الأخبار
- تقارير وتحليلات
(دراسة خاصة) قضايا اليمن الإنسانية.. وكيف تبدو في الإعلام الغربي (الحلقة الأولى)
العاصمة أونلاين- خاص/ إعداد/ مصطفى الشامي
الخميس, 19 يوليو, 2018 - 05:19 مساءً
يظهر الإعلام الغربي وبالأخص منه الأمريكي - البريطاني كفاعل رئيس ومؤثر في قضايا عدة من بلدان الشرق الأوسط وبالأخص قضايا المنطقة العربية وصولا الى القضية اليمنية وما يتعلق بها داخل المؤسسات ذات التأثير العالمي والدولي مثل الأمم المتحدة ودوائر صنع القرار في البلدان الكبرى وغيرها من الجهات الفاعلة.
يأتي هذا بعد هيمنة سابقة لمؤسسات الإعلام الغربي على معظم أدوات الفعل السياسي في البلدان الغربية، وبعد سيطرة شاملة على ذهنية المواطن الغربي المتلقي لضخ معلوماتي هائل على مدار الساعة وعبر وسائل وقنوات عديدة تتعمد في تناولها بتر الحقيقة وتقديمها بصورة مغايرة لما هي عليه في الواقع ووفقا لما تبدو عليه الأجندات السياسية التي تقف خلف عملية التزييف هذه.
ويحضر الإعلام الغربي في القضية اليمنية على نحو يعكس حجم الرغبة لدى صناع القرار الغربي في أن تظل الأحداث في اليمن منطلقا لفرض أجنداتهم وتوسعة مساحة تصفياتهم التأريخية مع المملكة العربية السعودية كبلد يمثل قبلة لكل العالم الإسلامي, كل ذلك جعل سياسة الإعلام الغربي تقف على شق واحد من كافة ما يحدث في اليمن، وحتى يومنا هذا.
فلا نجد الإعلام الغربي-على سبيل المثال- يستند في تناولاته على معطيات ما قبل عاصفة الحزم كحيثيات يتم البناء عليها لما أعقبها من أحداث، وما يزال يتجنب إدخال هذا الزمن وتداعياته ضمن تغطياته الإعلامية، بل يقفز مباشرة الى ما بعد اسقاط الدولة بكل مؤسساتها، ويرسم سياساته الإعلامية تجاه ما يجري في اليمن بناء على ما يروق له، ويصف في خدمة الأهداف المطلوب تحقيقها على حساب القضية اليمنية.
المجتمع الدولي وحدة متكاملة وما تعبر عنه آلة الإعلام العالمية وبالأخص منها الأمريكية أو البريطانية يغدو قناعة تسري في كل أروقة الأمم المتحدة والمؤسسات الأممية، وحين يصعب إخراج هذه القناعة وفقا للصورة المطلوبة في الخطة "أ" يتم تقديمها عبر القوالب انسانية لتصبح عملية الوصول الى الأهداف والغايات المطلوبة أمرا بالغ السهولة, في وطن مثخن بالكوارث، فتحضر مرة باسم الكوليرا، وأخرى باسم الحصار، وثالثة باسم المجاعة وغيرها من مظاهر وتجليات الكارثة الأم ممثلة في انقلاب المليشيات الحوثية وحليفها صالح آنذاك على الشرعية وأسس الدولة والنظام العام.
وبغض النظر عن المستوى الذي يظهر عليه انحياز وسائل الإعلام الغربية وما إذا كان يوجد خلفه غرض سياسي أم لا، وأيا كان مستوى التشويه الذي أحدثته تلك الوسائل بحق أكثر القضايا عدالة، ووضوحا، فليس ثمة من يتحمل مسؤولية ذلك سوى الجهات الرسمية المعنية، والتي يقع على عاتقها واجب توضيح الصورة وكشف ما تتعرض له القضية اليمنية في مساحات الإعلام العالمي من تشويه، وتحريف، وتظل مجموعة الوزارات الخمس" الإعلام - حقوق الإنسان - الخارجية - التخطيط والتعاون الدولي - المغتربين" ذات علاقة مباشرة بالأمر كونها تمثل الشرعية الدستورية والقانونية وهي المخولة أيضا بالتعامل مع مثل هذه المعضلات، ومنوط بها التحرك والسعي لإظهار حقيقة المشهد، وطبيعة الصراع، والعمل على تعديل مسار التناول الإعلامي فيما يخص قضايا اليمن الحقوقية والإنسانية , حيث يشكل استمرار هذا القصور خطرا يفاقم المشكلة بشكل أكبر في المستقبل كما أنه – أي هذا القصور - يكشف عن حجم الضعف الذي يتشكل داخل دوائر الفعل السياسي والاجتماعي اليمنية خاصة تلك التي لها ارتباط بالعالم الخارجي، وتعيش حالة مؤسفة في مجال العلاقات التي تربط اليمنيين كأفراد أو مؤسسات مع الجانب الغربي باستثناء بعض الجهات التي تعمل في صالح الانقلابيين.
حقائق ممنوعة من الظهور
آخر احصائية تم الوقوف عندها حول قضية المختطفين والمخفيين قسرا تقول إن هنالك ما يقارب ثمانية عشر ألف معتقل امتلأت بهم سجون مليشيات الحوثي، ويتعرضون لصنوف شتى من التعذيب الجسدي، والنفسي وبأساليب مروعة يتم إعمالها بشكل يومي على أجساد الآلاف الأبرياء.
