الأخبار
- تقارير وتحليلات
300 طن مساعدات طبية خلال شهر.. أموال المانحين بين نهب الحوثيين وفساد المنظمات
العاصمة أونلاين/ نبيل صلاح/ خاص
الإثنين, 08 يونيو, 2020 - 12:09 صباحاً
جمعت الأمم المتحدة 1.35 مليار دولار خلال مؤتمر المانحين لليمن 2020 الذي حشدت له السعودية وعُقد افتراضياً في الرياض الثلاثاء، وتقول إنه نصف الرقم المبتغى لتمويل العمل الانساني في اليمن.
وخلال المؤتمر تعهدت السعودية بمنح نصف مليار دولار لدعم العمل الانساني في اليمن وتعهد بقية المانحين الدوليين بتقديم مبالغ متفاوتة، بينما أحجمت بقية دول الخليج ولم تقدم دولاراً واحداً لدعم اليمن.
وكسابقاته من المؤتمرات المخصصة لتمويل العمل الانساني في اليمن، ودفع المعونات المتوالية، تخطر لليمنيين كأرقام عبر وسائل الإعلام دون أن يجدوا على أرض الواقع أداء ملموس، سوى نسبة هامشية ومحدودة لا تفي بالحاجة المطلوبة، وهو ما فاقم حالة عدم الثقة بين المنظمات والوكالات الاغاثية والمجتمع اليمني من جهة، والمانحين والمنظمات الدولية من جهة أخرى وفقاً لمراقبين.
وانعكست حالة عدم الثقة بين المانحين والمنظمات على فشل مؤتمر المانحين بالرياض، في تحقيق السقف المطلوب الذي أعلنت عنه الأمم المتحدة لمواجهة متطلبات العمل الانساني في اليمن، وهذا بخلاف موقف الإمارات والتي رغم إنها العضو الثاني في تحالف دعم الشرعية اليمنية الذي تقوده السعودية، لم تمنح اليمن درهماً واحداً ضمن هذا المؤتمر، وتتمسك بموقف عدائي من الحكومة اليمنية، كما لا يعنيها دعم جهود السعودية في اليمن بقدر ما تركز جهودها في دعم المتمردين الانفصاليين في جنوب البلاد والمضي في مشروعها الذي يستهدف تقسيم اليمن.
توظيف "كورونا" والوضع الانساني
واستبقت الأمم المتحدة انعقاد مؤتمر المانحين الافتراضي 2020 في العاصمة السعودية الرياض، بتحذيرات على لسان الأمين العام للأمم المتحدة انطونيو غوتيريس والمسؤولين الأممين عن العمل الانسانية في اليمن من تداعيات نقص التمويل على استمرار العمل الانساني في اليمن خاصة مع تفشي وباء كورونا المستجد في البلاد.
منسقة الأمم المتحدة للشؤون الانسانية في اليمن ليزا غراندي أعلنت السبت الماضي، إن الأمم المتحدة مضطرة لإغلاق 41 برنامجاً رئيسياً لها في اليمن منها30 برنامجاً سيجري اغلاقها في الأسابيع المقبلة نتيجة نقص التمويل، وقالت إن كورونا ينتشر في اليمن دون رادع والوفيات بلغت 20 بالمئة وهو رقم عالي مقارنة بمعدل الوفيات عالمياَ الذي يبلغ 7 بالمئة.
في تعليقه على التحذيرات الأممية من نقص التمويل على العمل الانساني، وصف الصحفي مأرب الورد المنظمات الأممية بإنها تشبه "الشحاتين" وتتسول باسم الوضع الانساني في اليمن، وقال إن هذه المنظمات جمعت العام الماضي 3.6 مليار دولار، والعام الحالي حصلت على 15% و 1.35 مليار دولار من مؤتمر المانحين الثلاثاء الماضي، كنفقات للعمل الانساني الـ6 الأشهر القادمة.
