×
آخر الأخبار
حملة حوثية "جديدة" لاستقطاع ونهب أراضي مواطنين غربي "صنعاء" رابطة حقوقية تدعو إلى إعلان 18 أبريل يومًا وطنيًا للمختطفين في "اليمن" قيادي حوثي يواصل احتجاز نجل صحفي في "إب" تعز: مقتل مسن برصاص المليشيا الحوثية في منطقة الشقب ما وراء العزوف عن تداول العملة المعدنية "الجديدة" في صنعاء؟ مستجدات المنخفض الجوي.. وفاة مواطن وجرف سيارات وطرقات في حضرموت أضرار واسعة جراء المنخفض الجوي في حضرموت صحته في أسوأ.. القاضي قطران من "معتقله": انقذوني من "الموت" مركز حقوقي: اختطاف وتعذيب "الحوثي" للخبراء التربويين يستدعي التحقيق "المحايد" خلال نصف شهر.. المليشيا الحوثية تدفن 19 من عناصرها قتلوا في ظروف غامضة

البطل "يوسف الصنعاني".. تضحيات خالدة وجراحات متعددة توّجت بالشهادة في معركة نهم الكبرى

العاصمة أونلاين - خاص


الأحد, 23 ديسمبر, 2018 - 09:01 مساءً

 
"قد وطّنا أنفسنا على أن نعيش أحراراً عظماء، أو أن نموت أطهاراً كرماء" بين طرفي هذه الجملة اختصر حياته حينما وضعها شعاراً له بصفحته الشخصية على "الفيس بوك" قبل أشهر من أن تسقط قذيفة حوثية عمياء لتضع حداً لحياته الاستثنائية في الخطوط الأمامية في قلب جبهة نهم شرقي العاصمة صنعاء، في ظهيرة الخميس 20 ديسمبر 2018م.
 
إنه الجندي المجهول البطل يوسف علي محمد الصنعاني، من مواليد محافظة صعدة 1987م، بكالوريوس تربية قسم لغة انجليزية- جامعة صنعاء، متزوج ولديه طفلة أسماها (نور).
 
استشهد في 20/12/2018م، وهو يتقدم صفوف أبطال الجيش الوطني في قلب "جبهة نهم" شرقي صنعاء، بعد أن أثخن ورفاقه في مليشيات الحوثي الانقلابية ولقنوها دروساً قاسية في التضحية والفداء، وسطروا بطولات خالدة سيتذكرها الأجيال بإعزاز وافتخار.
 
وبالرغم من الحزن العميق الذي اعترى أصدقاء وزملاء "يوسف" ومعارفه، إلا أنهم أكدوا لـ"العاصمة أونلاين" أن هذه البطولات والتضحيات التي قدمها البطل طيلة 8 سنوات لا يليق بها إلا الشهادة، مؤكدين أن "الشهيد البطل سيكون رمزاً خالداً في ذاكرة التاريخ، وعلماً ملهماً لأبناء الشعب اليمني في الحفاظ على مكتسبات الثورة والجمهورية والدفاع عن الوطن الغالي من أطماع الطموحات الإمامية وأحلام الإمبراطوريات الوليدة.
 
وفي هذا الموضوع، نترككم مع بعضاً مما تحدث به إلينا عدد من زملاء الشهيد، ورفاقه الذين لازموه في مواطن الشرف والبطولة المختلفة، كما ان المقام والوقت لم يسعنا لسماع كل شيء عن الشهيد البطل وتوثيقه، إلا أن ما سمعناه يؤكد اننا أمام بطل أسطوري ينتمي لجيش عظيم قادر على تحرير البلاد وحماية من أي أخطار قد تهددها في المستقبل.
 
بواكير البطولة.. "يوسف" أحد شباب الثورة وحماتها
 
بدأ "يوسف" حياته النضالية من العام 2011م عندما التحق بثورة الشباب في محيط جامعة صنعاء، وعاش معهم سنوات الثورة والشجاعة بكل تفاصيلها، فبعد مجزرة جمعة الكرامة التحق بالفرقة الأولى مدرع بعد انضمام قائدها لثورة الشباب وتعهد بحماية الثورة وشبابها، ليقوم وزملائه بحماية رفاقه الثوار من بطش قوات الرئيس علي عبدالله صالح.
 
وحينما تعرض شباب الثورة لهجمات مسلحة من قبل قوات صالح، أخذ الجندي "يوسف" بندقيته وانطلق إلى محيط ساحة الشباب من ناحية "جولة كنتاكي" الشهيرة، للدفاع عنهم.
 