وفي تقرير لرابطة أمهات المختطفين تؤكد الاحصائيات مقتل 108 معتقل تحت طائلة التعذيب, من بين هؤلاء المعتقلين رصدت المنظمة الوطنية للإعلاميين اليمنيين "صدى " في تقريرها الصادر في العام 2017 عشرون صحفيا تم اعتقالهم من منازلهم وأماكن عملهم بتهمة انتمائهم لبيئة العمل الصحفي، ولكونهم صحفيين لا أكثر، ويتعرضون لمحاكمات تعسفية وصلت بعضها الى الحكم بالإعدام كما هو الحال مع الصحفي عبد الرقيب الجبيحي الذي تم الإفراج عنه لاحقا ولم تكن تهمته سوى أنه صحفي.
هذه الحقائق الفظيعة من لم تتعاط معها وسائل الإعلام العالمي بالقدر المطلوب حتى اللحظة ولم تقف عندها, وعلى الرغم من المحاولات التي قدمها متطوعون كثر لإيصال رسالة هؤلاء المظلومين الا أن الإعلام الغربي ما يزال يغض الطرف عنهم، ويركز على جزئيات لا تكاد تذكر في مآسي اليمنيين.
تم رصد تفاعل كبير مع شخصية واحدة تعرضت لاختطاف من قبل جماعة الحوثي ظلت على إثرها بيانات منظمات ومؤسسات كبرى تابعة للأمم المتحدة تتوالى في إدانتها، ومثلها وسائل التلفزة والصحف الكبرى ومواقع التواصل، بينما رأيناها توقفت أو تغافلت عن الآلاف من المختطفين ممن يمثلون نخبة كبيرة من المجتمع اليمني في كافة المجالات والتخصصات لكنهم لم يحظو بواحد بالمائة مما حظي به أحد ناشطي الإنقلاب كهشام العميسي مثلا.
تقول احصائية أخرى أعدها فريق الرصد التابع للتحالف اليمني لرصد الانتهاكات للعام 2017 أن عدد المدنيين من الأطفال والنساء وكبار السن الذين تم قتلهم نتيجة القصف العشوائي في مدينة تعز من قبل تحالف الإنقلاب الحوثي - صالح وصلوا الى 5556 منهم 595 طفلا، و 288 من النساء , كل هذه الجرائم في مدينة يمنية واحدة فقط ما تزال تعاني ظروفا بالغة القسوة جراء الحصار المفروض عليها من قبل المليشيات الحوثية حتى اللحظة.
هذه الحقيقة وعلى الرغم من اتساعها إلا أنه يتم تغييبها في منابر الإعلام العالمي بينما تتحول حادثة مثل التي تعرضت لها الطفلة بثينة وأسرتها جراء قصف منزلها من قبل طيران التحالف العربي الى حدث عالمي شاركت فيه كبرى مؤسسات الحقوق في العالم ويتقدمها تلك التي تعمل ضمن المجموعة الأممية ورافق هذا الحدث هاشتاغ عالمي تم تسميته بعين الإنسانية بالإضافة الى الصور والفيديوهات والفلاشات والكتابات وغيرها من أنشطة المواقع الإلكترونية والعالم الرقمي, وأصبحت بثينة عينا للإنسانية لأن طيران التحالف العربي هو الذي فعل بها ذلك، أما مئات الأطفال الذين تقتلهم المقذوفات الصاروخية والقصف المدفعي الحوثي في العديد من المدن اليمنية فيتم تجاهلها وتبقى ممنوعة من الظهور لأنها لا تخدم سياسة التوجه الغربي الذي لا يسلط الضوء على أية حادثة الا حين يعتقدون أن للسعودية خيوطا فيها، وما عدا ذلك فهو بنظرهم خدمة مجانية يقدمها الإعلام الغربي في سياق ما يدعم التدخل السعودي في اليمن.
وفي تقرير أعدته سبع منظمات حقوقية في مقدمتها الهيئة الوطنية للدفاع عن حقوق الإنسان " هود" بعنوان "مأرب ... نار الحرب ورمضاء الصحراء " تم توثيق 10800 حالة انتهاك في محافظة مأرب فقط، كان منها 8989 حالة انتهاك ارتكبها الحوثيين في المدينة وشملت أرقاما كبيرة من مختلف الانتهاكات.
وفي شهر نوفمبر من العام 2017 أصدرت منظمة سام للحقوق والحريات - جنيف - بيانا توضح فيه حالة حقوق الإنسان في اليمن خلال شهر واحد فقط , تقول المنظمة أنها رصدت 617 حالة انتهاك مختلفة بواقع 297 حالة انتهاك تم ارتكابها من قبل جماعة الحوثي .
وصل الى محافظة مأرب أكثر من مليون نازح بعضهم تم تهجيرهم قسرا من أماكنهم ومناطقهم كما يشير التقرير الصادر عن منظمتا هود وشاهد الذي وثق لحالة حقوق الإنسان في محافظة مأرب للفترة ما بين 2014 الى 2017 , فهؤلاء النازحون يعيشون ظروفا صعبة من حيث المعيشة والحالة النفسية التي لحقت بهم جراء النزوح, فالمنازل لا تكاد تتوفر بالشكل الذي يتناسب ومستوى الدخل المادي لتلك الأسر وهو ما أجبر معظم هؤلاء الى السكن في خيام واللجوء الى بدائل لا تقيهم البرد ولا تمنع عنهم حرارة الشمس.
تظل جملة الحقائق هذه وغيرها كثير ممنوعة من الظهور في الوسائل الإعلامية الغربية نتيجة وجود فيتو غير معلن ألجم الإعلام الغربي وأعور عينه لكنه أيضا أوغر صدور الضحايا وأهاليهم وأوصلهم الى قناعات خلاصتها عدم الثقة بمهنية الإعلام الغربي في تناوله لكل قضايا الشرق العادلة.