، وإنقاذ ما يمكن إنقاذه»، تدخل حينها السفير السعودي في بيروت، وقال عبارته المستفزة للوفد الجمهوري: «دعوكم من هؤلاء؛ غداً سيسحلون في شوارع صنعاء».
  
كان هجوم الملكيين الأول على جبل «حروة»، القابع على البوابة الرئيسية التي تربط العاصمة بثلاث طرق رئيسية «سنحان ـ خولان ـ بني بهلول»، سارعت حينها «قوات شعبية» بقيادة الشيخ عبد الله بن حسين الأحمر لاستعادته، بمساعدة مجاميع من قوات الصاعقة، قادمة من مدينة معبر، انسحبت القوتان من شدة القصف، وهكذا تحقق للملكيين «24 نوفمبر 1967» احتلال الجبل، وقطع طريق «صنعاء- تعز»، وقد اتهم الشيخ الأحمر القبائل المحيطة بذلك الجبل، بخذلانهم للجمهورية، وتنكرهم لجميع الاتفاقيات المبرمة سلفاً.
  
تقدم «الملكيون» دون مقاومة إلى مشارف صنعاء، وتمركزوا في «دار الحيد، ودار سلم، وحزيز، وأرتل»، لتعطى في اليوم التالي الأوامر للقوات المتواجدة في طريق «الحديدة ـ صنعاء» بسرعة الانسحاب، كي لا ينفرد بها الملكيون القادمون من ذلك الاتجاه، والأهم من ذلك، تعزيز قوى الدفاع عن العاصمة من الداخل، في خطة مغايرة لما حدث في «مارس 1948».
 


اقرأ ايضاً 

كاريكاتير

بلال الطيب