وعندما كانت عربة عسكرية تابعة لقوات الأمن المركزي الموالية لـ"صالح" تمطر المتظاهرين في "الجولة" بالعيار أخذ "يوسف" قذيفة آر بي جي وأعطبها وأنقذ مئات الأرواح، لترصده عين قناص من على أسطح البنايات المجاورة، ليسقطه أرضاً برصاصتين الأولى في بطنه والأخرى اخترقت جسده من أعلى القلب وخرجت من ظهره.
 
لم يتحرك إلى "مربع الموت" بأوامر عسكرية روتينية كما تجري العادة، بل إن "يوسف" هو من أصر على القرار وأخذ الإذن وانطلق على جناح السرعة ليفتدي زملاءه الذين يهتفون بالحرية والعدالة والعيش الكريم، في وطن خال من العصبية والحزبية والملكية المغلفة.
 
وما إن تعافى من إصاباته القاتلة، حتى تناهت إلى أسماعه أن أعتى قوات صالح المتمركزة في أعالي جبال أرحب، وهي معسكرات الحرس الجمهوري الثلاثة في (الفريجة والصمع بيت دهره) تتأهب للإنقاض على ساحات اعتصام شباب الثورة في وسط العاصمة صنعاء، توشح "يوسف" بندقيته وتوجه شمالاً صوب جبال "أرحب" للمشاركة في كبح تحركات آليات الموت في مرابضها، وهناك أصيب بعدة شظايا في أماكن متفرقة في جسده، ليعود على إثرها إلى منزله في صنعاء.
 
نجدة الأصدقاء
 
لم تكن شجاعة "يوسف" ناتجة عن طبع عنيف جبل عليه منذ نشأته، ولا وليدة ظروف أسرية قاسية ساهمت في تكوينه، وإنما دفعته معاني الوفاء والأخوة والنخوة، ففي ذات يوم علق مجموعة من أصدقائه بأحد شوارع الحصبة إبان الحرب التي اندلعت بين قوات صالح ورجال القبائل، يقول أحدهم إنه استعرض جميع معارفه الذين يمكنهم تقديم المساعدة في إنقاذهم من الموت على يد قوات "صالح" فلم يظهر على أدمغتهم غير يوسف" الشاب الباسل الشجاع الذي لا يتوانى عن نجدة المظلوم والملهوف مهما تكن التضحيات.
 
وما هي إلا لحظات وإذا به- وحيداً- يشتبك مع المجاميع المسلحة ويجبرهم على الفرار، ويتمكن من شق طريق السلامة في طوق الحصار المشدد، ليعود وزملائه من بؤرة الموت المحقق إلى مرافئ الأمان، ولم يتقبل من أصدقائه حتى عبارات الشكر الصادقة.
 
كما سبق الذكر، عاش "يوسف الصنعاني" جميع أحداث الثورة وتحولاتها، ومخاوفها وآمالها، منذ لحظاتها الأولى، وتعرف خلالها على الكثير من الأصدقاء، الذين أحبوه وألفوه منذ لقائهم الأول به، وتشارك معهم جميع الأحوال، والأحزان، والطموحات والآمال، وتقاسم معهم الجوع، والبرد، والخوف، والغاز المسيل للدموع، ورصاص القناصة وشظايا الموت المتطايرة من كل اتجاه.
 
"يوسف" الشاب المخلص لأرضه وأبناء شعبه
 
وكما هو حال غالبية الشباب الشرفاء الأوفياء الأنقياء، بعد تسليم صالح السلطة لنائبه عبدربه منصور هادي، وفقاً لمبادرة الأشقاء في مجلس التعاون الخليجي، عاد يوسف" إلى ممارسة حياته الطبيعية، لم يتقلد منصباً ولم يتردد على أبواب الوزارات والمؤسسات الحكومية بحثاً عن نصيبه من الكعكة، ولم يلجأ لوسائل الإعلام لاستعراض بطولاته وتضحياته التي قدمها خلال الثورة وعرض حياته لخطر الموت في سبيل الدفاع عنها وأبنائها مراراً وتكراراً، بل اكتفى بأن يكون جندياً مخلصاً في الفرقة الأولى مدرع (سابقا)، مع زمرة من رفاقه المخلصين الذين تعرف عليهم في ساحات الثورة.
 
كان يوسف- كغيره من شباب الثورة- ينظر بفخر وزهو إلى البلاد وهي تعود إلى الحياة من جديد، والنشاط يدب في مؤسسات الدولة بعد تشكيل حكومة الوفاق، والوضع المعيشي للموظفين والمواطنين يتحسن يوماً بعد يوم، كانت الأمور تمضي إلى الأفضل في كل ساعة، إلا أن حركة غريبة "غير مرئية" كانت تنبئ بخطر داهم على الثورة ورجالها، بل وعلى اليمن وأبنائها بشكل عام.
 