ولفت في حديثه لـ"العاصمة أونلاين" الى أن ما حصلت عليه الأمم المتحدة لتمويل العمل الانساني في اليمن منذ 2015 يبلغ 8.35 مليار دولار والنتيجة: لا زلنا أكبر أزمة إنسانية بالعالم، مشيراً الى إن مليشيات الحوثي المستفيد الأكبر من العملية الاغاثية والانسانية كون مكاتب المنظمات الأممية لازالت بصنعاء والحوثي يتحكم بها، حيث تصل طائرات المساعدات الأممية الى صنعاء اسبوعياً، والتي تتعرض لنهب واسع دون أن يجري توزيعها بعدالة.
غياب الشفافية
وفي ظل الحرب المستمرة، تبرز جملة من الاختلالات التي تقوض سلامة العملية الإغاثية والانسانية وتدفع اليمنيين للتساؤل عن مصير أموال المانحين، حيث يرى الصحفي المهتم بالشؤون الانسانية والحقوقية همدان العليي، أن غياب الشفافية في العمل الإغاثي والانساني الذي تمارسه المنظمات والوكالات الإغاثية في اليمن يأتي في طليعة المآخذ على أداء المنظمات، ما أدى لبروز حالة من عدم الثقة بين المجتمع اليمني والمنظمات والوكالات الاغاثية.
وقال العليي في تصريح خاص لـ"العاصمة أونلاين" إنه يندرج تحت غياب شفافية العمل الاغاثي، تسرب جزء كبير من الأموال الممنوحة للعمل الاغاثي والانساني لصالح عاملين في المنظمات والوكالات الاغاثية، ولصالح سماسرة بين المنظمات والمستفيد، ولصالح مليشيات الحوثي التي تسيطر على مناطق واسعة يتركز فيها عمل المنظمات.
ولفت إلى نهب وفساد كبير وممنهج تمارسه مليشيات الحوثي في مناطق سيطرتها بملف المساعدات الانسانية، ويجرى بتواطؤ من المنظمات الإغاثية.
ونوه الصحفي العليي الى أنه "حينما ننتقد غياب الشفافية والأخطاء التي ترافق العمل الاغاثي الذي تقوم به المنظمات الأممية والدولية في اليمن، فإننا لانقصد من ذلك المطالبة بوقف تسليم المساعدات لهذه المنظمات، وإنما نطالب المنظمات نفسها بإعمال مبدأ الشفافية وتجويد العمل الإغاثي والرقابة على وصول المعونات الى مستحقيها"، مشيراً الى ضرورة تدفق المزيد من المساعدات لليمن في ظل الوضع الانساني المتردي.
وأوضح أن ما حدث مؤخرا، إن بعض الدول المانحة امتنعت عن تقديم أموال مساعدات لليمن، كون المنظمات الأممية والدولية العاملة في اليمن لا تضمن وصول المساعدات للمواطنين بشكل مباشر، حيث تحرص المنظمات على أخذ هذه المنح وتخصيص جزء كبير منها تحت تبويب المصروفات التشغيلية، ومن تسليم بقية المساعدات، إما لمنظمات محلية وسيطة تتبع مليشيات الحوثي، أو لأجهزة ومؤسسات حكومية خاضعة لسيطرة الحوثي، ويتوقف دور المنظمات، ولا تستطيع التحقق مما إذا وصلت هذه المساعدات للمحتاجين ام لا.
وأشار الصحفي العليي الى أن جزء كبير من المعونات التي تقدمتها منظمة الصحة العالمية وبرنامج الغذاء العالمي تذهب لدعم العمليات الحربية لمليشيات الحوثي التي تقاتل الحكومة اليمنية رغم علم المنظمتين بذلك، مشيراً الى أن هذه الوقائع لم تعد خافية ولعل أبرز ذلك استخدام سيارات الإسعاف المقدمة من الصحة العالمية لنقل المقاتلين الحوثيين الى الجبهات، وضبط كميات من أصناف المعونات المقدمة من الغذاء العالمي في بعض جبهات الحوثيين منها جبهة صرواح، بالإضافة الى ما يجري بيعه في الأسواق من تلك المساعدات.
