الأخبار
- تقارير وتحليلات
عامان على انقطاع مرتباتهم..الموظفون في مناطق الحوثيين وجعٌ لا يُطاق (تقرير خاص)
العاصمة أونلاين - خاص
الاربعاء, 01 أغسطس, 2018 - 02:40 صباحاً
"قالوا به خبر على الراتب اليوم".. تلك كانت أخر كلمات، الموظف "منصور الرحبي"، أحد موظفي المؤسسة العامة للكهرباء، والذي توفي الأسبوع الماضي، جراء نوبة قلبية، بسبب الأوضاع المعيشية الصعبة، الناتجة عن انقطاع المرتبات للعام الثاني على التوالي.
هكذا روى أصدقاء وزملاء "منصور" اللحظات الأخيرة التي بدا فيها متسائلا عن الراتب، ومتفائلا بعد سماعه بأخبار تفيد بصرف نصف راتب، والذي تم تأجيله من رمضان إلى بعد العيد، بيد أن الوعود الحوثية التي تبخرت، جعلته يفقد وعيّه، ويغادر هذه الدنيا مظلوما، كحال الآلاف من الموظفين، في مناطق الحوثيين، والذين يعيشون الذكرى الثانية لغياب هلال مرتباتهم، ولسان حالهم يقول: إلى متى هذا الوجع؟
إذ تزداد معاناة الموظفين في العاصمة صنعاء، ومختلف المحافظات الخاضعة لسيطرة المليشيا الإنقلابية، يوم بعد أخر، تلخصت هذه المعاناة، في ارتفاع الأسعار بأشكال جنونية، واستمرار قطع مرتباتهم للعام الثاني على التوالي، دون أي بوادر تلوح بالأفق لعودته.
أغسطس 2016، كان أخر شهر استلم موظفو الدولة رواتبهم؛ والى اليوم لا تزال المليشيا الإنقلابية ترفض صرفها، متخذة من القرار الذي اتخذه الرئيس هادي، بنقل البنك، شماعة لرفض صرف المرتبات، والتي يمثل توقفها بمثابة توقف دورة الحياة.
وعلى الرغم أن القرار الذي اتخذه الرئيس هادي، في الــ 18 من أيلول/ سبتمبر 2016، والذي قضى بنقل المركزي من العاصمة صنعاء، إلى عدن، كان قد سبقه عجز الحوثيين عن سداد مرتب الشهر الذي سبق هذا القرار، والذي صادف حينها حلول عيد الأضحى؛ إلا أن المليشيا اتخذت هذا القرار ذريعة لاستمرار رفض صرف المرتبات لموظفي الدولة، في السلك المدني والعسكري، غير آبهين لتبعات هذا القرار على المستوى الإنساني للموظفين وأسرهم.
معاناة لا تنتهي
الحديث عن معاناة الموظفين في العاصمة صنعاء، لا تستطيع الكلمات أن تعبر عنها، أو تقدمها بالصورة الحقيقية، فمنهم من مات دون أن يجد كسرة خبز لأطفاله، وأخر توفي نجله وهو لا يستطيع شراء حبة الدواء، وثالث مات قهرا، بعد أن رأى أطفال ينامون وهم جياع ولم يستطع أن يقوم بتوفير احتياجاتهم الرئيسية، بعد انقطاع المرتبات.
فضلا عن بيع المئات منهم أثاث منازلهم، وعودة الآلاف منهم إلى الريف بعد أن عجز عن سداد إيجار المنزل، ناهيك عن تحول آخرين إلى الاشتغال في مهن عادية، كبائع للقات أو سائق للدراجة النارية، وهو أكاديمي في الجامعة، أو ضابط كبير في الجيش وغيره.
"علي محمد"، موظف في وزارة الكهرباء يلخص معاناة الموظفين في الوزارة والبالغ عددهم نحو 13 ألف موظفا في المؤسسة العامة، وبقية المناطق بأمانة العاصمة، بالقول: "بعض الموظفين نشر في مواقع التواصل الاجتماعي عرض بعض أعضائه للبيع؛ بسبب عدم وجود أي شي في البيت من طعام وشراب، فطلب منه أبنائه توفير لهم الأكل كونهم جائعين، ولم يجد سوى اللجوء لبيع أعضائه".
وأضاف علي محمد لــ"العاصمة أونلاين": يعيش موظفو الكهرباء أصعب أيام حياتهم على الإطلاق، خصوصا وقد باتوا يروا زملاؤهم في الشارع يبحثون عمّن ينقذهم، بتوفير فرصة عمل، أو إعطائهم مساعدة، في الوقت الذي يقوم الحوثيون باكل الأموال، وشراء السيارات الفاخرة والفلل الجاهزة، بينما لا يستطيع الموظف الحصول على قيمة مواصلات من وإلى منزله.