مرحلة جديدة من الدفاع عن الثورة

ومع دخول العام 2014م بدأت ملامح الخطر في الظهور على شكل مليشيات موتورة قادمة من كهوف وجبال صعدة (شمال البلاد)، كانت هذه العناصر في يوم من الأيام تمثل دور الضحية، وهو ما دفع شباب الثورة الذين ينشدون العدالة والمساواة إلى القبول بها في ساحات الثورة رغم غرابة سلوكها.
  
وفي نهاية العام 2014م رفعت هذه المليشيات شعارات براقة تلامس حاجات الناس، وبدأت في حصار العاصمة صنعاء بدعم وتسهيلات كبرى من "صالح" وقواته، حينها استشعر "يوسف" ورفاقه الخطر الداهم وهو ما كان يساوره منذ زمن مبكر، وما كان منه إلا أن تحسس بندقيته وبدأ مع رفاقه الأحرار رحلة الدفاع عن العاصمة صنعاء ومكتسبات الثورة والجمهورية من الغزاة الذين يحاصرونها من كل اتجاه.
 
"مطارح نخلا".. "يوسف" المقاتل والجريح
 
وعندما تمكنت المليشيات الحوثية مسنودة بقوات صالح من اجتياح العاصمة صنعاء، واحتلال المؤسسات الحكومية ومحاصرة رئيس الجمهورية عبدربه منصور هادي وعدد من الوزراء والمسؤولين واحتلال منازلهم، وبدأت جحافل المليشيات بغزو المحافظات الأخرى وصولاً إلى عدن (جنوبي اليمن)، خرجت قبائل مارب ومن خلفها الأحرار من مختلف أنحاء اليمن يشكلون نواة المقاومة الشعبية في مطارح نخلاء والسحيل بمحافظة مارب، وكان "يوسف" من أوائل الشباب المنضمين لهم مطلع العام 2015م.
 
وتمكن أبناء محافظة مارب ومعهم جموع الأحرار من شباب ورجال اليمن، من كسر زحوفات المليشيات الانقلابية ومنعوها من السيطرة على مدينة مأرب، وهناك خاض البطل "يوسف" ورفاقه الأحرار صولات وجولات ومعارك فاصلة ضد مليشيات الحوثي وصالح الانقلابية جسدوا خلالها أروع معاني التضحية والفداء، وفي إحدى المعارك نالت منه رصاصة غادرة أوقفت بسالته وعنفوانه الكبير، حينما حطمت فكه العلوي وخرجت من خلف أذنه نقل على إثرها إلى المملكة العربية السعودية لتلقي العلاج.
 
مدرسة الشجاعة والكبرياء
 
خلال نحو ثلاث سنوات من عمر الثورة كان "يوسف علي محمد الصنعاني" أحد أبرز الشباب الذي وضعوا حياتهم على المحك، وواجهوا الموت ببسالة منقطعة النظير، إلا ان شجاعة "يوسف" وإقدام لم تأت من دهاليز التربية العقائدية ولا من دورات التربية الجهادية التي تنتهجها مليشيات الحوثي وتقيمها لأتباعها قبل الزج بهم في جبهات القتال، بل تشربها من المناهج التعليمية الرسمية طيلة 16 عاماً في مدارس الجمهورية اليمنية، ومن أسرته العريقة التي أنشأته على الكبرياء والشموخ والعيش الكريم.
 
بالرغم من أنه تعرض لإصابة بالغة وهي عذر يمنعه من العودة للقتال، إلا أنه رفض حياة العجز والاستسلام لآلام، فما إن تماثل للشفاء في مرحلة العلاج الأولى، لم ينتظر "يوسف" المرحلة التالية بعد أشهر، حتى اختار أقرب جبهة للقتال وانخرط في صفوف أبطال الجيش الوطني في جبهة ميدي بمحافظة حجة، بقيادة القائد البطل العقيد ربيع العسكري، وبعد أشهر من الاستبسال والقتال منقطع النظير كتب للبطل أن يجرح مرة أخرى بشظايا هاون أسعف على إثرها إلى السعودية مرة أخرى.
 
حياة أخرى غير مريحة
 
أُجبر "يوسف" على تلقي العلاج بأحد مشافي المملكة العربية السعودية لفترة بإصرار من قادته ورفاقه وأصدقائه، وخضع لهذه الضغوطات على مضض، وما ان تماثل للشفاء قليلاً حتى بدأ العمل من جديد مرافقاً مع وزير الأوقاف والإرشاد في الحكومة الشرعية، إلا أن هذا العمل لم يرق لشاب مثله يعشق المواجهة مع الباطل وجنوده وجهاً لوجه، فحاول تخفيف الملل بفتح محل إلكترونيات وممارسة التجارة الحرة، بفعل سيل التوسلات من رفاقه الذين كانوا يخافون خسارة بطلهم الملهم الذي استعصى على الموت رغم معانقته له في أكثر من جبهة وبأكثر من صوره في فترات متلاحقة.
 