وقال إن اليمنيين فقدوا الثقة بالمنظمات؛ لأنها ايضا تتواطأ مع فساد الحوثيين ولا تحرص على كشف عمليات النهب الممنهج للمساعدات وإعاقة وصولها الآمن لمستحقيها، كما نوه الى ضعف الدور الرقابي للحكومة اليمنية والمانحين والمجتمع على السواء في ظل غياب منظومة مكافحة الفساد.
أما عن تبديد المنظمات للأموال في مصروفاتها التشغيلية، فتعطينا ريم محمد صورة من صور هذا الفساد من واقع اطلاعها الشخصي، وتقول: "عملت في مشروع (الحوالات النقدية الطارئة) مع اليونيسيف عبر أحد البنوك اليمنية، طاقم اليونيسيف بصنعاء يتحرك الصباح من أثيوبيا عبر طائرة خاصة ويداوم في صنعاء حتى الخامسة مساء، ثم يعود إلى أثيوبيا، وهكذا لمدة 28 يوم من كل ثلاثة أشهر، تكلفة الطائرة 50 ألف دولار في اليوم الواحد".
فساد أممي حوثي مشترك
تواصل المنظمات التابعة للأمم المتحدة العمل بكامل ثقلها في العاصمة صنعاء التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي الانقلابية المدعومة من ايران، وتصل المساعدات التي تقدمها عبر مطار صنعاء تباعاً بعملية شبه اسبوعية، لكن عملية توزيع تلك المعونات تجري بعيداً عن الآليات المهنية التي تضمن العدالة في توزيعها ووصولها الى مستحقيها، وتٌسلم غالباً لمليشيات الحوثي كسلطات أمر واقع أو كمؤسسة تقوم بدور الشريك المحلي، علاوة على كون أغلب موظفي الوكالات الإغاثية منتسبين لجماعة الحوثي.
وفي هذا الصدد، تتّبعَ "العاصمة أونلاين" حركة الملاحة عبر مطار صنعاء خلال مايو الماضي (المطار مغلق باستثناء طائرات الاغاثة)، حيث وصلت خمس طائرات منها طائرة تابعة لمنظمة الصحة العالمية في بداية الشهر، كما وصلت طائرة تابعة للصليب الأحمر في 5 مايو، وطائرة تابعة لمنظمة أطباء بلا حدود في 7 مايو، وأخرى تابعة للصليب الأحمر في 11مايو، وأخرى تابعة لليونيسيف في 27 مايو، ومجملها تقل كميات كبيرة من المعونات المتنوعة أغلبها مستلزمات طبية لمواجهة فيروس كورونا.
وفي الشهر ذاته، وصلت 6 طائرات بحمولة 300 طن من المعدات الطبية التي تحتوي قرابة 200 جهاز تنفس صناعي و 550 سرير طبي مجهزة، وهذه الكميات تقدم باعتبار توزيعها سيجري لكل المحافظات اليمنية، لكن دور المنظمات توقف على تسليم تلك الكميات لمليشيات الحوثي وتنصلت عن الرقابة على آلية توزيعها.
وبدورها تستولى مليشيات الحوثي على القدر الأكبر من تلك المعونات وتحرم مستحقيها، ومايجري توزيعه نسبة ضئيلة لا تشكل فرقاً في التخفيف من وطأة الوضع الانساني المتردي، بينما تقوم المليشيات بتحويل كميات من تلك المساعدات لصالح عملياتها القتالية ضد الحكومة الشرعية وخصخصة الجزء الآخر أو توزيعه على موالين للجماعة.
ورغم إن الكمية الكبيرة من المعونات التي تسلمتها مليشيات الحوثي خلال مايو الماضي عبر مطار صنعاء، مخصصة لمواجهة فيروس كورونا الذي تفشى في البلاد خاصة في العاصمة صنعاء، فإن هذه المليشيات امتنعت عن اتاحة تلك المعونات لإسناد القطاع الصحي في مواجهة تفشي الوباء والتخفيف من انتشاره، حيث امتلأت مراكز العزل وباتت مستشفيات العاصمة غير قادرة على استقبال المزيد من الحالات نتيجة نقص الأسّرة وشحة الأدوية، وهو ما فاقم معدل الوفيات.