أساليب حوثية
ومع ازدياد الضغوط على المليشيا الحوثية من قبل الموظفين، جراء استمرار انقطاع المرتبات، سارع الحوثيون إلى ابتكار أساليب جديدة، تهدف إلى تمييع مسمى الراتب، والذي يعد حق من حقوق الموظفين لا يحق لأحد منعه إطلاقا.
ولعل أبرز هذه الأساليب الحوثية، والتي باءت بالفشل، وكشفت عن الفساد الكبير الذي باتت تمارسه هذه المليشيا تحت عناوين ولافتات مختلفة، أبرزها "البطاقة السلعية"، و"الريال الالكتروني"، وكذا محاولة تجميل قبحها بصرف نصف راتب، واعتباره كإنجاز لها، مع انه بات كل ستة أشهر.
حيث أقرت ميليشيات الحوثي، مطلع آذار/ مارس الماضي، بدء التشغيل التجريبي لما يُسمى بــ"العملة الإلكترونية"، أو "الريال موبايل".
وسعت الميليشيات الحوثية، من خلال ذلك المشروع الذي ولد ميتا كما يُقال، إلى مواجهة شح السيولة النقدية من العملة المحلية، بعدما قامت خلال ثلاث سنوات من الانقلاب باستنزاف كل الاحتياطيات من البنك المركزي لصالح تمويل جبهات القتال والإثراء غير المشروع لقادتها والموالين لها.
تمويل الحروب
وكان مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، قد طالب في مايو الماضي، بسرعة دفع مرتبات الموظفين اليمنيين العاملين في القطاع المدني والذين يدخلون شهرهم التاسع عشر دون مرتبات لاسيما العاملين في قطاعي الصحة والتعليم، والمؤسسات غير الإيرادية.
وأشار المركز إلى أن التقديرات الأولية تشير إلى أن مليشيا الحوثي، جمعت في المناطق الخاضعة لسيطرتها، إيرادات تفوق 400 مليار ريال، في حين لا يزال أكثر من 500 ألف من الموظفين المدنيين الواقعين تحت سيطرتها بدون مرتبات منذ سبتمبر 2016م.
ولفت إلى تراجع الحد الأدنى للأجور في اليمن إلى أقل من 45 دولارا في الشهر مقارنة بـ 95 دولارا في السابق أي أن الموظفين فقدوا أكثر من نصف دخلهم بسبب تراجع العملة حيث تراجعت العملة بنسبة 143 % منذ بدء الحرب التي تجري في اليمن.
وأوضح أن النسبة الأكبر من الموظفين المدنيين تعيش في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين، مؤكدا أنهم باتوا يعيشون في وضع صعب، حيث يتم تسليم مرتبات الموظفين في المؤسسات الإيرادية فقط.
وقال المركز، في تقريره أن وضع الموظفين في المحافظات التي تحت سيطرة الحكومة الشرعية، يُعد أفضل حالا، حيث يتسلمون مرتباتهم بشكل منتظم".
وعمدت مليشيا الحوثي إلى استغلال هذه الإيرادات في تمويل حروبها التي تشنها ضد اليمنيين، ومحاولة فرض فكرها الإمامي والطائفي بقوة السلاح، متناسية قرابة مليون موظف في الجهازين المدني والعسكري في المحافظات الخاضعة لسيطرتها.
تساؤلات؟
ويظل السؤال الأبرز هو: لماذا ترفض مليشيا الحوثي صرف مرتبات الموظفين في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، رغم ارتفاع إيراداتها بشكل كبير جدا مقارنة بما كان عليه في السابق.
ففي الوقت الذي تقوم فيه المليشيا بتنويع موارد الدخل لديها من خلال فتح منافذ جمركية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وفرض رسوم الضرائب، ورفع رسومها بأشكال قياسية؛ فضلا عن بقية الموارد الأخرى المتمثلة بفوارق أسعار النفط والغاز؛ إلا أن الحوثيين لا يزالون يرفضون صرف المرتبات، أو توريد هذه الإيرادات إلى البنك المركزي بعدن، على أن تتكفل الحكومة الشرعية، بصرفها.
وفي هذا الصدد، يقول أحد الموظفين في وزارة الكهرباء رفض الكشف عن اسمه: أن الوزارة لديها إيرادات كبيرة، وبحسب الوزير الحوثي في حكومة الإنقاذ فان إيرادات 2017 بلغت 2 مليار ونصف؛ إلا أن ذلك لم يكلفهم بصرف مرتبات الموظفين.
وأضاف في حديثه لــ"العاصمة أونلاين"، "ما يقهر الموظفين أكثر هو أن المؤسسة لديها إيرادات كبيرة، وبدون تكلفة؛ كون الوقود المستخدم يأتي بالمجان من مأرب؛ إلا أننا كموظفين لم نستفد منها بشيء، في الوقت الذي يتم نهب الإيرادات من قبل المسئولين والمشرفين والمراقبين، بأسماء وهمية ولجان فساد".حسب وصفه.