الم تدم تجربة يوسف" الجديدة طويلاً، ليعلنها مدوية في وجه أصدقائه وزملائه المرابطون في جبهات القتال ورفاقه الجرحى، "راحتي في العيش بالخطوط الأمامية المقابلة لأعدائي وأعداء بلدي في ميادين القتال"، ليعود بعدها إلى محافظة مأرب قبل تسعة أشهر من تاريخ استشهاده، ولدى وصوله كان في قمة السعادة لعودته إلى مواطن العز الأولى، ومع إصرار زملائه وأصدقائه بالعودة لاستكمال علاجه كان يرد عليهم في كل مرة أن "لا داعي لذلك فأيامه أضحت قليل".
 
كان رده هذا لا ينطقه إلا بعد إصرار وإلحاح شديدين من أصدقائه، فلقد عرف بالشجاعة والوفاء، والإخلاص، فلم يمع منه يوماً شكوى أو تذمر أو تفاخر، فلقد عاش حياته كما يريد، كتوماً مبتسماً، متسامحاً، وفي علاقة جيدة مع ربه.
 
لقد كان رجل المهمات الصعبة، مقصد أصدقائه لنجدتهم، ومواساتهم، ومساعدتهم على قضاء حوائجهم، وهذه صفاة اكتسبها بالفطرة، كأي يمني لم تلوثه الأحقاد والعصبيات والتحزب الأعمى.
 
أقصر الطرق.. الخيار الأول
 
طيلة سنوات كان "يوسف" يلتحق بأقرب جبهة، وينظم تحت أقرب لواء، ليس سعياً وراء مكاسب مادية، ولا من أجل التقرب إلى قائد عسكري لينال حظوة إلى جواره، ولكنه كان يرى كل شبر في اليمن  أرضه الغالية، وكل جندي شريف يحتاج إلى مساعدته في معركة دحر المليشيات التي تعمل لصالح أجندات أجنبية تسعى للنيل من أمن واستقرار اليمن والمنطقة برمتها.
 
وبعد إصابته في إحدى المرات، وبينما رفاقه يحملونه إلى سيارة الإسعاف سقطت من جيبه ورقة ملفوفة بإحكام، فانتزعها أحد رفاقه وحسبها وصية البطل الجريح، وإذا بها تتضمن أسماء أصدقائه الذين استشهدوا إلى جواره في جبهات القتال، وكان الرقم الأخير في الورقة (فارغا)، وكان هذا الفراغ هو مكان اسمه الذي ذهب وترك كتابته للتاريخ، ولأبناء الوطن الذين افتداهم بأغلى ما لديه.
 
المعركة الأخيرة والتنبؤ بالنهاية
 
ومؤخراً التحق "يوسف" بالكتيبة الخاصة المرابطة في إحدى جبهات مديرية نهم شرقي العاصمة صنعاء، وفي النصف الثاني من ديسمبر 2018م، أوكلت إلى هذه الكتيبة مهمة التقدم لمسافة محددة، وكان يوسف على رأس الأبطال المقتحمين لمواقع العدو، وحققوا نجاحات باهرة في معركة كبرى أضاءت سماء صنعاء وسمع دوي الاشتباكات إلى أطراف عمران.
 
وفي غمرة هذه المعركة سقطت قذيفة هاون بالقرب من البطل "يوسف" وثلاثة من رفاقه الأشاوس، في قلب مديرية نهم في الـ 20 من ديسمبر العام الجاري 2018م، وأصيب بشظايا هذه القذيفة في أجزاء جسده العليا، وهي القذيفة والشظايا وأماكن الإصابة التي تمناها "يوسف" في حضرة أصدقائه ذات يوم.
 
هذا نزر يسير من حياة البطل القصيرة، وقصصه وبطولاته التي لا تسعها مجلدات، فلقد كانت الشهادة نصب عينيه، وكانت حديثه الدائم، إلى جانب العدل والمساواة والعيش الكريم التي كان يتمناها لأبناء الشعب اليمني.
 
زهاء عقد من الزمن، قلما تجد "يوسف علي محمد الصنعاني" في الولائم والأماكن العامة، فلقد كان دائماً في ميادين الشرف والبطولة والفداء"
  



لمتابعة الموقع على التيلجرام @Alasimahonline


تعليقات 

اقرأ ايضاً