صالح والحوثي.. الطلاق البائن
السبت, 16 سبتمبر, 2017 - 04:54 مساءً
كان الحبل الرابط بين الحوثيين وجناح المؤتمر التابع لعلي عبد الله صالح مليء بالعقد التي تزداد عدداً وتعقيداً حتى أوشك على الإنقطاع. لقد وصلا الى نهاية النفق ومفترق الطرق. الحقيقة أن حبل التحالف بينهما طال بشكل أكثر مما كنا نظن لكن ذلك ليس راجعاً الى التفاهمات والقواسم المشتركة بين الصديقين اللدودين بل الى خفض المؤتمر لرأسه بشكل مقصود أمام العاصفة الحوثية، وهذه هي الهواية الحوثية دائماً.
عند أول محاولة من علي صالح لاستعادة نشاطه القيادي تفجر الخلاف بينهما، حتى أنه لم يعد اللعب على وتر مواجهة العدوان كافياً لاستمرار التحالف. لم يكن ذلك مفاجئاً فقد انتظرناه كثيراً وكنا على ثقة بوقوعة. لقد برع الشارع اليمني في توصيفه حين شبهه بدوري كرة القدم، وتداول على نطاق واسع أن الحوثيين وعلي عبد الله صالح تأهلا الى المبارأة النهاية ولا بد أن يفوز أحدهما على الآخر بمبارأة مؤجلة ونهائية، كان ذلك بعيد نجاح الإنقلاب وقبل عاصفة الحزم.
الحركة الحوثية باعتبارها أيديولوجية دينية ترى في نفسها من النقاء ما يجعلها تقرب نفسها من الله لدرجة أن تسمي نفسها أنصاره، فهي بذلك لا تقبل الآخر إلا بعد صبغه بصبغتها هي. والمؤتمر كغيره من القوى الوطنية هو "آخر" بالنسبة للحوثيين إلا ما أمكن تحويثه منه. يعرف كل من المؤتمريين والحوثيين في المستويات العليا والقواعد مدى الإختلاف في الأساسيات بينهما لذلك ظل التمايز بينهما واضحاً طوال فترة التحالف. فقد ظلت قواعد المؤتمر تراهن على قدرة "الزعيم" على استعادة زمام الأمور والإنقلاب على الحوثيين في الوقت المناسب. وراهن الحوثيون على قدرتهم على انتزاع ولاء المؤتمريين لصالحهم بالذات في مناطق التوافق المذهبي، وكل يتربص بالآخر.
يكذب صالح والحوثيون عندما يقولون أن تحالفهما جاء بسبب "العدوان" والحقيقة أنه حدث قبل تدخل التحالف العربي. وكان سببه الرئيس هو كره صالح الإنتقامي لثورة فبراير وشبابها، وكره الحوثيين العقيدي لحزب الإصلاح. بالإضافة الى أن كل منها يعتبره خطوة تكتيكية للعودة للحكم. حتى وأن بدا أن سبب تحالفهما واحد إلا أنه لا مجال للشك في أن لكل منهما أهدافه الخاصة. فعلي صالح يهدف الى تحميل الحوثيين المسؤولية المستقبلية للحرب في البلاد لذلك كان يصر في خطاباته على أن الجيش جيش الدولة وهو تحت سيطرة الحوثيين وأنهم من يقاتلون به داخلياً وخارجياً، أي أنه يتخفى ورائهم. بينما يجد الحوثيون في مؤتمر صالح بحجمة الشعبي الكبير ما ينقصهم لتعويض نقصهم العددي لحشد المقاتلين. لذلك كانوا ينظرون إليه كفئة مثالية ومستهدفة لعملية التحويث و الحشد أولا والسيطرة من خلاله على مناطق اللانفوذ الحوثي ثانياً. فلم يكن السيطرة على محافظة كإب مثلا بدون أدوات مؤتمر علي صالح ممكنة أصلاً.
أدى تأخر الحسم وغموض أهداف التحالف العربي الى تآكل الشرعية وأدى نفس السبب الى إعطاء الحوثيين فرصة كافية لتحويث عددٍ كبيرٍ من المؤتمريين، حتى انسحبت خيوط اللعبة من يد علي عبد الله صالح وفاتَه القطار - بحسب تعبيره الشهير- لاستعادة السيطرة. لقد أصبح علي صالح ضعيفاً للغاية وغير مثير للشفقة في نفس الوقت . لقد بدا ذلك واضحاً في مقابلته الأخيرة إذ أصر على قول عكس ما تنبئ به صورته الشاحبه والأحداث الأخيرة مع الحوثيين.
أكاد أجزم أن التحالف العربي استسلم أخيرا لشروط صالح، ووضع ترتيبات مشتركة لا تتضمن بالضرورة عودته الى الحكم ولكن تقضي حتماً بالتخلص من الحوثيين. وذلك هو ما شجع صالح على حشد التظاهرة الأخيرة في السبعين. ليس ذلك مجرد خيال، لكن النظر الى سير الأمور تنبئ بذلك. فالمعارك في كل الجبهات موقفة تماماً ولم يعد طيران التحالف قادرا على إيجاد أهدافا ليضربها، وتحركات وساطة الأمم المتحدة ومساعيها معلقة الى أجل غير مسمى والوضع المعيشي والصحي لملايين اليمنيين يزداد سوءاً.
يثق الحوثيون بأيديوجيتهم أكثر من مصالحهم المرحلية، لذلك لم يعتبروا صالح حليفاً لهم إلا بقدر خضوعه لهم وعند قيامه بتسليم أدواته لهم. وعند أول محاولة منه لاستعادة شخصيته استعادوا شريط ذكرياتهم معه من جديد فبدأوا بلف الحبل حول عنقه. وسواء فعلوها الآن أم تمهلوا قليلا فسيقومون بسحقه حتماً. إنها المبارأة النهائية ولا بد من فائز واحد فقط.
ذلك الحدث الحتمي سيكون انتحارا للإثنين معا. فالمهارة السياسية لصالح تعتمد على التحول التدريجي والمتصاعد في خطابه لا التغير المفاجئ والصادم. وهذا يمكنه من الإنتقال من موقف معين الى ضده مع المحافظة على شعبيته ومناصريه بل يتمكن من تغيير مواقف أنصاره أيضاً. أن قدرته على تحويل توجه جمهوره من الشيء الى نقيضة هو الذي اقنع جناحه في المؤتمر أن الحوثيين أصدقاء، وهو الذي مكن الحوثيين من تحويث كم كبير من المؤتمريين وإحياء الافكار التأريخية للولاية والإمامة. وعند زوال صالح سيصحوا أنصاره من نومتهم، ويزول مبرر اعتبار الحوثيين أصدقاء.
لقد بدأ التغير الصالحي بالفعل، ففي حديثه بالفترة الأخيرة حول المليشيات الحوثية وملازم حسينهم وفساد مشرفيهم دلائل كافية على ذلك. كما أن صالح كان قد أبقى لنفسه خط رجعة، فهو لم يتخل عن خطاب الثورة والجهورية رغم ثبوت خيانته لهما، وها قد بدأ الحوثيون بإظهار ما كنا نعلمه تماماً و كانوا يخفونه لسنوات عن الولاية والإمامة.
إن عدم ثقة الحوثيين بصالح سيجعلهم يراقبون تحركاته بدقة، وستؤدي حقيقة شكهم به ووهم اقتراب النصر الى قتله. سيطوفون بجثمانه حول قبر سيدهم المعاد بناءه. ستمثل هذه اللحظة الأكثر استفزازاً لمشاعر المؤتمريين، لينتهي بها شعبياً التحالف الإنتقامي بينهما. وسيعود المؤتمريون الى الثورة والجمهورية، وستتحرر محافظات بدون حرب ويبدأ السقوط المدوي للحوثيين فكراً وتنظيماً.
*نقلاً عن المصدر أونلاين